وسائل الإعلام الحديثة: وسيلة تفاهم أم عقبة أمام حوار جاد
٧ فبراير ٢٠٠٦لقد لعبت وسائل الإعلام الحديثة دورا فاعلا في أزمة الرسوم الكاريكاتورية الأخيرة سواء في هذا الاتجاه أو ذاك. هل تساعد هذه الوسائل بالفعل على تحقيق مزيد من التفاهم بين الشعوب أم تعمل على اتساع الهوة بين الحضارات والشعوب؟
"من يسيطر على الصورة، يسيطر على العقول"، هذا ما قاله بيل جيتس، رئيس شركة مايكروسوفت، وأحد العاملين على نشر الحاسب الآلي والانترنت والتقنيات الحديثة في العالم. جيتس أثار بقوله هذا تساؤلاًَ عن إمكانيات توجيه الإعلام والتحكم في العالم عن طريق الصور المختلفة التي يتناقلها الأفراد عبر الانترنت، أو يشاهدونها عبر القنوات الفضائية المختلفة. ولأن الصورة تعبر عن الأشياء أكثر من ألف كلمة، فان تأثيرها أقوى من تأثير التقارير الصحفية والعبارات المصاغة باحكام مطلق. هذا الأمر يدعو للتساؤل، لو لم تكن هناك صور لأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 الارهابية، هل كانت ردة الفعل الأمريكية ستكون على هذه الشاكلة؟ وهل كان العالم كله سيغرق في بحر التساؤلات حول العرب والمسلمين، وعلاقة الإسلام بالإرهاب لو لم يكن هناك وسائل اتصال حديثة تقوم على نقل الصور لأوروبا وللعالم كله؟ لولا وسائل الإعلام الحديثة من فضائيات وانترنت، هل ستصبح ردة الفعل على الكاريكاتير الدانماركي نفسها؟ ترى ما هو حجم السلطة التي يمثلها الإعلام وما ينشره من صور على الرأي العام في يومنا هذا؟ وهل كل هذه التقنيات الحديثة أضحت لعبة جديدة في يد الساسة يحركونها كما يريدون؟ أسئلة كثيرة تحتاج الى أجوبة تتجاوز النعم أو لا وتتطلب معرفة دقيقة بخبايا الاعلام الحديث واستراتيجياته المتنوعة.
تأثير كبير لوسائل الإعلام
لم تعد وسائل الإعلام في يومنا هذا مجرد مصدر للأخبار أو أداة للترفيه، بل أنها أضحت تساهم بشكل كبير في صياغة الآراء والقيم، ويمكنها أن ترفع من حساسية مختلف فئات الشعب تجاه مواضيع معينة، كما يمكنها تعبئة الرأي العام في اتجاه هي تريده بالذات، وخصوصا اذا ما تعلق الأمر بالشباب الذي يستمد معلوماته بشكل أكبر من الانترنت، ومن القنوات الفضائية، ويعتمد عليها في تكوين مواقفه السياسية. وتمثل الانترنت أيضاً المنبر الذي يعبر خلاله الشباب عن أنفسهم، خاصة في الدول التي تعاني من قمع الحريات. فهناك يمكن للشباب الحديث بلا رقابة، وبلا وسيط الاتصال بالعالم الخارجي والتعرف على كل جديد، فيشعر المستخدم عندئذ بمشاركته الإيجابية في الحدث الإعلامي. وربما ليست السلطة الإعلامية أمراً جديداً، بيد أن شبكة الاتصال الواسعة اليوم، جعلت العالم مفتوحاً وبلا حدود في تناقل المعلومات.
عندما أصبح العالم الكبير "قرية صغيرة"
دائماً ما يوصف القرن العشرين، والحادي والعشرين بأنهما عصرا التكنولوجيا والاتصال. ويؤكد الجميع على أن العالم أصبح بسبب ثورة الاتصالات قرية صغيرة، فما يحدث اليوم في أقصى أنحاء الأرض، يصل بعدها بدقائق إلى الجانب الآخر منها. ويوصف الأمي في يومنا هذا بمن يجهل قواعد استخدام الكمبيوتر والانترنت. ولكن الكل يتناسى أن هذه القرية الصغيرة مكونة من عدد غير محدود من الثقافات، فهل ساعدت سرعة انتشار الصورة والمعلومات في عصرنا إلى مزيد من التفاهم، أم على العكس، بمعنى هل كان لتلك السرعة في التعرف على الأحداث دورها في الصدام الأسرع بين الحضارات؟ لقد أوضحت الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد وما أثارته من ردود فعل اتسمت بالعنف في بعض الدول، أن الفجوة بين الحضارات كبيرة، وأن القرية الصغيرة التي حققها التطور الإعلامي الكبير تضع العالم أمام تحديات جديدة في القرن الحادي والعشرين. هذا ما يراه المسئول في قسم التحرير في صحيفة "النهار" اللبنانية راجح خوري حيث يقول: "العالم أصبح قرية صغيرة وهذا يفرض الكثير من التحديات على الإعلام، فهناك تقاليد ومشاعر لا يمكن إدراكها بالسرعة نفسها التي ينتقل فيها الإعلام". أما رئيس مجلس إدارة صحيفة "الدبور" اللبنانية جوزف مكرزل فقد رأى أن قصة الدنمارك بدأت عن جهل، لأنه أضحى أمراً معتاداً أن ينتقد المسيح والله في الصحف الغربية، دون اعتبارها إهانة، والجهل بثقافة الآخر هو ما دفعه لنشر الصور بحسن نية. ولكنه أضاف "كل إنسان حر بأن يعبر عن رأيه شرط أن يلتزم حدود احترام الآخر".
سرعة انتشار الصورة وتحديات القرن الحادي والعشرين
لقد اكتشف العالم السلطة الإعلامية منذ وقت بعيد، وقد يكون الدعائي الأكبر جوزيف جوبيلز Joseph Goebbels والقائم على الحملة الدعائية لهتلر هو أول من استخدمها بكثافة، وتمكن عبرها من تحقيق انتصار كبير للحزب النازي، معتمداً على الإعلام والرقابة على كل ما ينشر أو يعرض من أخبار وصور. وكانت صور هتلر آنذاك تدرس قبل أن يقرر أيها قابل للنشر. "فالـزعيم" لا يجب أن يظهر بشكل غير لائق. ومازالت وزارات الإعلام في العالم العربي تقوم بنفس الدور، وتعاند في محاولتها التمسك بحقها في الرقابة على ما ينشر أو يذاع. ولكن سرعة انتشار الصورة، وصعوبة السيطرة على الفضاء المفتوح والانترنت، جعل التحدي أكبر. ولم يعد من الممكن الاكتفاء بسلطة الحكومة على وسائل الإعلام، وأصبح الأمر يحتاج لتوعية فعلية للجماهيرـ وأصبح الفرد بحاجة لعين أكثر حساسية وعقل أكثر قدرة على النقد والتحليل ليتمكن من التعرف على الرسالة الحقيقية وراء ما يتلقاه من صور ومعلومات. وهذا الانفتاح الكبير في تناقل المعلومات يفرض في عالمنا اليوم تحدياً كبيراً على الفرد من ناحية وعلى وسائل الإعلام من ناحية أخرى، وهو ما يؤكده راجح الخوري، الذي يرى أن الحل يكمن في أن تفرض وسائل الإعلام على نفسها التأني والتعمق لمعرفة مشاعر الناس، على الأقل في الموضوع الديني. وبالتأكيد تختلف الآراء حول هذه النقطة، وحول الحدود بين احترام الآخر وبين حرية التعبير، فـ"القرية الصغيرة" فتحت المجال لصراع الحضارات، كما فتحت الفرصة للحوار بينها. وهو ما أكدته المحللة السياسية صوفيا سيلاغيي من بودابست عنما قالت: "إننا كلنا جيران اليوم بحكم الأمر الواقع، سواء أحببنا أم لا. وهذا يزيد من تحديات العصر للتوصل إلى إقامة توازن بين الحق بالحرية الفردية والحق بالحرية الجماعية". فالحرية في رأيها لم تكن أبداً جامدة، لكنها مرتبطة دائماً بالمسئولية.