هيلموت شميت: سياسي بارع جمع بين الحنكة والعبقرية
توفي المستشار الألماني الأسبق هيلموت شميت بعد ظهر اليوم الثلاثاء (10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015) عن 96 عاماً في هامبورغ، وكان خامس خامس مستشار لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وذلك في الفترة بين عامي 1974 و1982.
ولد هيلموت شميت في الثالث والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول عام 1918 في مدينة هامبورغ من أسرة بسيطة واستطاع أن يتدرج في المناصب الحزبية والسياسية حتى وصل إلى قمة الهرم الحزبي للحزب الاشتراكي الديمقراطي وأن يفوز بأعلى منصب سياسي في ألمانيا هو منصب المستشار. وترك بصماته الواضحة في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية.
بداية مشواره السياسي
بدأ هيلموت شميت مشواره السياسي بالتحاقه بالحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1946 بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. وتدرج في الوظائف العامة حيث عمل خلال الفترة من عام 1949 حتى عام 1952 مديراً للقسم السياسي والاقتصادي في مصلحة الاقتصاد والتنمية في مدينة هامبورغ.
بوصول هيلموت شميت إلى البرلمان الاتحادي الألماني عام 1953 عن الحزب الاشتراكي ممثلا لجيل الشباب المليء بالحيوية والنشاط والحماسة. غير أن نجم شميت لمع أكثر من خلال الدور الذي لعبة أثناء حدوث كارثة الفيضانات التي ضربت مدينة هامبورغ عام 1962، حيث استطاع شميت بخبرته الاقتصادية والسياسية أن يلعب دوراً هاماً في عملية الإنقاذ وتلافي أثار الكارثة التي هددت حياة ما يقارب ثلاثمائة ألف شخص.
ومع مرور الوقت لمع نجم شميت حتى أصبح أحد الأسماء اللامعة في حكومة المستشار فيلي براند، حيث تولى فيها عام 1969 منصب وزير الدفاع ثم وزيراً للاقتصاد والمالية عام 1972. وفي عام 1974 انتخب هيلموت شميت مستشاراً لألمانيا خلفاً لفيلي براند ليصبح شميت خامس مستشار ألماني بعد الحرب العالمية الثانية.
مواقف وإنجازات
بعد مواقفه في كارثة فيضان هامبورغ عرف هيلموت شميت برجل المواقف الصعبة. غير أنه وفي عام 1977 استطاع أن يثبت مرة أخرى أنه رجل المواقف الحرجة، حيث واجهت ألمانيا في عهده ذلك العام واحدة من أكبر الأزمات الأمنية وهي ما يسمّى بفترة "الخريف الألماني"وهي الفترة التي ظهرت فيها مجموعة أطلقت على نفسها اسم "الجيش الأحمر البرلماني" والتي قامت باختطاف رئيس اتحاد رجال الأعمال في ألمانيا مارتن شلاير والضغط على الحكومة للحصول على فدية مالية ضخمة مقابل الإفراج عنه. كان موقف هيلموت شميت واضحاً عندما قال كلمته المشهورة: "جمهورية ألمانيا الاتحادية غير قابلة للابتزاز".
أما الأزمة الأمنية الثانية التي حدثت في عهد شميت وشهد له من خلالها بالحنكة وهي حادثة اختطاف طائرة تابعة للخطوط الجوية الألمانية "لوفتهانزا" من قبل إحدى الفصائل الفلسطينية والهبوط بها في مطار مقديشو. وقامت قوّات ألمانية خاصّة بتحرير الرهائن. وقد أعلن شميت في وقتها عن عزمه في التنحي عن منصبه فيما إذا أخفقت جهود حكومته في حلّ أزمة الطائرة. وقد استطاع الخروج من أزمات اقتصادية صعبة إلى حد أطلق عليه "العبقري الاقتصادي".
"هيلموت شميت" السياسي المفكّر
كان هيلموت شميت من المؤيدين لفكرة أوروبا الموّحدّة، ودافع عن فكرة قديمة مؤدّاها أنّ أوروبا القديمة لن تنحدر خلال القرن العشرين، إذا عرف الأوروبيين كيف يجعلون من الاتحاد الأوروبي كيان موحّد وقادر على الحركة. وهو يعوًل على الجبهة الألمانية الفرنسية أهمية خاصة في جعل أوروبا قوية وموحدة. ولهيلموت شميت في هذا الصدد ثلاثة مبادئ استرتيجية، هي: المحافظة على تكامل الموقفين الألماني ـ الفرنسي باعتبار البلدين هما المحرك الفعلي للاتحاد، وتكامل المصالح الأوروبية لتشكيل قوّة حقيقية، وضرورة الوصول إلى مفهوم الدفاع الموحّد لهذا الاتحاد الأوروبي.
يعتبر هيلموت شميت اليوم من أبرز النقّاد السياسيين ولأرائه السياسية والاقتصادية صدى كبيراً. كما أنه الناشر لصحيفة "دي تسايت" الألمانية المعروفة التي تصدر في مدينته هامبورغ. كما أن له مؤلفات عدة. حاز شميت على الكثير من الجوائز التقديرية في مختلف المجالات.
ع.ب/ ع.غ