هل يزيد الصراع في ليبيا أتون الحرب المستعرة في سوريا؟
٢٣ مايو ٢٠٢٠التقدم الذي تحرزه حكومة الوفاق الوطني بقيادة السراج والمدعومة من تركيا واقترابها صوب مدينة ترهونة والتي تمثل أهم معاقل قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، قرب طرابلس، وما تلاه من انتزاع السيطرة على بلدة الأصابعة ومزدة جنوب العاصمة الليبية، دفعت الحكومة التركية إلى تحذير خليفة حفتر من شن أية هجمات انتقامية على مصالحها في ليبيا بعدما هددت هذه القوات بالرد على الانتكاسات العسكرية التي منيت بها بضرب مواقع تركية في البلاد. وتقدّم أنقرة الدعم لفصائل إسلامية ومعارضة موالية لها في سوريا، وكذلك لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج في ليبيا، المعترف بها من الأمم المتحدة.
يشير هذا التهديد إلى مخاطر متزايدة من تصعيد أوسع نطاقا في ليبيا حيث تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا في الصراع ضد قوات الجيش الوطني الليبي المدعوم من روسيا والإمارات ومصر. وهو ما يعزز لدى البعض من إمكانية حدوث صراع روسي تركي مباشر على الأرض لن تكون لها انعكاسات في ليبيا فقط بل قد تمتد إلى سوريا أيضا. وفي حال توسيع روسيا لدعمها العسكري لحفتر وقيام الأخير باستهداف المصالح التركية هناك كما هدد، يتوقع أن تلجأ تركيا إلى توسيع تدخلها العسكري بشكل مباشر، حيث جرت مناورات جوية وبحرية تركية قبل أسابيع في شرق المتوسط يتوقع أنها كانت بهدف الاستعداد لأي سيناريو يتعلق بالحاجة لتدخل أوسع في ليبيا جواً وبحراً.
استنزاف تركيا عبر سوريا وليبيا
يرى محللون أن ما يجري على الأرض هي محاولة روسية من أجل توريط تركيا في فتح جبهتين حربيتين في نفس الوقت في كل من ليبيا وسوريا وذلك من أجل استنزافها عسكرياً. ويرجّح الباحث في جامعة أوكسفورد صامويل راماني في تصريح للوكالة الفرنسية للأنباء أن تكون روسيا خلف التقارب بين حكومة دمشق وحفتر اللذين يتضامنان بمواجهة "عدو مشترك" هو تركيا.
ويقول إن هدف روسيا هو "تحذير أنقرة من أنها قادرة على ممارسة عمليات انتقامية غير متكافئة رداً على الأعمال العسكرية التركية في سوريا، عبر تصعيد متبادل في ليبيا". ومن شأن ذلك، وفق راماني، أن "يخلق جبهتين لتركيا ويؤدي إلى استنزاف قدراتها"، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى تقليص نفوذها في سوريا، وهوما تطمح له موسكو حليفة الأسد.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماربورغ رشيد أوعيسى أكد في حوار مع DW عربية أن "الصراع الدائر بين القوات الليبية المدعومة من تركيا والأخرى المدعومة من روسيا ومصر والامارات مرشح للتفاقم وذلك من أجل محاولة فرض واقع جديد يمكن للأخر فرض شروطه"، بيد أن الباحث أوعيسى شكك في حصول صدام مباشر على الأرض الليبية بين تركيا وروسيا إذ أن كلا من أنقرة وموسكو غير راغبتين حالياً في فتح جبهة جديدة للصراع، كما هو حاصل في سوريا، بحسب الباحث. كما أن الاهتمام الروسي بحفتر "ليس استراتيجيا كما هو الحال في سوريا من أجل تدخل عسكري مباشر، لذلك فإن التصرف الروسي سينصب في دعم حفتر بشكل غير مباشر"، كما يقول.
ولا يتوافق أستاذ العلوم السياسية من أن ارسال روسيا لجنودها إلى ليبيا سينهك من قدرة تركيا على المواجهة ويقول: "إذا أرسلت روسيا جنودها إلى الساحة الليبية فستنهك قواتها أيضا، فهي ستكون أيضا على جبهتين" وذلك في إشارة لتواجد القوات الروسية في سوريا.
وبالرغم من أن روسيا حاولت مرارا النأي عن نفسها بأنها تدعم حفتر بشكل مباشر، كما أنها دعت مؤخرا إلى "أهمية وقف فوري للأعمال العسكرية واستئناف عملية سلام تحت رعاية الأمم المتحدة". وذلك في أعقاب مباحثات هاتفية جرت أمس الخميس بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو يوم (الخميس 21 أيار/ مايو 2020) لدعم وقف فوري لإطلاق النار واستئناف العملية السياسية، إلا أن شواهد كثيرة تشير إلى دعم بوتين لحفتر في ليبيا. ويعكس التقارب بين سلطة حفتر ودمشق التداخل المتصاعد بين هذين النزاعين. إذ أعادت الحكومة الموازية في الثالث من آذار/مارس فتح سفارة بلادها في العاصمة السورية بعد إقفال استمر منذ العام 2012. وتربط بين دمشق وبنغازي، معقل حفتر على بعد ألف كيلومتر من طرابلس، رحلات جويّة تسيّرها شركة الطيران السورية الخاصة "أجنحة الشام"، بالإضافة إلى الأسلحة الروسية الموجودة لدى قوات الجيش الوطني الليبي.
تأثير الصراع الليبي على سوريا
ويرى محللون أن الصراع الدائر في ليبيا سيكون له تأثيرات على الساحة السورية، بيد أن هذا التأثير منوط بالتغييرات التي ستشهدها الساحة الليبية، وقدرة كل طرف على بسط الأمور هناك. وكان تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية قد سلط الضوء على تجنيد الأطراف المتصارعة لمرتزقة سوريين، وهو ما قد يؤدي إلى نقل الصراع إلى الأراضي السورية، إلا أن الباحث أوعيسى لم يتفق مع هذه التحليلات والتي تربط بين ما يجري في ليبيا وإمكانية نقلها إلى سوريا عسكريا، فالصراع هناك دائر بالفعل بحسب أوعيسى، وبشكل مباشر أكثر من الوضع في ليبيا، فهناك مناطق نفوذ واضحة لروسيا وتركيا والاقتراب منها يعني المواجهة كما حدث مراراً أثناء تقدم القوات التركية بالقرب من ادلب.
المصالح بدلا من المواجهة
ويعتقد أستاذ العلوم السياسة أنّ تأثير الصراع سينتقل بالتأكيد إلى الساحة السورية ولكن "عن طريق المصالح وليس المواجهة" كما يتوقع البعض، فتركيا وروسيا أعلنتا عن تدخلهما المباشر وغير المباشر في كل من ليبيا وسوريا وذلك من أجل مصالهما السياسية والاقتصادية، وكل طرف يعلم قدرة الآخر وماذا يريد، لذلك فإن ما يحدث في ليبيا قد يكون مقدمة للوصول إلى اتفاقات ثنائية بين البلدين تضمن غض الطرف عن التوسع في مناطق معينة مقابل استفادة الآخر في مناطق أخرى.
ويرى الباحث أوعيسى أن "ليبيا حاليا لا تمثل أولوية كبيرة لروسيا مثلما الحال هو سوريا، فبوتين لا يثق بحفتر، ويراه امتداد للمشروع الأمريكي في المنطقة"، لا سيما أنه يوجد لاعبون أخرون في الساحة الليبية مثل الإمارات ومصر. ويعتقد الباحث أن كل من أنقرة وموسكو ستقدم تنازلات "مؤلمة" من أجل الحفاظ على مكتسبات سياسية واضحة، خاصة أن الوضع الاقتصادي بعد جائحة كورونا وما خلفته من خسائر لا يسمح حالياً لأي عاقل في فتح جبهات حرب جديدة.
علاء جمعة