هل قضت الحرب على تجارة الأنفاق في غزة؟
١٨ أغسطس ٢٠١٤حُفر عميقة ودمار هائل في الشريط الحدودي جنوبي مدينة رفح بعد تعرضه لغارات جوية إسرائيلية في الحرب الأخيرة، فضلاً عن اختفاءٍ كبير لمشاهد الأنفاق التي كنا نشاهدها بالعين المجردة، فباتت وكأنها شيئا لم يكن. أصحاب وتجار الأنفاق التي تبقى العشرات منها انصرفوا عن أنقاضها وهجروها تخوفا من استهداف جديد، ولم يجهروا بأنفسهم أو بتجارتهم كما كان الحال في الماضي.
كما لم تعد الأنفاق شريان الحياة لإمداد سكان قطاع غزة المحاصر بالبضائع ومواد البناء التي تمنع إسرائيل دخولها منذ ثماني سنوات. "تجارةٌ رائجة مُربحة كانت في السابق" هكذا يرى أبو أحمد الشاعر، الذي فقد نفقا تجاريا يملكه. ويشير أبو أحمد لـ DW عربية: "أنشأنا وحفرنا الأنفاق نتيجة حصار مطبق علينا وليس رفاهية أو توجها لتجارة وإن تحولت في السنوات الماضية إلى تجارة مُربحة. لكنها توقفت تماما نتيجة حملات مصرية مستمرة لتدميرها والقصف الإسرائيلي الشديد".
تدمير مئات الأنفاق
دُمرت بيوت عائلات عديدة في رفح تقع مساكنها على الشريط الحدودي وتضررت أخرى نتيجة الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للأنفاق في الحرب الأخيرة بصواريخ يصل طولها ثلاثة أمتار. ويقول أبو العبد النجار، من الدفاع المدني في رفح لـDW عربية: "صواريخ طائرات اف16 لم ينفجر كثير منها، والذي انفجر أحدث حُفرا بعمق أمتار". وقد اشتهرت عائلات كثيرة بتجارة التهريب من خلال الأنفاق في رفح لقربها من الحدود المصرية.
هؤلاء باتوا اليوم "دون عمل" إلا القليل منهم وفق حوارات DW عربية مع بعضٍ ممن امتلك أو عمل في الأنفاق. أحدهم هو أبو محمد البشيتي، الذي قال لـ DW عربية إن الغارات الإسرائيلية استهدفت بوابة النفق الذي يمتلكه فدُمر بشكل كامل: "لدينا نفق آخر يعمل بشكل غير مُعلن لتهريب السجائر بأنواعها". ويؤكد البشيتي، الذي لم يكشف عن مكان النفق: "العمل الآن فيه مخاطره كبيرة ويتم بشكل سري وليس مُربحا كما في السنوات السابقة". أبو خالد زعرب، صاحب ثلاثة أنفاق دُمرت نتيجة الحملة المصرية يقول: "أغلقنا عين النفق من جانبنا لان العين على الجانب المصري تم تدميرها وإغراقها بالماء ووضع كتل أسمنتية عليها".
حماس تلغي "هيئة الأنفاق"
تغيرات دراماتيكية حلت بأنفاق رفح منذ الإطاحة بنظام محمد مرسي. ثم جاء نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي بحملة "محمومة" لتدمير ما يقارب الـ 1700 نفق من الجانب المصري. كما دمرت إسرائيل العديد منها وخاصة في الحرب الأخيرة. واتهمت إسرائيل حماس بتهريب أسلحة وذخائر من خلال الأنفاق.
وكانت حكومة حماس قد أعلنت في شهر أبريل/نيسان الماضي عن إلغاء هيئة الأنفاق، التي كانت تشرف وتدير عمل الآلاف منها. وكانت عائدات الأنفاق مصدرا رئيسيا لتمويل حكومة حماس السابقة. وأدى إغلاق الأنفاق إلى خسائر بملايين الدولارات لحكومتها، التي عجزت قبل تشكيل حكومة التوافق الحالية، عن دفع رواتب موظفيها منذ أربعة أشهر وحتى اليوم.
المهربون المصريون متخوفون
الملاحقات الأمنية للمهربين والمناطق العازلة من الجانب المصري باتت عائقا كبيرا لأصحاب ما تبقى من الأنفاق على الجانب الفلسطيني، مما يُشكل ضربة كبيرة لمن يحاول تهريب بضائع أو إمداد الفصائل الفلسطينية المُقاوِمة بالأسلحة. ويشير هنا أبو أحمد "كثير من المهربين المصريين الذين كنا نتعامل معهم أصبحوا متخوفين ويخشون تهريب البضائع نظرا لقوانين سنها النظام المصري الجديد تصل إلى عقوبة السجن لأكثر من خمس سنوات لأي مُهرب يُعتَقَل".مؤكدا أن "تحقيق المطالب الإنسانية للشعب ووفدنا المفاوض في القاهرة برفع الحصار الخانق علينا يجعلنا نهدم أنفاقنا بأيدينا".
من أنفاق تجارة إلى أنفاق مقاومة
لم يكن خافيا على أحد أن حكومة حماس السابقة وعناصرها يتحكمون ويديرون الأنفاق منذ سنوات الحصار ويَجنون أموالا طائلة، وأصبحوا في ذلك الوقت عُرضةً لسيل من الاتهامات باستغلال النفوذ للتربح. لكن الحرب الأخيرة وفق المُشاهدات "نسفت ودحضت هذه الاتهامات" كما يقول المحلل السياسي فهمي شُراب، مؤكدا لـ DW عربية أن حماس والقائمين على الأنفاق كانوا بالتوازي مع إنشاء وإدارة تجارة الأنفاق: "يُعدون ويجهزون أنفسهم لمرحلة مقاومة للاحتلال من خلال إنشاء منظومة شبكات أنفاق لا يُعرف عددها أو أسرارها على الحدود الشرقية والشمالية للقطاع بشكل عالي التقنية، كلفهم ملايين الدولارات". ويعتبر شُراب أن ما استثمره مَن كان يُطلق عليهم"أمراء أنفاق التجارة" كان يُصرف على مراحل زمنية على أنفاق المقاومة "ليكونوا رأس حربة في مواجهةٍ كان التحضير لها مُعدا سلفا بإتقان وذكاء شديدين فاجأ الجميع"، حسب رأيه.