هل يمكن لحبوب الدخن المساعدة في خلق أمن غذائي عالمي؟
٩ مايو ٢٠٢٢يشعر الناس الذين يعيشون في بلدان مثل أفغانستان وإثيوبيا وسوريا التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية بتأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على نمط حياتهم، وبات ارتفاع أسعار السلع الغذائية هاجسا كبيرا للمواطنين.
وكانت روسيا وأوكرانيا تلبيان في وقت السلم، ما يقرب من ثلث المعروض العالمي من القمح وربع الطلب على الشعير، فضلا عن ثلثي احتياجات العالم من زيت عباد الشمس.
ولم تصدر أوكرانيا توقعات لحصاد الحبوب لعام 2022، لكنها حذرت هذا الأسبوع من أن الحصار الروسي لموانئها على البحر الأسود قد يؤدي إلى فقدان عشرات الملايين من الأطنان من الحبوب الأوكرانية، "مما يؤدي إلى أزمة غذائية ستؤثر على آسيا وأفريقيا وأوروبا".
بالنسبة لروبرت أونينيكي، الخبير الاقتصادي الزراعي في جامعة أليكس إكويمي الفيدرالية في نيجيريا، فإن العالم يعاني بالفعل من مثل هذه الأزمة، التي قال إنها "تتزايد في كل مكان" و "يمكن أن تكون هنا لفترة من الوقت".
ويرى الخبير في حوار مع DW أنه قد حان الوقت للبحث عن بدائل للمواد الغذائية الأساسية الشائعة مثل الأرز والقمح. ويعتقد أونينكي أن نبات الدخن، وهي فصيلة من الأعشاب ذات البذور الصغيرة المتغيرة، يمكن أن تشكل واحدة من الحلول المطروحة من أجل توفير طعام للعالم.
من أقدم النباتات المستأنسة
وحبوب الدخن (Millets) أو الجاورس أو البشنة تنتمي إلى الفصيلة النجيلية التي تنبت في المناطق الجافة من قارتي آسيا وإفريقيا، وعلى الرغم من الأصناف العديدة لنبات الدخن إلا أن الصنف اللؤلؤي هو الأكثر شيوعًا.
ونبتة الدخن موجودة منذ عام 3000 قبل الميلاد ويعتقد أنه من بين أقدم النباتات المستأنسة، وهو يعد منذ فترة طويلة المحصول الأساسي لملايين المزارعين، خاصة في الهند والصين وأجزاء كثيرة من أفريقيا.
ويطلق عليها أحيانا اسم "الحبوب الغذائية" بسبب مستوياتها العالية من الحديد والألياف وبعض الفيتامينات، ولا تزال تزرع في أكثر من 130 دولة. ومع ذلك، فإنها تلعب دورا هاما في النظم الغذائية وحدها لحوالي 90 مليون شخص في أفريقيا وآسيا، وغالبا ما تعتبر غذاء للفقراء.
ويرى الخبير أن قدرة هذه النبتة على التكيف مع المناخ، وفترة النضج القصيرة، وانبعاثات الكربون المنخفضة، تضعها في دائرة الاهتمام العالمي.
هل العالم مستعد لزراعة الدخن؟
بيد أنه وبالرغم من إعلان الأمم المتحدة سنة 2023 بأنها السنة الدولية للدخن، فإن انتشار هذه الحبوب الضئيل والاهتمام المتواضع يمكن أن يتغير. ويقول الخبراء إن هذا سيكون أمرا جيدا - ليس فقط بسبب الفوائد الصحية للحبوب، ولكن أيضا بسبب قدرتها على الازدهار في الظروف الصعبة. وفي عالم يتسم بتغير المناخ.
ولا يتمتع الدخن بالقدرة على النمو في المناطق الحارة أو المنكوبة بالجفاف فحسب، بل يحتاج أيضا إلى مياه أقل بكثير من القمح أو الأرز أو الذرة. وهذا ليس كل شيء، إذ أن فترة النضج أقصر. بعض الدخن يصل إلى مرحلة النضج في غضون 60 إلى 90 يوما". ويؤكد الخبير الأفريقي أن الدخن ينبعث منه القليل من غازات الدفيئة على عكس زراعة الأرز التي تساهم بشكل كبير في انبعاثات الميثان.
إضافة إلى قائمة المزايا، تشير الأمم المتحدة إلى أن الدخن لا يتطلب سوى القليل من الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية، ويمكن أن يعزز جودة التربة من خلال الزراعة البينية مع النباتات الأخرى.
ومع ذلك، قال أونينيكي إن إنتاج الدخن في آسيا وأفريقيا غير قادر على تلبية الطلبات المحلية وحدها، لذلك لا يوجد ما يكفي منه للتصدير، لذلك فمن المهم وضع خطة من أجل زراعته عالميا والاهتمام بكيفية تصديره.
تحذيرات من الاستبدال الغذائي
بيد أن الأمر لا يخلو من عواقب، إذ يحذر دويجيندرا ناث غورو، وهو مدافع وناشط في مجال النظم الغذائية المستدامة ومؤسس منظمة الموارد والدعم التي تتخذ من مدينة بنغالور الهندية مقرا لها في حديث مع DW أن مجرد استبدال استهلاك نوع واحد من الحبوب بنوع آخر بطريقة من شأنها أن تخلق ثقافة أحادية غذائية جديدة تؤثر سلبا على الأمن الغذائي.
وقال: "لا يمكن أن يكون لدينا سياسة أوروبية قصيرة النظر تحرم ببساطة البلدان النامية من حصتها من الحبوب التي سيتم تصديرها".
ويورد الخبير الهندي مثالا أنه وبعد إعلان الأمم المتحدة عام 2013 السنة الدولية للكينوا، ارتفع إنتاج بذور أمريكا الجنوبية التقليدية بأكثر من الثلث، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة. وشهدت منطقة الأنديز، حيث كانت الكينوا لفترة طويلة مجرد محصول مستهلك محليا، تحولا مفاجئا في هياكلها الاقتصادية والاجتماعية.
وأدى ارتفاع الطلب إلى قيام المزارعين بتقصير فترات الراحة الطويلة للتربة والتي كانت تسمح بمحصول جيد، ما أدى إلى انهيار بعض المحاصيل. وهذا لا يهدد صحة التربة فحسب، بل يهدد أيضا الأمن الغذائي المحلي بين المزارعين.
ويوافق فيتافالان مانيكاندان على ذلك. وهو رئيس جمعية زراعية في ولاية تاميل نادو جنوب الهند، حيث من المقرر أن تعزز الحكومة من زيادة محصول نبات الدخن. ويقول لـ DW: "في قريتي، نبيع الدخن اللؤلؤي مقابل 10 سنتات للكيلوغرام الواحد، ولكن يتم تعبئة نفس الدخن وتصنيفه وبيعه مقابل حوالي 1 يورو في محلات السوبر ماركت في المدن".
ويعتقد أن الطلب العالمي المتزايد على الدخن سيشهد انتقال الزراعة من الأراضي الجافة إلى الأراضي الخصبة، حيث سيكون العائد أعلى من حيث النوعية والكمية. بيد أن عالم النبات الإثيوبي سعيد كينغ يرى أن التغييرات بدأت بالفعل، وهو متفائل بشأن دور الدخن في المضي قدما.
وقال: "مع تحسن التكنولوجيا وابتكار الوصفات، قد يصبح إنتاج الدخن في نهاية المطاف ركيزة أساسية في الأمن الغذائي العالمي".
سوشميتا راماكريشان/ علاء جمعة