هربا من التجنيد.. هكذا باتت تركيا ملاذا للشباب الروس!
٢٨ يناير ٢٠٢٣لا يزال اليوم الذي أقدمت فيه روسيا على غزو أوكرانيا قبل نحو عام عالقا في ذهن الشاب فينيامين، وكأنه وقع أمس وليس في الرابع والعشرين من فبراير/ شباط العام الماضي.
ويقول فينيامين، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي، "كان الأمر بمثابة صدمة كبيرة، إذ أنه أسوأ حدث يمكن أن يقع، لم اتمكن من استيعاب الأمر".
ويضيف فينيامين (28 عاما) أنه لم يعتقد أن الحرب سوف تندلع رغم تصاعد التوتر السياسي بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب في جهة أخرى في حينه. لكن الأمر انقلب رأسا على عقب بعد أن شاهد في صباح الرابع والعشرين من فبراير/ شباط العام الماضي توغل القوات الروسية داخل الأراضي الأوكرانية. وتتشابه فصول تجربة فينيامين في بعض تفاصيلها مع قصة صديقه في الدراسة ألكسندر، الذي طلب أيضا عدم كشف اسمه الحقيقي.
وكان الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول العام الماضي يوما غير مجرى حياة فينيامين، إذ أعلن فيه الرئيس فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية في روسيا.
ويستدعى فينيامين وألكسندر ذكرى ذلك اليوم فيما كانا يحتسيان الشاي في مركز تسوق وسط مدينة إسطنبول التركية.
وقال الشابان إنهما قبل فرارهما إلى تركيا كانا يدرسان العلوم السياسية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو والتي تعد إحدى الجامعات المرموقة في البلاد، فيما كانا يعملان في سوق متخصص في الرياضات الإلكترونية.
لكنهما كانا من بين ما يقرب من 700 ألف شخص فروا من البلاد منذ إعلان التعبئة الجزئية، وفقا لما نقلته مجلة (Forbes Russia) أو "فوربس روسيا" عن مصادر في الكرملين.
"الموت أو السجن"
وعقب بدء الحرب، سعى فينيامين على توفير بعض المال لمساعدته عندما يقرر الفرار من روسيا إذ اضطر لذلك. وقال "لم أستطع الفرار من البلاد فورا عقب اندلاع الحرب لأسباب مالية. ولكن عندما تم الإعلان عن التعبئة الجزئية، تغيرت الأمور: إذ يعني ذلك أن أمامي خيارين أما الموت أو السجن، لذا قررت أن أعيش".
وقرر في اليوم الذي شهد بدأ تنفيذ قرار التعبئة شراء تذاكر طيران إلى بيلاروسيا حيث أخذ معه ما يستطيع حمله من حذاء وفرشاة أسنان داخل حقيبة صغيرة ليصل وجهته إلى العاصمة مينسك حيث مكث في منزل أحد الأصدقاء لمدة شهر. وبعد ذلك، قام بالاتصال بصديقه ألكسندر ليناقشا الخطوة المقبلة.
يشار إلى أن "رئاسة إدارة الهجرة" تفيد بأن قرابة 150 ألف روسي يعيشون في تركيا يحملون تصاريح إقامة، فيما يعيش 37 ألفا منهم في اسطنبول بما في ذلك الشابان فينيامين وألكسندر الذي أكد على أن الأمر لم يكن بالسهل. وأضاف "كنت في حالة ضيق شديدة وعانيت من مزاج سيء، وكان الجميع في صدمة"، مضيفا أن المال لم يكن العائق الوحيد الذي دفعه إلى البقاء في روسيا منذ بدء غزو أوكرانيا وحتى إعلان التعبئة، وإنما كان حبه لبلاده.
ويقول "قرار مغادرة موسكو كان الأصعب في حياتي، إذ كان الأمر صعبا من الناحية العاطفية. لكن قمت بشراء تذكرة للسفر إلى أقرب مدينة كازاخية من الحدود الروسية وكان أمامي خمسة أيام قبل المغادرة فيما كنت أتردد في قرار الفرار".
ويضيف بأنه في نهاية المطاف اتخذ قرار الترحال وعبر الحدود على متن قطار إلى كازاخستان فيما قرر بعد الاتصال بصديقه فينيامين أن تكون تركيا وجهتهما النهائية.
ماذا بعد الفرار؟
تشير التقديرات إلى أن معظم الروس الذين فروا إلى تركيا بعد غزو أوكرانيا هم دون سن الثلاثين ممن يمتلكون القليل من الموارد المالية.
بدروه، يقول مالك إحدى الشركات، طلب عدم الإفصاح عن هويته والاكتفاء بالإشارة إليه بـحرف "دي"، إن منطقة كاديكوي أو "قاضي كوي" النابضة بالحياة على الجانب الآسيوي من مضيق البوسفور باتت تضم أكبر تجمع للروس في إسطنبول.
وخلال الأشهر الستة الماضية، باتت ملصقات خاصة بالترويج لحفلات ووجبات غنائية باللغة الروسية ورسوم غرافيتي أيضا باللغة الروسية شائعة في منطقة كاديكوي.
ويضيف "دي" المؤسس لشركة TotamTotut للاستشارات أنه بعد إعلان التعبئة العسكرية الجزئية في روسيا، بدأت الشركة في مساعدة المهاجرين الروس على إيجاد المسكن المناسب والحصول على تصاريح الإقامة والتواصل مع بعضهم البعض عبر تطبيق تليغرام. وكان الشابان فينيامين وألكسندر من بين الروس الذين ساعدتهم الشركة على الانتقال إلى تركيا.
أسس "دي" الشركة عقب فراره من روسيا في مارس/ آذار فيما باتت الشركة حلقة الوصل بين 300 مواطن روسي في اسطنبول، حيث قامت بتدشين شبكة رقمية باللغة الروسية لتوفير خدمات مثل التنظيف وغيرها.
وقال "دي" إن بعض الروس يواجهون صعوبة في الحصول على تصاريح إقامة تركية، مضيفا أن السلطات التركية ترفض على نحو متزايد حصول الروس على طلبات الإقامة فيما كان ألكسندر من بين الروس الذي رُفض طلبهم لتصريح الإقامة بينما لا يزال فينيامين ينتظر البت في طلبه.
"وضع خطة طويلة الأمد أمر مستحيل"
يشار إلى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أعلن في سبتمبر/ أيلول الماضي أنه سيتم تجنيد 300 ألف جندي احتياطي في الجيش، فيما كان من بين المجندين أحد أقارب ألكسندر.
وقال إن قريبه (45 عاما) جرى إرساله إلى أوكرانيا عشية رأس السنة الجديدة بعد شهرين فقط من التدريب، مضيفا "أنه رجل متزوج ولديه أطفال وكانت حياته مستقرة في روسيا، لذا لم يكن سهلا عليه أن يفر من روسيا".
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلي قد ذكر في نوفمبر/ تشرين الثاني أن 100 ألف جندي روسي قتلوا أو أصيبوا خلال القتال والمعارك الجارية في أوكرانيا.
وبالعودة إلى فينيامين وألكسندر، فعلى الرغم من أن أن الوضع في اسطنبول كان فوضويا في بداية وصولهما إلى تركيا، إلا أنهما يستمتعان الآن بالعيش في المدينة فيما قالا إن لديهما مدخرات كافية للبقاء في تركيا لمدة عام، لكنهما لا يعرفان ماذا سيحدث لهما بعد ذلك.
وعلى الرغم من أنهما يرغبان في العودة إلى روسيا، إلا أنهما يستبعدان حدوث ذلك قبل انتهاء الحرب. ويقول ألكسندر"لا يمكننا وضع خطط لما قد يحدث في المستقبل إذ أنه من المستحيل وضع خطط طويلة الأجل"، مضيفا أنه يشعر بالحنين إلى مدينته موسكو ما يدفعه لمشاهدة البث المباشر على موقع يوتيوب لشوارع العاصمة الروسية.
بورجو كاراكاس – إسنطبول / م.ع