الى متى تبقى "ثقافة العنف" مسيطرة على الاحتجاجات في العالم العربي؟
خرجت المظاهرات في عدة مدن يمنية بعد دخول قرار الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية حيز التنفيذ الأربعاء الماضي (20.07.2005)، لكنها أدت إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين متظاهرين مسلحين وقوات الأمن اليمنية. ووقع تبادل لإطلاق النار بعد أن الحق متظاهرون الأضرار بالسيارات والمحلات التجارية في عدة مدن منها عدن وصنعاء ولودر، وأدت المواجهات إلى سقوط 30 قتيلا والعديد من الجرحى. وذلك كما أفادت وكالات الأنباء.
ظاهرة قمع المظاهرات الشعبية والتجمعات المعارضة لسياسات الحكومة هي ظاهرة واسعة الانتشار في العالم العربي. حيث تفضل أجهزة الأمن أن تضرب بيد من حديد لإنهاء المظاهرة في أسرع وقت. ولمحاولة الوقوف على أسباب سقوط عدد كبير من الضحايا اتجهنا إلى السفارة اليمنية في برلين لتوجيه بعض الأسئلة، وتحدثنا مع السيد علي عقلان المسئول في السفارة لكنه رفض الإجابة على أسئلة الموقع معللا ذلك بقلة المعلومات المتوفرة لديه، غير أنه أشار إلى أن ظاهرة انتشار السلاح في اليمن تؤدي إلى سرعة اللجوء إليه لفض النزاعات، لذلك لا يستبعد سقوط بعض الضحايا من رجال الأمن أيضاً.
"ثلاث قطع سلاح لكل مواطن"
السيد عرفات الرفيد من مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في اليمن يرى أن مضاعفة أسعار الوقود أدت إلى خروج المواطنين للتظاهر احتجاجا على الغلاء، لا سيما وأن الحالة الاقتصادية تعاني من الضعف الشديد في اليمن. وبدأت المظاهرة سلمية حتى قامت أجهزة الأمن بمنعها ومحاولة تفريقها بالقوة وذلك بدعوى أنها لم تحصل على تصريح من الجهات المسئولة، بعدها تحولت المظاهرة إلى أعمال تخريبية امتدت لتشمل محلات تجارية ومباني حكومية ومنشآت نفطية، ثم اندلعت المواجهات المسلحة بين الطرفين.
ويتابع الرفيد أن أجهزة الأمن اليمنية تعاملت بشكل عنيف مع المتظاهرين بدلا من حمايتهم والحفاظ على مسيرتهم، مما استفز رد فعل غاضب من الجماهير، فاندلعت الاشتباكات المسلحة بين الجانبين. وهو يتوقع أيضا سقوط عدد من الضحايا في صفوف رجال الأمن لأن العنف كان متبادلا من الجانبين، مؤكدا على أن مشكلة انتشار الأسلحة في اليمن هي أحد الأسباب الرئيسية في تصعيد الخلافات الداخلية، فوفقاً لدراسة حديثة هناك من الأسلحة الخفيفة في اليمن ما يكفي ليحصل كل مواطن على ثلاث قطع سلاح. من ناحية أخرى ينتقد الرفيد التعبئة الخاطئة للأجهزة الأمنية والتي تصور المتظاهرين على أنهم أشخاص جانحون مفسدون، بينما الحقيقة هي أن المتظاهرين مواطنين عاديين أرادوا أن يعبروا عن سخطهم.
فوائد التظاهر
حق التجمع السلمي والتعبير عن الرأي هو أحد حقوق الإنسان المهضومة في العالم العربي، فميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ينص على أن لكل فرد حرية التجمع وحرية الاجتماع بطريقة سلمية ولا يجوز وضع قيود على ممارسة هاتين الحريتين. غير أن الحصول على تصريح بخروج مظاهرة في العالم العربي هو من الأمور شبه المستحيلة. ويرى الرفيد أن الحصول على تصريح بالتظاهر في اليمن هو أمر صعب جداً في ظل الوضع الراهن. فعادة ما توضع العراقيل أمام تنظيم المظاهرة، وعادة ما يتم التساهل مع مظاهرات التنديد بالسياسة الأمريكية، أما المظاهرات التي تنتقد الحكومة فمن النادر التصريح بها.
ممارسة حق التظاهر هي ظاهرة مفيدة ليس فقط للحياة السياسية ولكن أيضا للحياة النفسية، فهناك كثير من المحللين النفسيين الذين يرون في التظاهر ظاهرة صحية تُعيد التوازن النفسي للشخصية، فشحنة الغضب التي تملأ الذات كرد فعل على موقف معين تؤدي إلى عدم الاستقرار وإذا زادت عن حد معين قد تؤدي إلى الانفجار، لكن عندما يخرج المرء في جماعة للتعبير عن اعتراض جماعي على هذا الموقف بشكل سلمي تصفو النفسية مرة أخرى وتنقشع سحب الغضب من سماءها.
ثقافة العنف وثقافة الاعتراض
غياب "ثقافة الاعتراض" في العالم العربي يؤدي إلى مضاعفات سياسية كان من الممكن تجنبها إذا سُمح للجماهير بالتعبير عن آرائهم. والمتابع للمظاهرات في ألمانيا يلمس النتائج الإيجابية لاحترام ثقافة الاعتراض، فالمظاهرات تأخذ شكل احتفال شعبي كبير، وتخرج الأسر مع أطفالها إلى المظاهرات، ويشارك الصغار في حمل الشعارات، كما يصطف باعة المشروبات والطعام على الجانبين، وتنساب أنغام الأغاني والأناشيد الحماسية من إحدى العربات، مما يخلق شعورا مريحا، يجعل المشاركين يتخلصون من المشاعر السيئة التي دفعتهم إلى التظاهر، كما يجعلهم يشعرون بمسؤوليتهم تجاه حق التظاهر فلا يسيئون استخدامه ويحولونه إلى أعمال شغب وتخريب.
"المشكلة هي تفشي ثقافة العنف على الجانبين الحكومي والشعبي" يقول الرفيد معلقا على ظاهرة قمع المظاهرات في العالم العربي. فغياب ثقافة الحوار والتسامح يجعل الجماهير لا تعي حقها في التظاهر السلمي وبالتالي تنزلق إلى أعمال الشغب والتخريب، من ناحية أخرى تندفع أجهزة الأمن في استخدام القوة ضد مواطنين عزل بدعوى الحفاظ على الأمن والاستقرار. عندما تغيب ثقافة الاعتراض يسود تمجيد الرأي الواحد ويصاب الجميع بعقدة الخوف من تكوين أي رأي بديل، لمعرفتهم العواقب الوخيمة التي قد تصيبهم. ترى هل يكون ذلك أحد أسباب ظاهرة الإرهاب؟