عندما تصبح العواطف الدينية أداة سياسية واعلامية انتقائية!
مع نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد في جريدة "يولاند بوستن" الدنماركية شعر كل مسلم بالإهانة والاستفزاز. غير أن ردود الأفعال عليها في العالم الإسلامي خرجت عن حدود المألوف، فهي لم تقتصر على المظاهرات السلمية، وإنما تجاوزتها إلى مقاطعة البضائع الدنماركية وحرق أعلام عدة دول أوروبية وكل من سفارتي الدانمرك والنرويج في دمشق إضافة إلى القنصلية الدنماركية في بيروت. ومع إصرار وسائل إعلام أوروبية إعادة نشر الصور يستمر تأجيج مشاعر المسلمين ضد الغرب واستفزازهم.
ردود أفعال مبالغ فيها
مما لا شك فيه أنه يحق للمسلمين التعبير عن غضبهم على نشر الرسوم الكاريكاتورية. غير أن ردة فعلهم ينبغي أن تكون عقلانية. ومما يعنيه ذلك أنه لا ينبغي أن يصل الأمر إلى حد تهديد أرواح مواطنين غربيين وإلحاق الضرر بالممتلكات وإصدار أحكام بالموت على رسامي الصور وناشريها مثلما فعل الداعية الإسلامي الكويتي ناظم المصباح. كما لا ينبغي أن يصل الأمر إلى حد مطالبة الحكومات الغربية بمعاقبتهم والاعتذار رسميا عن نشر الصور.
إن مطالبة الحكومات الأوروبية بالاعتذار عن نشر الرسوم من قبل الدول العربية يعكس عدم فهم مبدأ حق حرية الرأي والتعبير الذي يحكم العلاقة بين الدولة والإعلام في الغرب. فبينما تضمن الدساتير الغربية هذا الحق في إطار الفصل بين الدين والدولة، يلعب الإسلام دورا مهيمنا على الصعيدين الرسمي والشعبي في العالمين العربي والإسلامي حتى على صعيد الحياة اليومية. وعليه فإن السياسيين في الدول الغربية لا يستطيعون التأثير المباشر على الصحافة كما هو عليه الحال في العالم العربي.
استغلال الاحتجاجات لأهداف سياسية
لقد تعدت ردود الأفعال في العديد من الدول العربية والإسلامية الخطوط الحمراء. فمن كان يعتقد أن الأمر سيصل في عواصم متعددة الأعراق والثقافات والطوائف كدمشق وبيروت إلى حد حرق سفارات وقنصليات. وفي العالم العربي وخاصة في العراق يتم أسبوعيا قتل مئات الأبرياء وحرق مساجدهم وكنائسهم دون احتجاجات تُذكر لا من قبل الشارع ولا من قبل الحكومات العربية.
إن تعامل مجموعات إسلامية متشددة والحكومات العربية مع أزمة الرسوم وقيامها بتأجيج غضب الشارع بدلا من تهدئته يوحي بأن ردود الأفعال تخفي ورائها دوافع سياسية أكثر منها دينية. فالجماعات المذكورة تحاول من خلال ذلك تعزيز نفوذها السياسي لدى عامة الناس. أما الحكومات فتحاول بتضامنها الظاهري مع المحتجين تحويل أنظار الناس عن فشلها في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. كما تحاول تبرير رفضها مطالب الغرب لها بدفع عمليات الإصلاح في بلدانها.
لقد أظهرت الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية كيف تحاول بعض الجهات الرسمية استغلال أزمة الرسوم لخدمة مصالحها. فالاحتجاجات على الرسوم هناك لم تٌقاد من قبل حركة حماس أو الجهاد الإسلامي وإنما من قبل كتائب شهداء الأقصى التي تشكل الجناح العسكري لحركة فتح. ويبدو من خلال ذلك أن الكتائب تريد من وراء ذلك استعادة جزء من شعبيتها بعد خسارتها الانتخابات البرلمانية الفلسطينية الأخيرة التي فازت بها حماس.
أحادية وسائل الإعلامأما وسائل الإعلام العربية فقد تعاملت مع أزمة الرسوم بشكل مختلف. فبينما يحتل الموضوع أولوية لدى وسائل إعلام مثل قناة الجزيرة وموقعها على الإنترنت، تتعامل معه وسائل إعلام أخرى مثل جريدة الحياة الواسعة الانتشار في المرتبة بحذر وتضعه في مرتبة المواضيع من الدرجتين الثانية أو الثالثة. غير أن جميع وسائل الإعلام العربية الخاصة منها والرسمية اعتبرت نشر الصور عملا مسيئا ومهينة.
أما الأصوات الناقدة فبقيت في خانة الاستثناء. جريدة شيحان الأردنية كانت إحدى وسائل الإعلام العربية القليلة التي انتقدت ردود الأفعال. فقد سأل معلقها: "ما الذي يلحق الضرر بالإسلام أكثر، هذه الرسوم أم صور المختطفين الذين يتم قطع رؤوسهم أمام الكاميرات وأولئك الذين يفجرون أنفسهم في عرس في العاصمة عمان"؟
طعنة للحوارخلال السنوات القليلة الماضية حاولت بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها ألمانيا دفع الحوار مع العالم العربي. ومنذ مشاركة الأخير في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004 كضيف شرف تم تحقيق الكثير. غير أن الرسوم الكاريكاتورية جاءت لتشكل ضربة قوية لما تحقق وطعنة للحوار بين الشرق والغرب. فوفقا لرأي العديد من المعلقين العرب فإن هذه الرسوم تخدم الجماعات المتطرفة التي لا تريد هذا الحوار أصلا. مثل هذه الإهانات المقصودة تسمم العلاقات بين الشرق والغرب حسب رأي عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربي. ومما لا شك فيه إن إعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية في صحف أوروبية سيزيد من عمق الهوة بين الجانبين.
ابراهيم محمد