هل تعني الوحدة النقدية الأوروبية ضمانا موحدا للديون؟
٢٣ سبتمبر ٢٠١١عندما أضافت دول الاتحاد الأوروبي الفقرة 125 إلى اتفاقية ماستريخت للوحدة الأوروبية في عام 1992 أرادت، وفي مقدمتها ألمانيا، أن تضمن وضعا يؤمن الاستقرار لعملة اليورو. لكن بعد مرور ما يقارب عقدين من الزمن لاحت ضرورة حماية الوحدة النقدية من الانهيار بواسطة برامج إنقاذ بالمليارات. فكيف آل الحال إلى هذا المآل؟ كثير من الخبراء لا يطرحون على أنفسهم هذا السؤال فهذا التطور لم يفاجئهم.
البروفسور يورغن دونغيس يعيد إلى الأذهان ما يسمى " بيان 62". ففي هذا البيان حذر أساتذة اقتصاد ألمان كبار منذ عام 1993 من توحيد العملة. ويقول دونغيس الذي كان حتى عام 2002 أحد الحكماء الخمسة الذين يقيّمون التطور العام للوضع الاقتصادي في البلاد: "لقد جمعنا بين دول تتباين تباينا أساسيا على صعيد الاقتصاد الواقعي والمقدرة على المنافسة والنمو. لكن هذه النواحي لم تؤخذ بعين الاعتبار، لأن العملية كلها كانت مشروعا سياسيا."
دونجيس يتحدث عن خطأ بنيوي، ويبين أن ممارسة كل دولة في الاتحاد النقدي سياستها الاقتصادية والسياسة الخاصة بها، أدى إلى نشوء حالة تسير باتجاه الوقوع في وضع سيء حتى بدون نشوب أزمة مالية، فهذه الأزمة ،كما يؤكد، لم يكن لها سوى مفعول التسريع في الوصول إلى هذا الوضع. وقد عرّضت هذه الفرضية المبادرين والموقعين على بيان 62 إلى تهمة المبالغة في التقييم والتصرف من دوافع العداء للفكرة الأوروبية.
"لم يتم التحدث بصراحة"
ويتحدث أيضا الخبير الاقتصادي أوتمار إيزينغ،الذي كان حتى عام 2006 عضوا في المجلس الرئاسي للبنك الأوروبي المركزي، بنفس اللهجة "لقد اعتقدت أن ضغط العملة الموحدة والسياسة النقدية الموحدة ستدفع بشكل أقوى بكثير مما حدث إلى إدخال تغيير في سياسات الدول الأعضاء في الاتحاد، لكن هذا كان وهما." ويأخذ إيزينغ في هذه الأثناء برأي المفوض الأوروبي السابق ماريو مونتي: "لقد قال لي ذات مرة إننا بقينا فترة طويلة مهذبين للغاية، وهو لا يعني بذلك طبعا أنه يجب على الأعضاء أن يتخاصموا بأصوات عالية، إنما أن تقال الحقيقة بكل صراحة في إطار الهيئات المسؤولة، وهذا كان غائبا في كل مكان."
خرق مستمر للاتفاقيات
أزمة الاتحاد النقدي، كما يقول إيزينغ، هي نتيجة الخرق المستمر للاتفاقيات الموقع عليها. لكن ما هو الوضع الآن؟ هل وصلت منطقة اليورو إلى نقطة لم يعد يوجد فيها أي حل بديل لاتحاد نقدي يقوم على أساس تأمين المخاطر؟ الخبير دونغس يجيب على هذا السؤال بنعم ويقول إن إدارة الأزمات المشتركة تولد ميلا إلى تصرف سلبي تلو الآخر. وتتمثل ذروة هذه التصرفات السلبية في الاتفاق على آلية استقرار أوروبية من المفروض أن تدخل حيز التنفيذ في مطلع يوليو تموز عام 2013 .ويشرح دونغس قائلا: "هذه الآلية تمنح عمليا كل دولة اعتبارا من عام 2013 المجال لابتزاز الأعضاء الآخرين، فكل دولة لا تحتاج سوى للظهور بأنها تتحرك داخل النظام المرسوم، ويمكنها أن تتصرف كما تشاء، انطلاقا من الاعتقاد أنها حتى لو قلبت كل الأمور على أعقابها في منطقة اليورو، سيتعين على الباقين أن يقوموا معا بضمان ديونها. وبعبارة واضحة يمكن لهذه الدول أن تقول بكل بساطة أنا أفعل ما أشاء فالألمان سيساعدوننا على جميع الأحوال."
حوافز خاطئة
وعلى الرغم من أن الاقتصاد الإسباني والإيطالي يتمتع حسب رأي خبراء الاقتصاد بالمقدرة على النمو، ربما تفكر هاتان الدولتان أنهما ليستا بحاجة إلى بذل الجهود عندما تجدان أن ممارسة سياسة مالية واقتصادية سيئة، تجر الأعضاء الآخرين في الوحدة النقدية في ركابها، تُكافأ بالتضامن من قبل الآخرين، بينما تُعاقب السياسة الجيدة، لأنها تملي على الدولة التي تمارسها واجب مساعدة الآخرين في الضيق. ويصف أوتمار إيسينغ هذا الوضع بـ " شذوذ فكرة التضامن"، ويسوق مثالا على ذلك: ما حدث في إيطاليا عندما ارتفعت فوائد السندات الرسمية فيها بشكل قوي. عندئذ أعدت الحكومة في غضون ثلاثة أيام حزمة توفير، هذا في بلاد يحتاج فيها تغيير أحد قوانين السير إلى سنوات ثم يعلق إيسينغ قائلا: "لكن عندما بدأ البنك الأوروبي المركزي بعد ذلك بأسبوعين بالتدخل في الأسواق المالية ميّع الإيطاليون على الفور حزمة التوفير."
الحلول التي يقترحها الخبراء
والمخرج الوحيد القادر على إخراج الاتحاد النقدي الأوروبي على المدى الطويل من الوضع المزري يتمثل في نظر الخبراء في زيادة الضغط، وتحمل الضغط، والعيش مع النتائج في حال الضرورة. وهم يرفضون بشكل قاطع فكرة استخدام السندات الأوروبية لنقل المخاطر إلى المجموعة الأوروبية، ويجدون هذه الفكرة هدامة. كما أن حكومة اقتصادية أوروبية تبدو في ظل الظروف الراهنة فكرة وهمية في الوقت الحاضر، وكما يرى الخبراء الاقتصاديون، لا يوجد بديل لمظلة الإنقاذ بالمليارات.
في الوقت نفسه يؤكد البروفسور كليمنس فويست من جامعة أكسفورد عدم وجود تناقض بين مظلات الإنقاذ وإفلاس دولة عضو "فاليونان بحاجة إلى تخفيض الديون. عندئذ فقط يصبح الدائنون أكثر حذرا في المستقبل، وبهذه الطريقة فقط يمكن إبقاء الديون في حدود معينة." ومن الضروري إجراء عملية عجز عن الدفع لوضع حوافز صحيحة في أسواق رأس المال كما يرى فويست مؤكدا: "لكن لا يمكن حدوث ذلك في ظل الوضع الراهن إلا من خلال دعم مظلات الإنقاذ." ثم يشير الخبير الاقتصادي إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن الاقتصاد اليوناني لن يتمكن حتى بعد تخفيض الديون من العمل مثل ذي قبل، انطلاقا من التفكير في إمكانية الحصول على تخفيض للديون مرة أخرى.
ولا يكفي في هذا الإطار مناشدة المسؤولين لممارسة الحكم الرشيد واستهمام الاستعداد لممارسة سياسة مالية واقتصادية جيدة بما فيه أيضا مصلحة البلاد، بل ينادي الخبراء بأن يتم في إطار آلية عمل الاستقرار الأوروبية المستقبلية مراعاة المبدأ القائل بوجوب أن يحمل كل طرف مسؤولية عواقب سياسته، ولا يجوز أن تجعل الرابطة نفسها قابلة للابتزاز. والكلام الموجه إلى الحكومة الاتحادية يصب في نصيحة واضحة "عليها أن تتعلم بسرعة أن تقول أيضا لا"
سابينه كينكارتس/ منى صالح
مراجعة: طارق أنكاي