هل يهدد تقارب تركيا مع العرب شراكتها الإستراتجية مع إسرائيل؟
١٢ يونيو ٢٠١٠أدى اقتحام القوات الإسرائيلية الدامي لسفن "أسطول الحرية" إلى موجة تنديد دولية عارمة ضد إسرائيل، تنديد عبر عنه حتى أقرب أصدقاء الدولة العبرية في أوروبا وفي الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى شد انتباه الرأي العالمي إلى الأوضاع الإنسانية في غزة، فإن الجانب الأكثر إثارة في هذه الحدث تجلى في الشرخ الذي تعرضت له علاقات إسرائيل بتركيا، أحد أوثق حلفائها الاستراتجيين في الشرق الأوسط.
فهل وصلت العلاقات التركية الإسرائيلية إلى نقطة اللاعودة؟ وهل يعني ذلك أن أنقرة باتت تعطي أولوية لعلاقاتها مع العالم العربي؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فهل سيتم ذلك على حساب إسرائيل؟ تتعدد تحليلات المراقبين بهذا الصدد بين من يرى أن التغيرات الإستراتجية في السياسة الخارجية التركية بدأت قبل حادث "أسطول الحرية"، وبين من يقلل من شأن هذا التحول ويعتبره ظرفيا ليس إلا، بحكم ثقل المصالح الإستراتجية بين البلدين.
"الابتعاد من إسرائيل بدأ قبل اقتحام "أسطول الحرية"
من يريد معرفة عمق الأزمة التي تجتازها العلاقات التركية الإسرائيلية وارتداداتها على علاقات أنقرة العربية، عليه إعادة التأمل في المؤتمر الصحافي المشترك الذي جرى بين رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان والرئيس السوري حافظ الأسد في يوم (السابع من حزيران / يونيو 2010) على هامش قمة اسطنبول الإقليمية والمسماة رسميا بـ "مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا". فمن بين ما صرح به الأسد قوله "إن الدماء التركية ليست مختلفة عن الدماء العربية وإن الدم واحد وهذا المزيج سيزيل الحصار"، ورد عليه أردوغان بالقول "ستدفع إسرائيل بلا شك ثمن ما اقترفته من إراقة دماء شهدائنا". والمثير في الأمر أن وعيد أردوغان يذكر إلى حد بعيد بالخطابات النارية لشخص كخالد مشعل أو حسن نصر الله، وإن كان الكثير من المراقبين سجلوا أن الزعيم التركي حرص في جميع تصريحاته حتى الآن على عدم الذهاب إلى حد القطيعة مع الحليف الإسرائيلي.
بدأت العلاقات بين إسرائيل وتركيا في التدهور بعدما بدأ أردوغان بدعم الفلسطينيين بشكل متزايد، خصوصا بعد الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008، وتجلى ذلك بوضوح في هبته الشهيرة أمام الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في دافوس. ولكن هل يشكل أي تقارب تركي عربي بالضرورة تهديدا لإسرائيل؟
في حوار مع دويتشه فيله قال الخبير والمحلل السياسي الإسرائيلي رون بينيشاي، أن إسرائيل لا ترى من الناحية المبدئية أي مانع في تمتين تركيا لعلاقاتها مع العالم العربي، مضيفا: "في الماضي كانت تركيا تتمتع بعلاقات جيدة مع العرب، دون أن يؤثر ذلك على علاقاتها مع إسرائيل، بل كانت قناة وساطة بينها وبين عدد من دول المنطقة".
واستطرد الخبير الإسرائيلي قائلا بأن التطور الجديد يكمن في أن "تركيا بدأت تصنف نفسها كطرف معاد لإسرائيل". ويعني رون بينيشاي بذلك أن الأمر يتعلق بقطيعة وليس بأزمة ظرفية واعتبر ذلك "نتيجة طبيعية لتطور عقلية الحكومة التركية في إستراتجيتها الخارجية التي باتت تصطف إلى جانب العالم الإسلامي". كما استبعد عودة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه نتيجة ما وصفه "بالتغير الجذري في السياسة التركية".
وذهب الكاتب والخبير الألماني المولود في حيفا، جوزيف كرواتو، في حوار مع دويتشه فيله في نفس الاتجاه، معتبرا أن "التقارب بين الإسلاميين الأتراك وحركة حماس ليس جديدا، وأنه بدأ في واقع الأمر في عهد نجم الدين أربكان". ويصف كرواتو أردوغان كامتداد طبيعي لأربكان وإن بأشكال أكثر اعتدالا. وهذا تحليل يميل إلى اعتبار التغير الذي وقع في السياسة الخارجية التركية، هو في الواقع تقارب مع "الاتجاهات الإسلامية" في العالم العربي أكثر من أي شيء آخر. فتركيا كانت لها في الأصل علاقات جيدة مع العالم العربي متعتها بميزة فريدة كانت تكمن في قدرتها على التوسط بين كل أطراف نزاع الشرق الأوسط، وهو دور قد تخسره في حال ما تأكد حدوث تغيير جوهري في عقيدة سياستها الخارجية حسب تحليل كرواتتو.
"العرب ينظرون للسياسة الخارجية بمنطق عاطفي"
ازدادت شعبية أردوغان في العالم العربي بارتفاع استعداده الدخول في مواجهة مع إسرائيل، وبات بريقه في الشارع العربي ينافس حتى زعماء الشرق الأوسط الذين اشتهروا بخطاباتهم النارية. ولقيت الإجراءات الأولى التي اتخذها في رد فعله على مقتل تسعة من الرعايا الأتراك حماسا كبيرا في الشارع العربي، كاستدعائه السفير التركي، وإلغاء تدريبات عسكرية مشتركة مع إسرائيل فتحول أردوغان إلى "بطل شعبي" يستشهد بخطاباته وترفع صوره إلى جانب العلم التركي في التجمعات الحاشدة في العالم العربي، بل ويسمى الرضع الجدد باسمه تكريما له.
إلا أن الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، عادل درويش، حذر في حوار مع دويتشه فيله من "انسياق عاطفي" مع تطورات العلاقات التركية الإسرائيلية وانتقد ما وصفه بالخلل في فهم العرب للسياسة الخارجية بقوله "إن أغلب الدول العربية تختزل مفهوم السياسة الخارجية في العلاقة مع إسرائيل". وأضاف أن العرب "ينظرون إلى العلاقات الخارجية بمنطق عاطفي".
ولم يستبعد درويش أن يكون "التقارب التركي العربي تقاربا ظرفيا ومرحليا"، في إشارة إلى أن لغة المصالح وليس العواطف هي التي ستغلب في نهاية المطاف في الاختيارات الإستراتجية لتركيا، مؤكدا في الوقت ذاته على أهمية عامل الصراع الداخلي في المشهد السياسي التركي، بين التيار الذي يسعى إلى "الانتماء إلى أوروبا وذلك الذي ينظر إلى الشرق والجنوب".
ومن وجهة نظر عربية محضة فإن موقف تركيا من اقتحام سفن "أسطول الحرية" ساهم بشكل فعال فيما يبدو في إثارة انتباه العالم لمعاناة الفلسطينيين في القطاع، وهو موقف أحرج نظام الرئيس حسني مبارك في مصر، الذي اضطر إلى التخفيف من حدة الحصار وفتح معبر رفح أمام سكان غزة. أما بعض المحللين الغربيين كجوزيف كرواتو، فينظر إلى هذه الأزمة من وجهة نظر مختلفة ويتساءل عن طبيعة التعاون الوثيق بين "المنظمة التركية للإغاثة وحقوق الإنسان" الإسلامية التي شاركت في فعاليات تنظيم "أسطول الحرية"، وحركة حماس، خصوصا وأنها تتوفر على مكتب لها في قطاع غزة. وأكد كرواتو أنه إذا ثبت أن لأردوغان علاقة ما بهذه المنظمة فسيكون في موقع من يلعب بالنار خصوصا وأنه لا يعتقد "في حدوث قطيعة بين تركيا وإسرائيل، لأن كلا منهما في حاجة إلى الطرف الآخر خصوصا في المجال العسكري".
الكاتب: حسن زنيند
مراجعة: طارق أنكاي