هل تصبح المساعدات الألمانية وسيلة ضغط على الدول المغاربية؟
١٢ يناير ٢٠١٧أحزاب الاتحاد المسيحي وحتى الحزب الاشتراكي الديمقراطي باتت تطالب جميعها بأن تتلقى البلدان التي ترفض استقبال رعاياها مساعدة إنمائية أقل. والحالة المثيرة في هذا الإطار تمثلت في قضية مهاجم سوق عيد الميلاد في برلين التونسي أنيس عامري الذي كان من الواجب أن يغادر ألمانيا، إلا أن إبعاده تعثر لأسباب بيروقراطية. وكانت تونس في البداية لم تعترف به كأحد مواطنيها، ليطول أمد الحصول على وثائق الهوية الضرورية إلى حين وقوع الاعتداء.
وتبقى نسبة الاعتراف بحق اللجوء لصالح المواطنين من بلدان إفريقيا الشمالية الثلاث المغرب والجزائر وتونس ضئيلة جداً. ولا تتمكن ألمانيا على الرغم من ذلك من إبعاد طالبي اللجوء المرفوضين، لأن بلدانهم الأصلية ترفض استقبالهم. وكمثال على ذلك تونس التي قدّم نحو 900 شخص منها في عامي 2015 و 2016 طلبات لجوء تم الاعتراف بأقل من واحد في المائة من مجموعها. وفي عام 2015 تم ترحيل 15 تونسيا فقط وفي عام 2016 تم إبعاد 117 شخصا. وزارَ وزير الداخلية الألماني دي ميزيير قبل نحو عام البلدان الثلاث لبحث الحلول لهذه المشكلة، غير أنه لم يتلقَّ سوى وعود مبهمة لتحسين التعاون في استرجاع الرعايا المرفوضين.
ويعتزم سياسيون ألمان اللجوء إلى وسائل أخرى. فوزير الداخلية دي ميزيير قال في خيبة أمل: "استعداد الدول لاستقبال رعاياها يجب أن يُربط بمجالات أخرى في السياسة ويشمل ذلك أيضا المساعدة الإنمائية".
زميله المتحفظ عادة في قضايا الهجرة وزير العدل هايكو ماس اعتبر أنه ليس من المقبول أن تظهر ألمانيا كمتسول أمام الدول المعنية، وقال: "من لا يتعاون يجب معاقبته". واعتبر زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي ووزير الاقتصاد زيغمار غابرييل أن "من لا يتعاون بما فيه الكفاية، فلا يمكن له أن يعوِّل على مساعدتنا الإنمائية".
مساندة غير معتادة
لكن جميع الجهات التي عبرت عن هذه المطالب قدمت الفاتورة دون الشخص الأول المعني بالأمر، ألا وهو وزير التنمية المسئول غيرد مولر من الحزب الاجتماعي المسيحي. ومعروف أن هذا الحزب له مواقف متشددة تجاه قضايا اللجوء. غير أن فرضية تقليص المساعدة الإنمائية قد تضر بالمصالح الألمانية، كما يعتبر وزير التنمية مولر الذي قال في تصريح صحفي: "الناس يحتاجون في وطنهم إلى العمل والمستقبل، وإلا فإنهم سيتوجهون إلينا". وأوضح أن انهيارا اقتصاديا بسبب تراجع المساعدة قد "يؤدي إلى مشاكل هائلة".
هذا الموقف سانده أيضا بشكل غير معتاد رئيس كتلة حزب اليسار ديتمار بارش الذي وصف تقليص المساعدة الإنمائية كوسيلة ضغط بأنها عبث، وقال: "يجب علينا فعل العكس، والمساعدة في مكافحة أسباب الهرب والتهجير في عين المكان".
ديرك ميسنر مدير المعهد الألماني لسياسة التنمية لا يرفض مبدئيا تقليص أموال المساعدات، ويعتبر ذلك مناسبا فقط إذا كان مفعوله يطال الحكومات المعنية وليس السكان البسطاء. ويقترح مثلا تقليص دعم الصادرات لممارسة الضغط على أنشطة الدولة.
وتفيد وزارة التنمية الألمانية أن ألمانيا دفعت في عام 2016 نحو 1.1 مليار يورو لدول المغرب العربي، والجزء الأكبر في شكل قروض، إذن فتلك الأموال ليست هدية. وتغطي تلك المساعدة مثلا مجالات مشاريع التكوين والتأهيل ومشاريع الطاقة وكذلك برامج استقبال العائدين. ويوجد أيضا منذ سنوات المشروع الخاص "الاستقرار والتنمية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط"، وتريد بموجبه ألمانيا دعم وسائل التعاون الإنمائي لتحسين ظروف العيش وتحقيق عدالة اجتماعية أكثر. وهذا يعتبره وزير التنمية الألماني استثمارا جيدا لكلا الطرفين.
العودة تعني الفشل
الوزير غيرد مولر لا يعارض عمليات الترحيل، لكنه يرفض ربطها بسياسة التنمية، واعتبر أنه يجب على ألمانيا التفاوض "باحترام" مع المغرب وتونس والجزائر حول برامج إعادة الرعايا غير الموجودة إلى حد الآن. وقال الوزير إنه يتفهم طلب المغرب وتونس بأن تحدد ألمانيا هوية اللاجئين المرفوضين عبر بياناتهم البيوميترية.
تيم فيسترهولت، خبير شؤون الهجرة أشار إلى حقيقة أخرى تقف في وجه إعادة طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم، وهي أن الشباب من بلدان إفريقيا الشمالية يبذلون كل الجهد للبقاء في أوروبا، لأن عودتهم إلى بلدهم الأصلي تعني الفشل.
فالوزير مولر لا يرفض فقط تقليص المساعدة لدول شمال إفريقيا، بل يريد توسيعها، وقد أعلن في الأسبوع الماضي عن "مشروع مارشال مع إفريقيا" يشكل "تعاونا اقتصاديا بحجم جديد". ويراد أن تكون مصر ودول المغرب العربي المستفيد الأول في هذا الإطار. وسيتضاعف عدد سكان إفريقيا، وهذا له آثاره المباشرة على ألمانيا وأوروبا. "وليس حلاً استقبال ملايين الشباب في أوروبا، وبالتالي يجب فتح آفاق في عين المكان وتشجيع البلدان الإفريقية على المبادرة الذاتية. والبلدان التي تتحرك في هذا الاتجاه يجب أن تحصل على أموال أكثر، ومن يرفض الإصلاح يحصل على أموال أقل". ويعتزم الوزير مولر عرض هذا المشروع في برلين في الـ 18 من يناير الجاري.
كريستوف هاسيلباخ/ م.أ.م