هاينرش بول: الأديب الملتزم بقضايا الإنسانية
١١ نوفمبر ٢٠٢٠ولد هاينريش بول في مدينة كولونيا الألمانية عام 1917 في عائلة كاثوليكية بسيطة يعود أصلها الأول إلى انجلترا. وتحتم على الطفل هاينريش أن يعايش مع أسرته سنوات الجوع والحرمان والمعاناة، التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، ثم أثناء الحرب العالمية الثانية التي كان أحد جنودها وشاهداً على بشاعتها من واقع حياته اليومية في الجبهة. وهو الأمر الذي عكس نفسه بلا شك على أدب هاينريش بول وساهم كثيراً في تشكيل شخصيته الأدبية والسياسية.
وقد ترك بول بصماته الواضحة على أدب ما بعد الحرب في ألمانيا من خلال مساهماته في إعادة الاعتبار للأدب الألماني ومنحه اعترافاً عالمياً. في هذا السياق قال عنه كاتب سيرته الذاتية، الكاتب والناقد هاينريش فومفيغ: "لم يؤثر أي أديب ألماني بهذه الصورة في الأدب الألماني في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كما فعل هاينريش بول"، مردفاً أنه لم يحدث أن فهم العالم أي أديب ألماني وأحبه مثل هاينريش بول.
أحد رواد أدب ما بعد الحرب
شهد الأدب الألماني بعد الحرب العالمية الثانية بداية جديدة من خلال كوكبة من الأدباء الألمان، منهم بطبيعة الحال هاينريش بول وغونتر غراس اللذان حصلا على جائزة نوبل للآداب. وقد حاول هؤلاء الأدباء، الذين عُرفوا "بمجموعة 47"، التعبير عن التجربة العدمية المروعة، التي تمثلت في الحرب والدمار والتعبير عن الذنب والهزيمة الألمانيتين ومعالجة الماضي الألماني والتساؤل عما حدث، بالإضافة إلى مراجعة الذات، وذلك من خلال الاستعانة بالفلسفة الوجودية أو التقاليد المسيحية معتمدين على الحداثة الأدبية التي كانت منبوذة أثناء الحكم النازي. ومن الأمثلة على هذا النوع الأدبي قصص هاينريش بول "وصل القطار في موعده المحدد" (عام 1949)، ومسرحية "ولم ينطق بكلمة واحدة" (عام 1953)، و "خبز الأعوام المبكرة" (عام 1955) و "لعبة البلياردو في التاسعة والنصف" (عام 1959) وغيرها من روائع الأدب القصصي العالمي، التي مثل الكثير منها على خشبة المسرح أو حولت إلى أفلام. كما ترجمت أعماله القصصية إلى الكثير من لغات العالم بما فيها العربية.
الجندي المتمرد
عندما وصل أدولف هتلر إلى السلطة عام 1933 كان هاينريش بول في ريعان الشباب. وعقب حصوله على الثانوية العامة عام 1937 التحق بدورة تأهيليه في علم المكتبات، إلا انه لم يكملها بسبب استدعائه لأداء الخدمة العامة. وفي عام 1939 كان هاينريش بول قد التحق بالجامعة، إلا انه تم استدعائه للخدمة العسكرية. ورغم محاولاته التهرب من الخدمة بادعاء المرض وتقديم تقارير طبية مزورة أو بحجة الدراسة، إلا انه أجبر على المشاركة في الحرب العالمية الثانية على مختلف الجبهات مثل بولندا، والاتحاد السوفيتي السابق، ورومانيا، وهنغاريا. ومن أرض المعركة كان الجندي هاينريش يكتب رسائل بشكل شبه يومي لأسرته وصديقته، انه ماريا سيش، التي أصبحت فيما بعد زوجته. وقد أصيب بول في المعارك الحربية أكثر من مرة، كما تم أسره من قبل الجيش الأمريكي لفترة قصيرة وأطلق سراحه عام 1945.
احتفاء "أخضر"
يقول هاينريش بول عن نفسه "حاولت الكتابة في وقت مبكر من حياتي، لكني وجدت الكلمات فيما بعد". تعود محاولات هاينريش بول للكتابة إلى عام 1936 كما تشير القصاصات، التي عُثر عليها في منزل الأسرة. غير أن أولى إنتاجاته الأدبية، التي وجدت طريقها إلى النشر كانت في عام 1947. وقد منح هاينريش العديد من الجوائز من داخل وخارج ألمانيا وتولى مناصب فخرية كثيرة كما منح درجة الأستاذية الفخرية. وكانت أهم هذه الجوائز جائزة نوبل للآداب عام 1972.
وقد عرف هاينريش بول، برجل المواقف السياسية المعلنة والصريحة ضد الحرب والاستبداد وملاحقة الكتاب والمبدعين في ألمانيا وعلى مستوى العالم. كما كان هاينريش بول من الناقدين للكنيسة الكاثوليكية، التي خرج منها عام 1976، ومن الداعيين إلى الانفتاح على الآخر والحوار بين الثقافات. وكان لهاينريش بول مواقف معارضة للسياسات الأمريكية والسوفيتية في العالم عموماً. ويذكر أنه وقع مع نخبة من الشخصيات الأدبية والسياسية وثيقة إدانة للعدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وكان بول يؤمن بأن الأدباء هم ضمير الأمة وبأن عليهم وفقاً لذلك رسالة إنسانية وأخلاقية كبيرة.
توفي بول عام 1985 بعد رحلة طويلة مع المرض أجريت له خلالها عدة عمليات جراحية.
تحمل اليوم الكثير من المدارس والمؤسسات الألمانية اسم هاينريش بول، كما أن أصدقاء الأديب ومقتفي أثره في النضال قد قاموا بتأسيس مؤسسة خيرية تحمل اسم "مؤسسة هاينريش بول" ذات الصلة الوثيقة بحزب الخضر الألماني، الذي يعتبر بول الأب الروحي له. وتركز هذه المؤسسة في أعمالها على المجالات التنمية السياسية الديموقراطية والبيئة والتضامن العالمي ونبذ استخدام العنف. كما تقدم المؤسسة منحاً دراسية في إطار برنامج تشجيع الموهوبين من الطلبة الألمان والأجانب في شتى التخصصات.