لاريسا بندر: وسام الاستحقاق اعتراف بأهمية عمل المترجمين
٣ أكتوبر ٢٠١٨منح الرئيس الألماني فرانك ـ فالتر شتاينماير وسام الدولة من الدرجة الرفيعة لـ 29 شخصية ثقافية تقديراً لها ولمساهماتها في المجتمع. ومن بين هؤلاء المكرمين المترجمة والمستشرقة لاريسا بندر التي ساهمت من خلال ترجمتها لعدد غير قليل من الكاتبات والكتاب العرب، في بناء جسور ثقافية بين العالم العربي وألمانيا. وكانت الرئاسة الألمانية قد وضعت شعار "الثقافة تقيم جسوراً" لنشاطات هذا العام بمناسبة ذكرى الوحدة الألمانية.
DW عربية حاورت المترجمة لاريسا بندر عشية تسلمها وسام الدولة الرفيع وسألتها عن هذا التكريم وأهميته لها وكذلك نظرتها للأوضاع في العالم العربي وألمانيا.
DW عربية: سيدة بندر، هل كان ترشيحك لنيل الوسام مفاجأة لك؟ وماذا يعني هذا التكريم بالنسبة إليك؟
لاريسا بندر: طبعاً كان الخبر مفاجئاً لي، فلا أحد يتوقع مثل هذا النبأ. إنه تكريم كبير لي كمترجمة تساهم في التواصل بين الثقافات. أعتقد أن هذا التكريم ليس اعترافاً بجهدي الشخصي في المساهمة في التواصل الثقافي بين الشعوب فحسب، بل يشكل أيضاً اعترافاً بجهد كل المترجمين والمترجمات. لأنه غالباً ما يتم تغييب عمل المترجم، فهو غير مرئي وغير حاضر أمام أنظار القارئ.
فحين يتحدث المرء عن كاتب ما وعن عمله الروائي المترجم لا يلاحظ أنه لم يكتب عمله بهذه اللغة التي يقرأها، بل بلغة أخرى. في الحقيقة يُقرأ الكتاب المترجم بلغة المترجم، وهذا ما يتم تجاهله دوماً. لذلك نكافح، نحن المترجمين والمترجمات، من أجل ألا يُغيب دورنا. وأعتقد أن هذا التكريم يشكل منعطفاً كبيراً على طريق تقريب المترجمين للقراء.
"الثقافة تقيم جسوراً" هذا هو شعار التكريم لنخبة من الفاعلين في المجال الثقافي في ألمانيا. وأنت قمت، عبر ترجماتك إلى اللغة الألمانية، ببناء جسور بين الشرق والغرب. وإذا راجعت نشاطك الأدبي في هذا المجال عبر عقود طويلة، ما هو أهمية هذا العمل في المجتمع برأيك؟
مجتمعياً لا أريد أن أكبر من شأن عملي كمترجمة للأدب العربي، ولكني كنت ومازلت أميل إلى الرأي الذي يقول إن الأدب في كل حال عنصر مهم جداً لفهم الآخر. وأعتقد أن قراءة رواية مترجمة من الأدب العربي أفضل من الاستماع إلى محاضرة عن العالم العربي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالناس وبحياتهم اليومية وما يفرحهم وما يحزنهم.
نحن المترجمين للغة العربية لدينا وضع خاص، إذ يُواجه العالم العربي والعالم الإسلامي بالرفض من قبل المجتمع الألماني. طبعا لذلك أسبابه وخلفياته التاريخية. في نفس الوقت نحاول نحن المترجمين من خلال أعمالنا الأدبية المترجمة أن نلفت الانتباه إلى أننا جميعاً نتشابه في أمور كثيرة. ولهذا أعتقد أن مصطلح بناء الجسور صحيح وفي مكانه في هذا السياق. وأعتقد أن من يقرأ الروايات المترجمة يفهم العالم العربي بشكل أفضل.
ما أهمية الترجمة الأدبية بالنسبة لعملية الاندماج في المجتمع الألماني؟
أعتقد أن الترجمة تلعب دوراً مهماً في عملية الاندماج. فالعدد الكبير من اللاجئين العرب الذين وصلوا مؤخراً إلى ألمانيا، خصوصاً من سوريا والعراق، أظهر أن المجتمع يدخل في مواجهة مباشرة مع مواطنين من العالم العربي ومع الثقافة العربية. وهناك اختلافات في المجتمع وفي الشرائح الاجتماعية، اختلافات في التصرف والتعامل واختلافات في التفكير وفي التاريخ. وعليه يجب على الجانبين أن يتعرفا على بعضهما البعض. وهنا تلعب الأعمال الأدبية المترجمة دوراً مهماً في أن يفهم الجانب الألماني الوافد العربي بشكل جيد.
وفي حين أن الأدب الأوروبي معروف ومنتشر في العالم العربي لا يبدو أن العكس صحيح. فالأدب العربي ليس منتشراً كثيراً في أوروبا. وأعتقد أن كثرة الترجمة من العربية ستساهم حقاً، ليس في فهم المجتمع الألماني للعالم العربي فحسب، بل وفي فهم اللاجئ أو الوافد العربي أيضاً وهذا ما يسهل عملية الاندماج أيضاً.
هل تشعرين بالإحباط إزاء التطورات الأخيرة في ألمانيا بعد أحداث مدينة كيمنتس ومناطق أخرى؟
أنا مصدومة. أشعر بالذهول تماماً، وهذه الأحداث تخيفني. أعتقد أن على المجتمع الألماني أن ينهض الآن ويقاوم وأن يعمل شيئاً ما ضد هذا التطور. إن الفكر اليميني ينتشر بشكل يثير القلق خصوصاً عندما يقرأ المرء في بعض المواقع نصوصاً تحمل الفكر اليميني المتطرف والشعبوي والذي يدعو إلى كراهية الأجانب. ولهذا أعتقد أن مصطلح إحباط غير ملائم في هذا السياق. وأعتقد أنه لا بد من فعل شيء ما. في الحقيقة هناك بعض المثقفين والفنانين بدأوا فعلاً بنشاطات في هذا المجال وحددوا موقفاً واضحاً بهذا الشأن.
إذن أنت تشعرين بالقلق إزاء الصعود الكبير لليمين الشعبوي؟
نعم، أنا قلقة إزاء هذا التطور، واستطلاعات الرأي تشير إلى أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي يجذب الكثيرين من الناخبين إليه. وأعتقد أن الكثير من الجهل يكتنف هذه العملية، لذا لا بد من القيام بعملية توعية واسعة بخصوص عدة مفاهيم مثل: ماذا يعني الفكر اليميني المتطرف، وماذا كانت تعني الاشتراكية القومية (الفكر النازي)، وماذا تعني هذه الأفكار اليوم بالنسبة إلينا. أظن أنه لا يتم توعية التلاميذ في المدراس بخطورة هذه المفاهيم. وهذا يجعلني أن أكون قلقة جداً.
في مثل هذه الظروف تبرز أهمية عملك كمترجمة للأدب العربي.. هل تشاركيني هذا الرأي؟
نعم، تزداد أهمية الترجمة في مثل هذه الظروف، ولكن يجب أن نعلم أن الأدب والترجمة لا يغيران العالم. ولكن رغم ذلك تساهم أعمالنا بجزء ما في عملية التغيير. لقد تحدثنا قبل قليل عن عملية الاندماج في المجتمع، فمن جانب تساهم الأعمال المترجمة في تسهيل هذه العملية (الاندماج) بشكل ما، كما تساعد من جانب آخر في خلق ظروف في المجتمع تسمح بفهم اللاجئ وقبوله بشكل أفضل.
ما هي الظروف التي ساهمت في اهتمامك باللغة العربية ودراستها والتخصص فيها؟
ثمة قصة خاصة في هذا المجال أكررها دوماً. فقد تعرفت على اللغة العربية للمرة الأولى في حياتي عندما كنت في زيارة للمغرب مع والديّ. يومها كنت في الرابعة عشرة من عمري. لقد أعجبت كثيراً باللغة والثقافة العربيتين وقررت بعد ذلك أن أدرسها.
لاريسا بندر مترجمة ومستشرقة ألمانية. ترجمت لكوكبة من الكتاب العرب كعبد الرحمن منيف وفاضل العزاوي ويوسف زيدان وجبور الدويهي. كما ترجمت للعديد من الكاتبات والكتاب السوريين كسمر يزبك وديما ونوس وحمد عبود وغياث المدهون وغيرهم.
أجرى الحوار حسن ع. حسين