هل تسير تونس والمغرب الى"ربيع عربي" جديد؟
٢٣ مايو ٢٠١٧المشهد في تونس بات تراكما من المشكلات،وحاول محتجون تونسيون غاضبون الأثنين ( 22 أيار/ مايو 2017) دخول منشأة نفطية عنوة في "الكامور" بالقرب من تطاوين جنوب تونس رغم أنّ الجيش يحميها، ونتج عن ذلك توقف أغلب منشات وحقول النفط عن الانتاج، كما قطعت شركات النقل عمليات نقل النفط. و أكد المتحدث باسم الحرس الوطني خليفة الشيباني عبر اذاعة موزاييك الخاصة "وجود تحريض على شبكات التواصل الاجتماعي من أجل تأجيج الأوضاع و العصيان المدني في البلاد" .
و توالت الهجمات التي تطال رجال الأمن، منذ التفجير الإرهابي الذي استهدف حافلة للأمن الرئاسي وسط العاصمة في تشرين الثاني /نوفمبر 2015 والذي خلّف أثنا عشر قتيلا من عناصر الأمن. بعدها أعلنت حالة الطوارئ وما زالت سارية في كامل أنحاء البلد.
وليس بوسع المراقب إلا أن يسأل هل ثمة جهة سياسية تقف وراء هذا التصعيد، وهو ما أجاب عنه الاعلامي والأكاديمي التونسي غسان بلعيد في حواره مع DW عربية مبيناً أنّه" في كل المراحل التي شهدتها تونس في السنوات الأخيرة سمعنا أحزابا تعلن فشل الحكومة وتدعو الى انتخابات مبكرة، وأعتقد أنّ هذه التحركات المفاجئة لم تعد عفوية، لأنّ عدد المحتجين البالغ ألفي شخص تظاهروا بصفة سلمية، ولكن مع المحتجين عناصر قد تكون ممولة من أطراف خارجية وداخلية وهدفها الأساسي هو عدم استقرار البلد".
"منطقة تطاوين تشكو من نسبة عالية من البطالة والتهميش"
الحكومة التونسية استجابت لمطالب المحتجين وعرضت ألف فرصة عمل فورية في الشركات النفطية و500 فرصة عمل أخرى في العام المقبل، إلى جانب ألفي فرصة عمل في شركة بيئية حكومية مع تخصيص 50 مليون دينار للتنمية في تطاوين، لكنّ جزءاً من المحتجين رفض العرض الحكومي حسب تقرير نشرته وكالة الأنباء الالمانية، وهذا قد يكون دليلا على أنّ الازمة تسير في اتجاه آخر،
وهو ما عاد ليؤكده الاعلامي والأكاديمي التونسي غسان بلعيد مشيرا الى محاولة ممنهجة لحرق مناطق أمنية والسيطرة على محجوزات مصادرة من المهربين "أنّ الاحتجاجات بدأت في هذه المنطقة منذ شهرين، وهدف الشباب المحتجين كان المطالبة بالتنمية والتشغيل خاصة أنّ منطقة تطاوين تشكو من نسبة عالية من البطالة والتهميش، وفجأة وخلال دقائق تحولت الاحتجاجات السلمية الى هجوم ". واعتبر بلعيد أنّ المستفيد الأكبر من الفوضى التي تضرب تلك المناطق هم " المهربون والإرهابيون" ومع كل هذا يستبعد بعض المطلعين على الشأن التونسي أن يتحول الحراك السياسي الذي اتخذ طابعا عنيفا في هذا البلد الى استعادة لمناخ ما عرف "بالربيع العربي"، والى ذلك ذهب غسان بلعيد مبيّنا أن ذلك مستبعد في الظرف الراهن" لأنّ الوضع الذي تعيشه تونس غير الوضع الذي كانت عليه في عام 2011، فالبلد يعيش منذ ست سنوات مرحلة انتقالية ديمقراطية شهدت انتخابات ديمقراطية ولدينا اليوم حكومة وحدة وطنية".
المغرب - بين فوضى ليبيا وحراك جنوب تونس !
وقد يخلق ما يجري في تونس، والفوضى الضاربة في ليبيا منذ اسقاط نظام العقيد القذافي، مناخا يمتد الى المغرب، الجار الكبير الذي خرج معافى من نيران" الربيع العربي" ، فيؤثر عليه وفق مبدأ الدومينو ليصنع نوعاً آخر من الحراك قد يفسر ما يجري في هذا البلد.
ويشهد إقليم الحسيمة في منطقة ريف شمال المغرب تظاهرات منذ مصرع بائع سمك نهاية تشرين الاول/اكتوبر 2016 سحقا داخل شاحنة نفايات بعد ان رفض التخلي عن بسطيته التي يبيع عليها لعمال النظافة، وأدى مصرعه المفجع الى تشكل ما بات يعرف بقضية "الشهيد فكري" . القضية ظلت دون توضيح خلفيتها، وحاجات ومطالب المحتجين بقية دون إجابات حتى صار المشهد حراكا، واتخذت التظاهرات طابعا اجتماعيا وسياسيا مطالباً بالتنمية في منطقة يعتبرها أهلها مهمشة.
ويرى عدد من المراقبين أنّ المملكة المغربية بقيت بمنأى عن تاثيرات الربيع العربي ابتداء من عام 2010 والتي اسقطت أنظمة الحكم في جارتيها ليبيا وتونس، ويعزون ذلك الى نوع من الاستقرار تمتعت به الممالك التي تقاربت مع بعضها لتحمي نفسها، مقابل الجمهوريات في عموم المنطقة العربية التي تساقطت تباعاً كما ذهب "سين يوم" الأستاذ المشارك في مادة العلوم السياسية بجامعة تيمبل بولاية بنسلفانيا الأمريكية، في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
"الربيع العربي طال المغرب وادى الى صعود حزب العدالة والتنمية "
لكنّ الناشط محمد العوني رئيس منظمة (حاتم) حريات الإعلام والتعبير في الرباط لا يتفق مع هذا الرأي وذهب في حوار مع DW عربية الى "قيام حركة شبابية كبيرة التفّ حولها المواطنون والمواطنات في فبراير 2011 وسميت حركة 20 فبراير وبقيت حاضرة طيلة سنتين، لكن خفت فعلها نتيجة تشتت الفاعلون السياسيون، ومنهم من قدّم نفسه بديلا عن الحركة، واستطاع أن يصعد، وفي طليعة هؤلاء الإسلاميون وحزبهم حزب العدالة والتنمية ". وتطرق الناشط السياسي المغربي الى عدة مناسبات برز فيها حراك سياسي مطالب بالاصلاح، منها ما جرى في اغسطس 2013 والتظاهرة الكبيرة المعترضة على قرار العفو عن أسباني اغتصب أطفالا قرب الرباط.
كما تطرق العوني الى مناسابت عديدة شهدت حراكا ضد السلطة التي واجهته أحيانا بالاستجابة لطلبات المحتجين، وفي أحيان أخرى "استجابت السلطة بالقمع، مزاوجة بين الجزرة والعصا" حسب وصفه. وذهب العوني الى أنّ ما وقع في إقليم الحسيم" ما هو إلا تجدد للاحتجاجات المتراكمة المتكررة".
في المقابل، يرى بعض خبراء المشهد المغربي أنّ الربيع العربي لا مكان له في هذا البلد بعد أن تغيرت الأوضاع، والى ذلك كتب الباحث المغاربي علي أنوزلا"أنّ ما يحدث اليوم في المغرب لا يمكن أن نقرأه دون ربطه مع ما حدث ويحدث في كثير من دول "الربيع العربي" في الشرق التي شهدت ثورات مضادة أغلقت القوس الذي فتحه ذالك الربيع" وخلص أنوزلا الى أنّ المملكة تسير في طريق العودة التدريجية إلى المربع الأول.
"استجابة الدولة لقضية الشهيد فكري متأخرة"
لكنّ الناشط المغرب محمد العوني، يرى أنّ التقدم سمة الأمم، وأنّ من يعتقد أنّ بامكانه المحافظة على الأوضاع كما كانت عليه، يعيش وهما، لأنّ هذا ضد منطق التاريخ والتطور الإنساني"من وصفوا الربيع بأنّه تحول الى خريف يدافعون عن مصالح خاصة".
على الأرض وعلى المستوى الحكومي، تفقّد وفد حكومي مغربي كبير مشاريع تنموية في منطقة الحسيمة التي تشهد تظاهرات شعبية منذ ستة أشهر، بهدف تسريع الاستجابة لمطالب المحتجين. وضمّ الوفد سبعة وزراء على رأسهم وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت الذي تفقد مشاريع تتعلق بوزارته من الطرق الى المرفأ ومدارس وبنى تحتية صحية ومجمعات اجتماعية.
كما زار وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز اخنوش ميناء المدينة مكرراً التاكيد على دعم الدولة لصيادي السمك وذلك في استجابة لقضية " الشهيد فكري"، لكنها استجابة متأخرة كثيرا حسب وصف الناشط محمد العوني.