تركيا والإمارات ـ خلافات ايديولوجية أم تصادم مصالح؟
١٣ مايو ٢٠٢٠وزير الخارجية التركي اختار كلمات واضحة:" إذا كنت تسأل من يزعزع استقرار المنطقة، ومن يبث الفوضى، فإننا سنقول بدون تردد أبو ظبي"، كما أعلن مولود جاويش أوغلو الثلاثاء (12 مايو). وأضاف "الواقع هو أنها القوة التي زعزعت استقرار ليبيا ودمرت اليمن".
وبهذا الحكم يكون جاويش أوغلو قد رد على تنديد عدة دول ومن ضمنها الإمارات، في اليوم السابق بسياسة تركيا في منطقة البحر المتوسط وفي وليبيا. ففي بيان مشترك انتقد وزراء خارجية قبرص ومصر وفرنسا واليونان والامارات حكومة أنقرة بخرق المياه الاقليمية لقبرص والمجال الجوي لليونان.
خلاف حول موارد الغاز الطبيعي
وفي بيانهم المشترك تحدث الوزراء عن "تحركات تركية غير قانونية جارية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص ومياهها الاقليمية" إضافة إلى "تصعيد في خرقات تركيا للمجال الجوي لليونان". وطالب الوزراء تركيا " بالاحترام الكامل لسيادة كافة الدول وحقوقها السيادية في نطاقاتها البحرية في شرق المتوسط". بيان وزراء الخارجية يستند إلى الخصومة حول تشغيل حقول الغاز المكتشفة قبل سنوات في شرق البحر المتوسط. وقد تكتلت اليونان وقبرص واسرائيل لتشغيل هذه الحقول. وأعلنت الحكومة في أنقرة على إثرها بأن تلك البلدان تحاول محاصرة تركيا، وأوضحت أنها لن تقبل بأي مشروع يتم دون مشاركة تركيا وموافقتها.
خلاف حول دور الإخوان المسلمين
والعلاقات بين تركيا والامارات العربية المتحدة وكذلك العربية السعودية متوترة منذ سنوات. وبداية هذه الخصومة كانت في صيف 2017 عندما جمدت عدة دول مع العربية السعودية علاقاتها مع قطر. السعودية والبحرين والامارات العربية المتحدة ومصر تتهم قطر بدعم الإرهاب. والانتقاد يستند إلى العلاقات الجيدة التي تربط الدوحة بحركة الإخوان المسلمين التي تُعتبر في الدول الاربع منظمة إرهابية.
وتخشى العربية السعودية وحلفاؤها من تأثير الإخوان المسلمين. الدول الخليجية الثلاث تراهن على تفسير للاسلام السني لا يعرض نظام الحكم القائم فيها للخطر. والعربية السعودية على وجه الخصوص وجدت بنظامها الديني، الوهابية توجها دينيا يضفي الشرعية الدينية على النظام السياسي ويدعمه بالتالي سياسيا.
وإلى حد الآن نجحت الدول الخليجية الثلاث (السعودية والبحرين والامارات) في محاصرة حركة الاحتجاج الناشئة منذ 2011. ويساهم في رجال الدين ذلك. وأخذت هذه الدول الدرس من التطورات السياسية التي حدثت في مصر، حيث أدى سقوط الرئيس حسني مبارك 2012 إلى بروز دور الإخوان المسلمين، وتولي محمد مرسي السلطة، قبل أن يطيح به الجيش بعد عام واحد.
نركيا تبحث عن دور إقليمي
وبخلاف الدول الخليجية الثلاث ومصر لا تخشى قطر وتركيا تقاربها من الإخوان المسلمين. فحزب اردوغان، حزب العدالة والتنمية قريب اديولوجيا من الإخوان المسلمين. وقطر تحاول من خلال علاقاتها مع الإخوان المسلمين ـ وفرعها في قطاع غزة، حركة حماس ـ بسط وجودها كقوة إقليمية ووسيط في الصراعات. وبرزت الخلافات هذه الأيام حول تعيين الناشطة في حقوق الانسان اليمنية والحائزة على جائزة نوبل للسلام في عام 2011 توكل كرمان، في مجلس الإشراف على محتوى فيسبوك. وتتهم وسائل إعلام إماراتية وسعودية كرمان بقربها الكبير من الإخوان المسلمين. وقد أعلنت كرمان، التي تحمل أيضا الجنسية التركية، عن خشيتها على حياتها بسبب حملة التحريض عليها من قبل الإعلام السعودي والإماراتي .
حرب بالوكالة في ليبيا
وبين تركيا والامارات العربية المتحدة نزاع جيو سياسي آخر يتمثل في ليبيا حيث تدعم تركيا في الحرب الأهلية المستمرة منذ سنوات بالاشتراك مع قطر، حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج. وفي يناير الماضي أعلن اردوغان عن إرسال جنود أتراك إلى ليبيا. لكن تركيا لا تتحرك بدون مقابل: فمن خلال تقديم الدعم يأمل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في الدعم الدبلوماسي للسراج في صراعه من أجل موارد الغاز في البحر المتوسط، لأن جزءا من هذه الحقول يقع في المياه الاقليمية الليبية التي تقع الآن تحت السيادة التركية بفضل اتفاقية أبرمتها تركيا مع ليبيا.
وبهذه الاتفاقية، وكذلك الدعم العسكري لحكومة السراج، أثارت تركيا غضب بعض دول الجوار. ففي بيانهم ليوم الاثنين شجب وزراء خارجية دول البحر المتوسط كذلك "التدخل العسكري لتركيا في ليبيا". كما أنهم حثوا تركيا على احترام حظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة بدون قيود في ليبيا ووقف دخول مقاتلين أجانب إلى ليبيا؛ "هذه التطورات تمثل تهديدا لإستقرار جيران ليبيا في افريقيا وأوروبا"، كما قال وزراء خارجية تلك الدول.
ضغط الأسبوع الماضي قد لا يبقى بدون أثر على تركيا، كما جاء في تحليل لمجلة "المونيتور". وحقيقة أن تهاجم الحكومة في أنقرة بوجه خاص الإمارات العربية المتحدة، فهذا قد ينبئ بأن أنقرة لا تريد إفساد العلاقة نهائيا مع السعودية. لكن ظهرت مؤخرا في السعودية مقالات منتقدة جدا لأردوغان وعائلته، " فالعداوة ليست مقتصرة على الإماراتيين".
كرستن كنيب/ م.أ.م