هل يجهض الإسلاميون الأمل بقانون يبيح الإجهاض في المغرب؟
٢٢ يناير ٢٠١٢"خديجة" فتاة مغربية تعمل نادلة في مقهى شعبي بأحد الأحياء الفقيرة في الرباط. جمع بينها وبين رئيسها في العمل إعجاب واستلطاف تلته علاقات. ورغم أنها كانت "سطحية" كما تقول، بمعنى أنها حاولت الحفاظ على عذريتها، إلا أنها وجدت نفسها حاملا في الشهر الثالث.أمر لم تصدقه خديجة التي كانت تجهل إمكانية أن يحدث حمل في حالتها تلك. ولم تجد الشابة بُدا من البحث عن طبيب يجري لها عملية إجهاض بمساعدة صديقها الذي دفع تكاليف العملية.
أرقام مخيفة وتجارة مربحة
العملية كلفت 2000 درهم (حوالي 180 يورو) علما أن راتب خديجة الشهري لا يتجاوز 500 درهم. ومهما بدت تجربة الشابة مريرة إلا أنها تظل أقل مأساوية مقارنة مع نساء وجدن أنفسهن حوامل دون أن يتوفرن حتى على تكاليف إجراء عملية إجهاض في ظل تنكر الطرف الآخر لهن خاصة أن معظمهن ينتمين لفئات اجتماعية فقيرة. وهكذا استسلمت بعضهن لوصفات عشابين قد تحمل سموما قاتلة، فيما لم تجد أخريات حلا سوى الاحتفاظ بهذه الأجنة التي تتحول في معظم الحالات إلى أطفال متشردين في المستقبل.هذا إن لم يقدمن على الانتحار.
ورغم غياب إحصائيات رسمية بخصوص حالات الإجهاض التي تحدث في المغرب إلا أن جمعيات المجتمع المدني تعرض أرقاما "مخيفة" حول هذه الظاهرة. ويقول البروفيسور شفيق الشرايبي طبيب أمراض النساء و علاج العقم، ورئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري إن عدد حالات الإجهاض في المغرب يتراوح ما بين 600 و 800 حالة يوميا،95 بالمائة منها غير شرعية أي أن 5 بالمائة فقط تجرى لنساء متزوجات، ويضيف أن ثلثي هذه العمليات تتم من طرف أطباء فيما الثلث الباقي يتم عبر ممرضات أوعشابين أو مشعوذين و"هنا تكمن الخطورة"، حسب البروفيسور الذي يضيف قائلا خلال حوار له مع دويتشه فيله "الطرق الطبية أيضا ليست كلها سليمة فمعظمها يتم في الخفاء وفي ظل غياب التجهيزات الضرورية والتعقيم.. وهذا ما يؤدي إلى مضاعفات قد تؤدي إلى وفيات أحيانا" على أن الإجهاض غير الطبي يبقى أكثر خطورة حسب الشرايبي.
اشكالية التربية الجنسية
خديجة وغيرها هن ضحايا غياب التوعية الصحية والتربية الجنسية ولو كن واعيات بما فيه الكفاية لربما تفادين طريق الإجهاض، ويعتقد الشرايبي أنه من الضروري معالجة ظاهرة الإجهاض السري أولا عبر الوقاية من خلال التربية الجنسية و تشجيع استعمال وسائل منع الحمل، بالاضافة إلى توعية الفتيات بخطورة الحمل خارج إطار الزوجية والانسياق وراء العواطف والوعود بالزواج، ثم تقنين الإجهاض "لأنه يجري في كل الحالات، ومهما رفضنا ذلك فالحمل غير المرغوب فيه موجود لذا من الأفضل أن يتم الإجهاض بطريق شرعية سليمة تحمي حياة النساء".
ويضيف الشرايبي أن المجتمع ينظر فقط إلى حياة الجنين وليس إلى التبعات النفسية والاجتماعية التي تتحملها الأم العازبة أو الحامل من علاقة غير شرعية والتي قد تدفعها أحيانا إلى وضع حد لحياتها. كما أن الإجهاض السري، يضيف، تحول إلى تجارة مربحة لبعض الأطباء و المشعوذين وقال "أنا كرئيس قسم الولادة في مستشفى تصلني حالات خطرة بسبب الإجهاض السري". وتدعو جمعيات نسائية الأحزاب السياسية إلى التحلي بالشجاعة للحديث عن الإجهاض وتقنينه كما حدث في دول أخرى لكي تكون للمرأة حرية اتخاذ القرار في كل ما يتعلق بها.
غياب سلطة القانون
ورغم كل هذه العوامل والحالات فإن القانون المغربي يحرم الإجهاض ويشير أهم فصل في القانون الجنائي المتعلق بالإجهاض والذي لم يخضع لأي تعديل منذ عام 1967، إلى أن "كل من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة مالية...وإذا نتج عن ذلك موتها فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة" وتستوجب الفصول الأخرى التي تسمح بالإجهاض التأكد من أن فيه خطرا يهدد حياة الأم بالإضافة إلى موافقة الزوج.
و يقول عالم الدين المغربي عبد الباري الزمزمي خلال حديثه لدويتشه فيله إن الإسلام يحرم الإجهاض إذا ما تجاوزت حياة الجنين ستة أسابيع، أما إن كان أقل من ذلك فيمكن للمرأة أن تجهض نفسها إذا كان هناك ظرف يستوجب ذلك، مثل الاغتصاب أو زنا المحارم أو أن يكون في ذلك الحمل خطر على حياة الأم". أما عن المخاطر النفسية و لاجتماعية التي قد تترتب عن الاحتفاظ بالجنين في حالة عدم الزواج يقول الزمزمي "إن حياة الإنسان في الإسلام مقدسة ولا يمكن أن يقتل نفسا لتعيش هي".
وتعتقد وداد ملحاف شابة مغربية أنه ينبغي تقنين الإجهاض بحيث يصبح ضروريا في حالات مثل الاغتصاب أو عندما تكون حياة الأم في خطر أو في حالة زنا المحارم بالإضافة إلى المرأة الفقيرة جدا وتعتقد وداد أن السبب في رفض المجتمع للإجهاض يعود لـ"اسكيزوفرينيا المجتمع المغربي لأنه سواء بالقانون أو دونه فالإجهاض موجود و بطريقة سرية ".
هل يعرقل الإسلاميون تقنين الإجهاض؟
وقبل أشهر من الآن كانت وزيرة الأسرة والمرأة و التضامن الإجتماعي في الحكومة السابقة، نزهة الصقلي ذات التوجه اليساري، قد أعلنت عن قرب صدور مشروع قانون يبيح "الإجهاض الجزئي" الناتج عن حمل زنا المحارم الاغتصاب أو التشوه الخلقي للجنين. وهي خطوة اعتبرها البعض نتيجة إيجابية لضغط هيئات المجتمع المدني، بيد أن الوزيرة الحالية بسيمة حقاوي والمنتمية لحزب العدالة والتنمية والإسلامي كانت نفت ذلك خلال حوار سابق لها مع دويتشه فيله. وهاجمت في تصريحات صحافية أخرى ما أسمته محاولات البعض للدعوة إلى "تمرير الإجهاض الذي هو قضية خلافية بشهادة علماء الشرع و الطب"، واتهمت بعض من يدافعون عن إباحة الإجهاض بأنهم يريدون تحقيق مصالح شخصية لتمكين الأطباء من تحقيق أرباح مادية من خلال إجراء عمليات إجهاض دون ضابط.
وسبق أن تبادل الحزب الإسلامي و جمعيات نسائية اتهامات وانتقادات بخصوص موضوع الإجهاض فيما يبدو قياديو الحزب أكثر حذرا و تحفظا في تصريحاتهم بخصوص الإجهاض بعد تسلمهم السلطة.
سهام أشطو- الرباط
مراجعة: منصف السليمي