هل يصح تحميل الشباب مسؤولية انتشار كورونا؟
١٠ مايو ٢٠٢٠ألقى فيروس كورونا بثقله على الأنظمة الصحية في جميع انحاء العالم، وزاد من نسبة الوفيات. وقد وجدت حكومات نفسها مجبرة على فرض حظر للتجوال وقيود على التواصل الاجتماعي. وخلال أزمة كورونا تحولت بلدان مثل كوريا الجنوبية ونيوزيلاندا والمانيا إلى صلب اهتمام الرأي العام العالمي، لأن الوباء انتشر بشكل خفيف نسبيا في هذه البلدان. وهذا ما أثار اهتمام العلماء المحترفين والهواة من علماء الأوبئة.
وعلى هذه الخلفية ليس عجبا أن تثير دراسة الفضول بسبب تناولها مدى تتبع الناس في المانيا قواعد حظر التجوال. تفيد الدراسة بأن الشباب بالتحديد هم الذين لم يلتزموا بحظر التواصل الاجتماعي وبالتالي ساهموا في انتشار فيروس كورونا. وهذه النتيجة توصل إليها باحثان من جامعة هارفارد. ونشرا نتائجهما في المجلة العلمية الخاصة بأمراض العدوى والأوبئة يوروسيرفيلانس/ Eurosurveillance . وصدرت دراستهما بعد نهاية أسبوع خرج فيه الكثير من الشباب إلى الحدائق للاستجمام في المدن الكبرى وشارك بعضهم في احتجاجات ضد إجراءات الحجر الصحي.
مخاطر أعلى بالنسبة إلى الشباب
"البالغون بين 20 و24 عاما يحفزون وباء كورونا في المانيا"، هكذا عنونت صحيفة "تاغسشبيغل" استنادا إلى دراسة هارفارد. لكن ما هي قوة هذه الإفادة عندما نلقي نظرة على البيانات؟ قام العالمان في مجال الأوبئة ادوارد غولدشتاين و مارك ليبسيتش بتقييم بيانات من معهد روبرت كوخ لدراستهما. واستخدم الباحثان أرقام حالات اصابة بكوفيد 19 من الأسابيع الأخيرة من مارس/ آذار وأوائل أبريل/ نيسان. وقد استنتجا من ذلك أن الخطر النسبي للإصابة بفيروس كورونا للأشخاص في المانيا بين 15 و 34، ولاسيما بين 20 و 24 عاما مرتفع أكثر منه لدى المجموعات العمرية الأخرى. ولاحظ العلماء وجود تطور مشابه للمرض في كوريا الجنوبية حيث أن غالبية الحالات ظهرت لدى الأشخاص بين 20 و29 عاما.
عوامل ناقصة لنتيجة أكثر واقعية
لكن الدراسة تبين أن العلماء لم يتمكنوا من الكشف عن أسباب خطر الإصابة المرتفع. ولم يهتموا بقضية أن الشباب يعملون في الغالب في مهن حيث يتواصلون مع كثير من الناس مثلا في الفنادق والمطاعم وتجارة التجزئة والحافلات والقطارات. وبعض هذه القطاعات وجب عليها الإغلاق خلال أزمة كورونا، لكن علماء هارفارد يستندون إلى بيانات أُخذت جزئيا قبل إجراءات منع التجول، وبالتالي يمكن للشباب أن يكونوا قد تعرضوا للإصابة في هذا الوقت في العمل.
كما أن الدراسة لا تهتم بقضية أن الشباب في الغالب لا يملكون سيارة، وبالتالي استمروا في زمن كورونا في استعمال وسائل النقل العمومي. كما لا يُسلط الاهتمام على حقيقة أن تفشي كورونا في المانيا يعود لشباب عادوا من مناطق التزلج على الجليد في النمسا أو احتفلوا بالكرنفال. ولذلك انتشر الفيروس بسرعة داخل هذه المجموعة العمرية.
وهناك دراسة أخرى تجعل القضية أكثر تعقيدا، وتم نشرها في نفس اليوم من دراسة هارفارد وتهتم بالوضع في بلدة هاينسبيرغ، أحد مراكز كوفيد 19 في المانيا. وخضع 9000 من سكان المدينة الصغيرة لاختبار، والبيانات المستنتجة من ذلك كشفت أن 20 في المائة من المصابين تعرضوا للمرض بفيروس كورونا دون أن يشعروا بذلك. وقد يعني هذا أن ما يصل إلى 1.8 مليون شخص في المانيا ربما تعرضوا لكوفيد 19. وهذا الرقم يفوق المعطيات الرسمية من معهد روبرت كوخ. وفي حال تأكدت هذه الافتراضات، فإن الاستنتاجات المأخوذة من أرقام المعهد ستكون قائمة بشكل أكبر على التخمين.
دراسات عديدة تثير الريبة
في الآونة الأخيرة تعالت نداءات من الوسط العلمي تدعو إلى إلقاء نظرة أكثر انتقادا على مختلف الدراسات التي تروج في الانترنت حول فيروس كورونا. وهذه الدراسات لم تصدر في الغالب بشكل رسمي، وبالتالي لم تمر عبر اختبار مستقل. كما أن دراسة هارفارد أُنجزت بشكل سريع لا يتطابق مع المعايير العلمية. وهذا الاتهام موجه أيضا لدراسة هاينسبيرغ التي لم تخضع للتحقيق المستقل.
ورغم المشاهد المنقولة عبر وسائل الاعلام لأشخاص يستجمون في الحدائق وآخرون يحتجون، فلا يوجد دليل علمي على أن الشباب تجاهلوا قواعد البعد الاجتماعي في المانيا أكثر من الكبار. لكن هناك ما يكفي من الأدلة على أن الناس دون 35 عاما يتحملون العبء الاقتصادي والنفسي للوباء بطريقة خاصة. وهم ينتمون إلى جيل لا ينعم بالرفاهية مقارنة مع آبائهم وأجدادهم. والآن وجب عليهم خشية البطالة والركود.
اليزابيث شوماخير/ م.أ.م