هل للاتحاد الأوروبي استراتيجية موحدة تجاه الأزمة المصرية؟
١٧ أغسطس ٢٠١٣تزداد حيرة الاتحاد الأوروبي يوماً بعد يوم إزاء الأحداث الدائرة في مصر. مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين آشتون نددت في الرابع عشر من شهر أغسطس/ آب 2013 بالعنف المفرط في مصر بأشد تعابير الإدانة. ودعت آشتون قوات الأمن والحكومة الانتقالية المصرية بالتزام ضبط النفس الشديد وإنهاء حالة الطوارئ بأسرع ما يمكن. وفي وقت سابق لذلك، كانت آشتون طالبت المتظاهرين المؤيدين لمرسي بتفادي الاستفزاز والتصعيد ونددت بالهجمات على كنائس الأقلية القبطية. ورغم انتقادها للإخوان المسلمين إلا أن اتهاماتها الرئيسية كانت موجَّهة إلى قوات الأمن، متحدثةً عن مستقبل مجهول يواجه مصر في حال استمرت المواجهات في البلاد على هذا المنحى. لكنها أشارت إلى أن مصر قد تشهد مستقبلاً مختلفاً إذا التزمت كل الأطراف المتنازعة بعملية سياسية تعيد بناء الهياكل الديمقراطية عبر انتخابات حرة ونزيهة وتضمن المشاركة السلمية لكل القوى السياسية.
لكن ممثلي الاتحاد الأوروبي سرعان ما تحولوا بعد ذلك إلى مجرّد متفرجين. صحيح أن بيرناردينو ليون، مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص إلى الشرق الأوسط، سعى في مهمته الرسمية للتوسط بين الأطراف المصرية لكن محاولته الأخيرة التي بدأها مع زميله الأمريكي ويليام بيرنس باءت بالفشل. وقال بيرناردينو ليون إن جماعة الإخوان المسلمين وافقت على خطة الحل المقترحة لكنه اشتكى من عدم موافقة العسكر عليها، وقال إن بعد ذلك بساعات فقط صدر الأمر باقتحام اعتصامات المؤيدين لمرسي، مؤكداً على تحمُّل الحكومة الانتقالية والقيادة العسكرية المصرية الجزء الأكبر من مسؤولية العنف في مصر. وشدّد مارتين شولتس رئيس البرلمان الأوروبي في تصريح رسمي له على أن تأمين المظاهرات السلمية في مصر هي مسؤولية السلطات المصرية مهما كانت القناعات السياسية التي يعتنقها المشاركون في هذه الاحتجاجات. وقال إن الحكومة المصرية ملتزمة بإيجاد حل سياسي للأزمة الحالية.
لا استعداد للحوار
ويبدو للوهلة الأولى أن الاتحاد الأوروبي يقف إلى جانب الإخوان المسلمين، فقد طالبت كاترين آشتون عدة مرات بالإفراج عن الرئيس المصري المعزول محمد مرسي. لكن المسألة تبدو أكثر تعقيداً من ذلك، فالاتحاد الأوروبي نظر بعين الريبة إلى محاولات قسم من جماعة الإخوان المسلمين توجيه مصر باتجاه الإسلام السياسي، وهو ما حدا بمنتقدي الاتحاد الأوروبي إلى اتهامه بالنفاق: فمن جانب يندّد الاتحاد الأوروبي بإجراءات القيادة المصرية العسكرية ولكن من ناحية أخرى لدى الاتحاد الأوروبي تعاطف خفي مع عزل مرسي.
لكن العضو في البرلمان الأوروبي إلمار بروك عن الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني ورئيس لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الأوروبي يعتقد أنه لا ينبغي الانحياز إلى أي طرف من الطرفين، ويقول في حديث له مع DW إن على الأوروبيين الانحياز إلى الطرف الثالث الذي يمثل أغلبية الشعب المصري المطالبة بدولة مدنية. ويضيف أن على الاتحاد الأوروبي الضغط على الجيش المصري ليس فقط بالالتزام بخارطة الطريق المقررة ولكن أيضاً بإيجاد حل وسط للأزمة. لكن إلمار بروك يرى أن المشكلة الكبرى تتمثل في أن جميع الأطراف لا ترغب في الحوار: فلا العسكر ولا الإخوان ولا المجموعات الليبرالية ولا حتى الجماعات المسيحية ترغب في الجلوس على طاولة الحوار.
فيسترفيلة يطالب الأوروبيين بإجراء "لقاء أزمة"
وحتى الآن لم يتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات ملموسة تجاه أعمال العنف الأخيرة، بما في ذلك تعليق المساعدات المالية لمصر، ولم تطالب أية دولة أوروبية وخاصة الكبرى منها بذلك، باستثناء الدنمارك الدولة الوحيدة التي علَّقت برنامج مساعداتها لمصر البالغة ثلاثين مليون يورو. لكن إلمار بروك لا ينصح باستخدام تعليق المساعدات كورقة ضغط سياسية. فهو يرى أن هذا الإجراء قد يعني حرمان الشباب المصري الذي يتوق للديمقراطية والدولة المدنية من فرص مستقبلية هم في أشد الحاجة إليها، ويضيف إن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية البائسة لا تزيد الحال إلا اضطراباً.
في حين يرى إلمار بروك أن السياسيين الأوروبيين لا يزالون يعوّلون على محاولات الوساطة، ويخشي في حالة فشلوا في ذلك من دخول مصر في أتون حرب أهلية أو في الإرهاب الإسلاموي. وقد أوصى وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله في زيارته الأخيرة إلى تونس المسؤولين الأوروبيين بأن يلتقوا فوراً على مستوى الوزراء إن أمكن، وأن يشكّلوا "لقاء أزمة" للتباحث حول الإشكالية المصرية، ويرى أن توحّدهم في هذه القضية يصب في مصلحتهم جميعاً وقال إن مصر "ليست مثل أي بلد آخر فهي تقع في جوار أوروبا".