علاقات تركيا بإسرائيل تدخل منعطفا صعبا
١ يونيو ٢٠١٠وجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اليوم الثلاثاء (الأول من يونيو/حزيران 2010) انتقادات حادة وغير مسبوقة لإسرائيل، وذلك على خلفية تداعيات اقتحام قوات من البحرية الإسرائيلية لقافلة سفن مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة كانت تضم متطوعين أتراك.
ويعتقد فيكتور كوخر الكاتب الصحافي في صحيفة" نويه زوريشه تسايتونغ" السويسرية أن الانتقادات الحادة التي وجهها أردوغان لإسرائيل لا تبدو مفاجئة. فأردوغان، برأيه، يسير "على خط واحد منذ حرب غزة". واعتبر الصحافي السويسري بان ما يحدث الآن هو "من مخلفات حرب غزة، فالقطاع يشهد وضعا إنسانيا مأساويا ". وأضاف بأن "مهاجمة قوات إسرائيلية لقافلة سفن محملة بالمساعدات الإنسانية إلى غزة وقتل بعض المشاركين في القافلة، التي تضم متطوعين أتراك، أغضب تركيا كثيرا".
لكن ما هو المدى الذي يمكن أن يأخذه مسار التوتر الذي تشهده العلاقات بين تركيا وإسرائيل؟ وهل تذهب إلى حد وضع نهاية لعلاقات الشراكة الإستراتيجية التي أرساها البلدان خلال العقود الماضية؟ أسئلة يرد عليها فيكتور كوخر في حواره مع دويتشه فيله معتبرا أن علاقات البلدين مفتوحة على مختلف السيناريوهات.
"إسرائيل بحاجة إلى تركيا وليس العكس"
وفي رده على سؤال حول طبيعة المأزق الذي تواجهه العلاقات التركية الإسرائيلية وعما إذا كانت الشراكة الإستراتيجية بين البلدين مهددة بالتوقف، أعرب كوخر عن اعتقاده بأن "الأمور تسير في هذا الاتجاه". وأضاف كوخر بأن "علاقات التعاون ستشهد بالتأكيد حالة جمود لفترة ما". ولم يستبعد "إمكانية نهاية التعاون الإستراتيجي بين البلدين" معللا رأيه بأن"تركيا أصبحت بالفعل تميل إلى أوروبا وأميركا أكثر من ميلها لآسيا، وإسرائيل التي توجد بين الطرفين (الغرب وآسيا) تغضب تركيا في كل حين". فقد أعلنت تركيا أمس الاثنين إلغاء مناورات عسكرية مع إسرائيل في خطوة تعد الثانية من نوعها منذ حرب غزة.
ويعتقد المحلل السياسي فيكتور كوخر، الذي عمل مراسلا لصحيفة "نوير زوريشه تزايتونغ" في قبرص متخصصا في شؤون الشرق الأوسط، أن تركيا متنت علاقاتها الإستراتيجية والعسكرية مع إسرائيل عندما كانت أنقرة تعيش حالة عزلة إقليمية خلال العقود الماضية. ولكن الآن تغيرت الأوضاع وأصبحت تركيا مندمجة في محيطها الشرق أوسطي وتحسنت علاقاتها مع العرب، إضافة لتحالفاتها القوية مع الغرب (الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا). واعتبر كوخر أن "تركيا الآن في وضع يمكنها من الاستغناء عن علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل". وشدد كوخر على أن "إسرائيل بحاجة إلى تركيا وليس العكس".
لكن تركيا قد لا تجد التجاوب الذي تريده من حلفائها الأميركيين والأوروبيين في الناتو عندما تريد الإقدام على خطوات سلبية في علاقاتها مع إسرائيل. وهذا ما يفسر، برأي المحللين، العتب الذي وجهه وزير الخارجية التركي داوود أوغلو إلى واشنطن، حين قال للصحافيين هناك بأنه يشعر بخيبة أمل من الموقف الأميركي لحد الآن من أزمة قافلة سفن المساعدات. وأوضح أوغلو قائلا:" مازال بعض حلفائنا غير مستعدين لإدانة الأفعال الإسرائيلية. ونحن نتوقع التضامن الكامل معنا. ينبغي ألا يكون الاختيار بين إسرائيل وتركيا بل بين الصواب والخطأ".
هل أدوار تركيا الشرق أوسطية متضاربة؟
ولوحظ أن بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية بدأت في الآونة الأخيرة تستخدم عبارات مثل "محور تركيا- إيران- سورية – حماس"حين تتحدث عن تركيا. وهي العبارة التي استخدمها ناحوم بارنياع كاتب افتتاحية صحيفة "يديعوت أحرونوت" في عددها ليوم الثلاثاء. وفي تعليقه على هذه المسألة، وفيما إذا كانت تنطوي على مخاطر بالنسبة لتركيا، قال كوخر إن "تركيا تعتبر نفسها بصدد رعاية مصالحها في المنطقة وهي تقوم بما يقتضيه منها منطق الجوار"، مشيرا في هذا الصدد إلى دور الوساطة الذي قامت به في البرنامج النووي الإيراني.
وحول تحليله لمخاطر السياسة، التي تنتهجها تركيا حاليا إزاء إسرائيل، على مستقبل دور الوساطة الذي تلعبه أنقرة في النزاع العربي الإسرائيلي، يرى كوخر بأنه من الصعب تصور وساطة مفيدة تقوم بها تركيا في ظل توتر علاقاتها مع إسرائيل، وخصوصا بين السوريين والإسرائيليين. إلا أنه لاحظ أن عملية التفاوض غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل قد علقت منذ فترة لكن "ليس بسبب تركيا وإنما بسبب تشدد الحكومة اليمينية الإسرائيلية والمواقف التي يتخذها رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان". فيما تقول إسرائيل إن تعثر المفاوضات مع سورية مرده إلى تأرجح سياسة دمشق بين إسرائيل والغرب من جهة وحلفائها في إيران وحزب الله من جهة ثانية.
ميزان القوى بين حكومة أردوغان والمؤسسة العسكرية
ويعتقد بعض المحللين في تركيا وإسرائيل أن حدة الانتقادات التي توجهها الحكومة التركية لإسرائيل يمكن قراءتها أيضا في سياق تفاعلات المعادلة السياسية الداخلية في تركيا، خصوصا على مستوى ميزان القوى بين حكومة أردوغان، ذات التوجهات الإسلامية المعتدلة، والمؤسسة العسكرية التي كان دورها أساسيا في إرساء علاقات شراكة إستراتيجية مع إسرائيل.
وبرأي المحلل السياسي فيكتور كوخر فإن دور المؤسسة العسكرية شهد في السنوات القليلة الماضية تراجعا ملحوظا لحساب التأثير المتنامي لحكومة أردوغان في رسم القرارات الإستراتيجية المهمة للدولة التركية.
وحول مدى توظيف أردوغان لحادثة الاقتحام الإسرائيلي "لأسطول الحرية" في صراعه ضد الجيش يرى كوخر أن هذا ما يحصل بالفعل. ويوضح الصحافي السويسري بأن لحكومة أردوغان موقفا مختلفا، بشأن هذه الأزمة، عن موقف المؤسسة العسكرية. فحكومة أردوغان تصطف، برأيه، مع التيار الشعبي الواسع المتضامن مع المتطوعين الذين سيروا قافلة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وتعرضوا لهجوم من القوات الإسرائيلية في عرض البحر الأبيض المتوسط. وينهي كوخر كلامه بالقول "إن أردوغان يركب موجة الغضب الشعبية، وهو ما يجعله يشعر بأنه قوي".
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: أحمد حسو