شريك صعب لا يُستغنى غنه.. لماذا يحتاج الغرب كثيرا لتركيا؟
٣٠ أكتوبر ٢٠٢٢منذ الحرب الروسية في أوكرانيا، بدأت الحكومات الأوروبية مناقشة مسألة مدى اعتمادها على بلدان لا تشاركها نفس القيم، خاصة في ظل شعور بالأسف جراء توثيق علاقاتها وتعزيز تعاونها مع بعض هذه البلدان في الماضي.
وماذا عن تركيا؟
تطلعات أنقرة إلى لعب دور أكبر على الساحة الدولية تترافق بخطاب عدواني وقومي متزايد تجاه شركائها في الغرب، إذ أن تركيا، المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، لم تعد بالشكل المرغوب فيه لدى الغرب، وفقا لما يراه المراقبون. ورغم ذلك، فإن تركيا لا تزال لاعبا مهما في السياسة العالمية، ويرجع ذلك لخمسة أسباب:
الوساطة التركية بين موسكو وكييف
ألقت الحرب الروسية في أوكرانيا بظلالها على العالم وأثرت على دول عديدة، بيد أن الحرب كانت فرصة دبلوماسية للحكومة التركية. فمع الأيام الأولى من بدء الغزو الروسي، ظهرت أنقرة بمثابة وسيط بين طرفي النزاع، لا يمكن الاستغناء عنه.
ففي الوقت الذي لم تكن فيه الدول الغربية على قدر كبير من الحماس للتحدث مع روسيا، كانت علاقات انقرة جيدة مع كل من موسكو وكييف، وهو ما يعد بالأمر النادر في الوقت الراهن.
وقد بدأت تركيا بالوساطة لحل مشاكل رئيسية نجمت عن الحرب مثل أزمة تصدير الحبوب الأوكرانية من موانئ البلاد خاصة وأن أوكرانيا كانت قبل الحرب من كبار مصدري القمح والذرة والشعير وزيت عباد الشمس في العالم. وقد تم توقيع اتفاقية استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية بين روسيا وأوكرانيا بوساطة تركيا والأمم المتحدة في يوليو/ تموز في إسطنبول. ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل قد توفر تركيا المكان الأمثل والأكثر منطقية لاستضافة أي مباحثات سلام بين روسيا وأوكرانيا مستقبلا.
حليف الناتو الذي يعتبر ضوؤه الأخضر ضروريا جدا
انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 1952 ولديها ثاني أكبر جيش في الناتو بعد الولايات المتحدة، وهو ما يجعل تركيا تحتل أهمية أمنية رئيسية فضلا عن أنها تقع على الجانب الجنوبي الشرقي لحلف الناتو.
ومع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، أبدت السويد وفنلندا رغبتهما في الانضمام إلى الناتو، لكنهما في حاجة إلى موافقة تركيا أيضا. وفي الأسبوع الماضي، عرض رئيس وزراء السويد الجديد أولف كريسترسون على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقد اجتماع لمناقشة قضية انضمام بلاده إلى الحلف.
والجدير بالذكر أن أنقرة تتهم ستوكهولم وهلسنكي بتوفير ملاذ آمن لعناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة منظمة إرهابية.
تركيا توفر الأمن ومعدات عسكرية بسعر مقبول!
تمتلك تركيا بعدا أمنيا هاما بالنسبة للدول الغربية يتمثل في التعاون العسكري والدفاعي، خاصة في ضوء تعزيز أنقرة من صناعاتها الدفاعية. ما جعلها لاعبا مهما يؤثر بشكل مباشر على المصالح الغربية.
وفي هذا الصدد، أثبتت الطائرات المسيرة تركية الصنع من طراز "بيرقدار تي بي 2" فعاليتها بعد استخدامها في نزاعات عديدة خلال السنوات الماضية. إذ ذكر تقرير صدر العام الماضي عن مركز BAKS للأبحاث والتابع للجيش الألماني أن مسيرات "بيرقدار تي بي 2" لعبت دورا حاسما في الصراع الذي اندلع في إقليم ناغورنو كاراباخ.
وفي خضم الحرب الروسية في أوكرانيا، أفادت تقارير بأن هذه الطائرات المسيرة تساعد الجيش الأوكراني في الدفاع عن أراضي البلاد.
وفي مؤشر على الامتنان، كرم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المدير العام لشركة "بايكار" التركية التي تصنع مسيرات "بيرقدار تي بي 2" ومنحه وسام استحقاق الدولة من الدرجة الأولى.
يشار إلى أنه في الوقت الذي كان فيه الشعب الأوكراني بجمع تبرعات لشراء طائرات مسيرة، قامت الشركة التركية بالتبرع بمسيرات "بيرقدار تي بي 2" إلى "الشعب الأوكراني الوطني لتحقيق الهدف الذي حدده"، على حد وصف بيان الشركة.
وفي ضوء انخفاض أسعار بمسيرات "بيرقدار تي بي 2"، فإن تركيا تعد شريكا تفضله البلدان التي لا تستطيع تحمل تكلفة شراء معدات عسكرية عالية الثمن وتبحث عن بديل.
وقد ذكر تقرير حديث صدر عن المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية أن "مبيعات الأسلحة إلى إفريقيا قد ارتفعت بشكل كبير".
دور رئيسي في ضبط حركة اللاجئين والهجرة إلى أوروبا
نظرا لموقع تركيا الجغرافي حيث تحد دولا تشهد صراعات لا سيما سوريا، فإنها لا تعد لاعبا رئيسيا في القضايا الدفاعية فحسب، وإنما أيضا في قضايا أخرى تتعلق بأمن الدول الأوربية وفي مقدمة ذلك قضية الهجرة.
وشهدت السنوات الماضية إطلاق الرئيس التركي تهديدات ضد دول الاتحاد الأوروبي خاصة ألمانيا ودول أوروبية أخرى "بفتح الأبواب أمام اللاجئين" المقيمين في بلاده إلى القارة الأوروبية، وهو ما أدى إلى إبرام معاهدة بين تركيا وبروكسل عام 2016 بشأن المهاجرين واللاجئين، تضمن منح الاتحاد الأوروبي لتركيا ستة مليارات يورو مقابل استقبالها للاجئين.
الجالية التركية الكبيرة في ألمانيا
في أعقاب الانتخابات العامة في تركيا عام 2018، كتبت العديد من الصحف الألمانية "لقد صوت أكثر من 60 بالمائة من الأتراك في ألمانيا لصالح أردوغان". ويعد ذلك دليلا على مدى تعاطف الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا مع الدولة التركية.
لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك، إذ يمتد إلى قضايا تتعلق بالأمن الداخلي في ألمانيا خاصة في أعقاب تأكيد هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية) أن هناك العديد من الأيديولوجيات الراديكالية التي تهدد الدستور الألماني.
وفي هذا الإطار، فإن أجهزة الأمن تراقب العناصر المتعاطفة مع كل من جماعة "الذئاب الرمادية" القومية المتطرفة وأنصار حزب العمال الكردستاني، وحركات يسارية متطرفة بالإضافة إلى مجموعات إسلامية متطرفة.
وفي ضوء ذلك، فإن التطورات في تركيا قد تلقى بظلالها على هذه الحركات خاصة وأن الدولة التركية قد تؤثر بشكل مباشر عليها مثل جماعة "الذئاب الرمادية".
بوراق أونفيرين/ م ع