هل تعيد الحرب على الإرهاب شبح الاختفاء القسري إلى المغرب؟
٤ نوفمبر ٢٠١٠كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء من يوم الثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما هاجم 5 رجال محلا لبيع العطور بمدينة الناضور (شمال المغرب)، انقضو على محمد بنرامي وحملوه على متن سيارة تحمل لوحة ترقيم أجنبية نحو وجهة مجهولة. "اعتقلوه على طريقة العصابات" يشرح أحد أقربائه لـ"دويتشه فيله"، مستغربا كيف أن الشرطة لم تمد عائلة محمد بأي معلومات حول مصيره رغم توصلها بشكاية تفيد "اختطافه".
و في 17 من أكتوبر سيظهر بصيص من الأمل، حينما علمت عائلة محمد "عن طريق الصحف"، يوضح أحد أصدقائه، أنه معتقل في سجن مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط، غير أن أحدا لم يتمكن بعدُ من لقائه أو معرفة التهم الموجهة إليه رغم مراسلة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لوزارتي العدل والداخلية بشأن وضعيته التي تثير وقعا أليما في ذاكرة المغاربة عن سنوات الرصاص عندما كانت أجهزة الأمن السرية تعتقل المعارضين في جنح الظلام وتختفي بعد ذلك آثارهم وربما للأبد.
معادلة الأمن وحماية حقوق الإنسان
حالة محمد ليست معزولة والتقرير الأخير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أورد شهادات لـ13مواطنا مغربيا يروون فيها تعرضهم "للاختطاف والاحتجاز بمعتقل سري" في مدينة تمارة (ضواحي الرباط). اعتقال متهمين بالإرهاب بهذه الطريقة يتناقض مع القوانين المغربية، فالمادة 67 من قانون المسطرة (الإجراءات) الجنائية تنص على أن "ضابط الشرطة القضائية يقوم بإشعار عائلة المحتجز، فور اتخاذ قرار وضعه تحت الحراسة النظرية". أما قانون مكافحة الإرهاب، الذي اعتمد بعد تفجيرات 16 مايو/ أيار 2003 بالدارالبيضاء، فينص على أن "مدة الحراسة النظرية تكون 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين لمدة ست وتسعين ساعة في كل مرة، بناء على إذن كتابي من النيابة العامة".
كما يحدد القانون أمكنة الاعتقال فيحصرها في "المؤسسات السجنية التابعة لوزارة العدل" فقط، ذلك لا ينطبق على ينطبق على معتقل تمارة ، وهو ما يثير قلق خديجة الرياضي، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تحذر من تزايد حجم ظاهرة "الاختفاء القسري".و تقول الرياضي ل"دويتشه فيله": "بعدما سجلنا تراجعا لظاهرة الاختفاء القسري خلال تسعينات القرن الماضي، ظهرت هذه الجريمة من جديد وبحجم متزايد منذ أحداث 11 سبتمبر /أيلول الإرهابية، وخاصة بعد أحداث 16 مايو/أيار في الدار البيضاء".
وفي رده على هذه الانتقادات ينفي خالد الناصري، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية بشكل تام وجود أي اعتقالات خارج القانون. ويقول الناصري ل"دويتشه فيله":إن "الأنباء عن وجود اختطافات مصدرها جهة واحدة غير موضوعية. المغرب يتعامل مع أمرين أساسيين في غاية الصعوبة، من جهة حماية نفسه من خطر الإرهاب، ومن جهة ثانية، الاستمرار في بناء دولة الحق والقانون. هذه معركة صعبة جدا، وننتظر من المدافعين عن حقوق الإنسان مطالبتنا باحترام هذه الحقوق دون أن يغضوا الطرف عما تتعرض له بلادنا من أخطار إرهابية".
لكن أغلبية المدانين في قضايا الإرهاب يطعنون في محاضر الاستماع لهم من طرف الشرطة ويدعون تعرضهم للتعذيب، وذلك هو الشأن بالنسبة ل13 مدانا وردت شهاداتهم في التقرير الأخير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" حول الاعتقالات غير القانونية على خلفية مكافحة الإرهاب في المغرب. "هناك حلقة أساسية من المشكل، تتمثل في تقيد القضاة بالراويات الأمنية الواردة في محاضر الاستماع للمتهمين، فالقاضي لا يبذل أي مجهود في التحقيق ولا يتعامل مع تلك المحاضر على أنها مجرد وثائق للاستئناس" كما يوضح محمد ضريف، الأستاذ بجامعة الدار البيضاء والباحث المتخصص في قضايا الإرهاب والحركات الإسلامية في حوار مع دويتشه فيله.
وشهد المغرب خلال الأعوام العشر الأخيرة محاكمات شملت آلاف من عناصر الجماعات السلفية الجهادية المتشددة المتهمين في قضايا الإرهاب والعنف، وما يزال بضع مئات منهم يقبعون في السجون وبعضهم يقضي عقوبة السجن المؤبد.
هل طويت صفحة سنوات الرصاص؟
وترى شبكة من الهيئات الحقوقية في المغرب أن قضية الإختفاء القسري ينبغي أن تطرح في إطار قواعد "ضمانات المحاكمة العادلة" وإصلاح القضاء.، وقد نظمت خمس من هذه الجمعيات مؤخرا مسيرة في شارع رئيسي بالعاصمة الرباط، وسار المشاركون في المسيرة، تحت الأمطار، رافعين شعارات للمطالبة بالتعجيل بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، التي تشكلت إثر تولي الملك محمد السادس للحكم خلفا لوالده الراحل الحسن الثاني. وتولت الهيئة عملية تسوية تاريخية لمظاالم ما يعرف بسنوات الرصاص في المغرب والتي تغطي حقبة 1956 (تاريخ استقلال المغرب) إلى سنة 1999.
واعتبرت نتائج عمل هذه الهيئة برأي المراقبين خطوة غير مسبوقة في البلدان العربية والإسلامية ، فقد أصدرت الهيئة توصياتها عام 2005 وتضمنت تدابير من أهمها تعويض آلاف من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما تضمنت التوصيات أجندة لإصلاح القضاء واعتماد منظومة أمنية قائمة على الشفافية وإحترام القانون، لتفادي تكرار ما حدث من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال سنوات الرصاص.
وترى منظمات حقوقية كانت طرفا أساسيا في هيئة الإنصاف والمصالحة، إن ظهور أي خلل جديد في أساليب أداء السلطات فيما يتعلق بالاعتقال، ولاسيما عودة شبح الإختفاء القسري، مرده إلى عدم إحترام السلطات لتعهداتها بطي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة. ناهيك عن أن الصفحة لم تطو نهائيا في ظل استمرار بعض حالات الاختفاء القسري التي لم يُعرف لحد الآن مصيرها، ومن أشهرها حالة المعارض اليساري المغربي المهدي بن بركة الذي أُغتيل إثر اختطافه قبل 45 عاما في باريس.
وفي تعقيبه على ملاحظات الهيئات الحقوقية يقول خالد الناصري الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية "نتفق مع مطالب الحقوقيين في تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وقد أنجزنا بالفعل جزءا مهما منها، فنحن بصدد مسلسل، والعقلاء يعرفون أنه لا يمكن إنجاز الباقي بين عشية وضحاها، ونحن مستمرون في هذا المسار". ويذكر أنه بعد إنتهاء مهمة هيئة الإنصاف والمصالحة تم تكليف المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان(وهو هيئة حقوقية إستشارية لدى الملك محمد السادس) بمتابعة تنفيذ التوصيات التي تمخضت عنها.
حقوق الإنسان في صلب الشراكة المغربية الأوروبية
وبعد تنظيم المسيرة البيضاء، تستعد الجمعيات الحقوقية لتنظيم ندوة وطنية ثانية حول حقوق الإنسان بالمغرب، وذلك بعد تسع سنوات من انعقاد الندوة الأولى، والتي فتحت الباب أمام تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، "نراهن على الضغط على الدولة لاحترام مبدأ عدم الإفلات من العقاب وتحقيق استقلال فعلي للقضاء، والمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري. كما نطمح إلى انخراط الفاعلين السياسيين في هذا المسار، لأنه بدونهم لن يتحقق شيء" كما توضح خديجة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
وقد طالبت هيئات حقوقية مغربية ودولية من الإتحاد الأوروبي بعدم التغاضي عن إنتهاكات حقوق الإنسان في المغرب وضمنها مسألة الاختفاء القسري، والتعامل معه على أساس "الوضع المتقدم" الذي يربطه بالإتحاد الأوروبي. وتثير هذه المسألة إنقساما لدى الطبقة السياسية والحقوقية المغربية، بين من يتبنى مطالب الهيئات الحقوقية ويدعو لمحاسبة شديدة لسجل الحكومة المغربية في مجال حقوق الإنسان والعمل على معاقبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان بناء على قاعدة "عدم الإفلات من العقاب" كي لا يُعاد إنتاج أساليب القمع القديمة بحجة مكافحة الإرهاب.
ويرى المدافعون عن التجربة السياسية الحالية في المغرب بأن ترسيخ قيم وقواعد حقوق الإنسان في البلاد هي عملية تدريجية وترتبط أيضا بنسق التطور الإجتماعي والثقافي والإقتصادي للبلاد،وهي بالتالي عبارة عن مسار تراكمي والمهم أن يكون تصاعديا وأن لا يتعرض لإنتكاسات وتراجعات، كما يلاحظون بأن حالات الاختفاء التي سجلت في الآونة الأخيرة هي تجاوزات لإجراءات القانون ولكنها "سلوك محدود" في الزمان والمكان، ولا يمكن مقارنتها بظاهرة الاختفاء القسري التي امتدت على مدى عقود وشملت مئات الأشخاص.
وتقول أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، في حوار ل"دويتشه فيله"، إن "عدم احترام القوانين في قضايا الإرهاب يمثل إنشغالا حقوقيا بالغا". بوعياش تستطرد قائلة "لكن ذلك لا يعني عودة لماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولا احتراما تاما لهذه الحقوق".
ومن جهته يلاحظ الباحث محمد ضريف أن تنفيذ المغرب لإلتزاماته في إطار الوضع المتقدم الذي يربطه مع الاتحاد الأوربي، باحترام حقوق الإنسان، لا تعني التطبيق الفوري لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة واحترام حقوق الإنسان، معتبرا ان "المهم أن صانع القرار المغربي يعبر عن إرادة سياسية للسير في هذا الاتجاه من خلال التزاماته مع الاتحاد الأوروبي".
إسماعيل بلاوعلي - الرباط
مراجعة: منصف السليمي