وجهة نظر: ألمانيا القوة المترددة في قيادة أوروبا
١ يوليو ٢٠١٦"لا يجوز أن نتوهم بشأن جدية الموقف". هذا ما قالته المستشارة الألمانية أنغيلا بخصوص الأزمة في أوروبا. فهي تخسر بخروج البريطانيين الشريك، الذي كان غالبا ما يوافقها مثلا في قضايا القدرة التنافسية والسوق الداخلية. وبذلك أصبحت أنغيلا ميركل الآن وحيدة داخل أوروبا. فبصفتها أقوى وأقدم رئيسة حكومة لا يبقى لها سوى تولي دور قيادي ـ الأمر الذي يتعارض مع طبيعتها.
وضع حد لرغبات البريطانيين
فعلى سبيل المثال يجب وضع حد الآن للبريطانيين الذين هم بصدد نسج أمانيهم لفترة ما بعد الخروج. وحتى ديفيد كاميرون قدم المساعدة في ذلك أثناء توديع الآخرين، وقال إن بلاده تريد السوق الداخلية. وبما أن المواطنين يحملون هموما كبيرة بسبب الهجرة، يجب التعاطي بشكل منفصل مع حرية سفر مواطني الاتحاد الأوروبي. لكن البريطانيين عبروا عن غضبهم بسبب كثرة اليد العاملة القادمة من أوروبا منذ أن أوهمتهم بذلك حملة "الخروج" وحزب الاستقلال البريطاني. فهم أخرجوا مارد معاداة الأجانب من القمقم والآن عليهم الآن التعامل مع ما جنته أيديهم.
والاتحاد الأوروبي لن يقدم لهم المساعدة، لأن الجواب من بروكسل جاء بالإجماع. بل إن فرنسا وبولندا كانتا أكثر وضوحا وقالتا: إذا أرادت بريطانيا الولوج للسوق الداخلية، يجب عليها في المقابل ضمان الحريات الأساسية الأربع. وحرية تنقل العاملين هي واحدة منها. وإذا شددت المستشارة أنغيلا ميركل هي الأخرى على الرسالة نفسها التي لا لبس فيها، فإن الإشارة في اتجاه لندن واضحة، وهي أن البريطانيين لن يحصلوا على تلك الكعكة. انتهى الأمر.
والمستقبل بعد الخروج البريطاني بالنسبة إلى المستشارة الألمانية هو قضية السياسة البسيطة العملية: نحن لسنا بحاجة إلى نقاشات حول المبادئ ولا تعديلات في الاتفاقيات. ولسنا كذلك بحاجة إلى استفتاءات شعبية، رغم أنها تفضل عدم التعبير عن ذلك بصوت مرتفع. وعوض ذلك هي تريد أن يمارس الاتحاد الأوروبي سياسة عملية تعود بالمنفعة على المواطنين وتقنعهم بالنمو وفرص العمل للشباب والاستثمارات.
تجنب الوضوح
والعويل بسبب كثير من الإجراءات التنظيمية في أوروبا تريد مواجهته بمرونة أكبر. فإذا كانت هناك حاجة إلى دعم حكومي لتشييد صناعة ما، يجب إذن الاعتراف بالاستثناءات الضرورية. الأمر يرتبط بنجاحات ملموسة أكثر، وقليل من القوانين. وهذا نعرفه في الحقيقة منذ مدة وهي سياسة تلقى الغالبية. وتفضل أنغيلا ميركل أن تبقى في الخلف وتترك الفرنسيين والإيطاليين والآخرين تحديد معالم الدرب.
لأنه ليس هناك شيء يجعلك تخسر استفتاءات في أوروبا بسرعة وبجذرية مثل مواجهة الانتقاد القائل بأن الألمان يملون على الدول الأخرى إرادتهم. فحتى حملة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي وظفت بنجاح هذا الافتراء وهذه الشبهة لا تزال قائمة. وعليه يجب على المستشارة الألمانية التحلي بالتحفظ والحذر الكبير.
من ناحية أخرى ستتم المطالبة في حال ظهور أزمة مقبلة أو مشكلة كبيرة "بقيادة في أوروبا": من يرسم للاتحاد الأوروبي وجهته؟ أين هي قيادة أوروبا؟ نحن نعرف هذه الأمور. وكيفما كانت الطبيعة غير المريحة والصعبة لهذه الموازنة، فإن العبء يُلقى على عاتق ألمانيا وحدها بعد خروج البريطانيين. والجيران الكبار منشغلون كثيرا بمشاكلهم الخاصة. ولا يبقى حسب هذه الظروف سوى حكومة برلين للحفاظ على تماسك الاتحاد الأوروبي. وهي تولت هذا الدور إلى حد الآن بتردد.
أما الآن فلا مفر من القيام بذلك: ألمانيا يجب عليها تولي حجر الزاوية، ومن جهة إظهار القوة في أوروبا، ومن جهة أخرى الحفاظ على السكون والتواضع. ورغم الغضب بسبب الفوضى الحاصلة ـ ولهذا السبب أيضا سنشتاق إلى البريطانيين.