مجموعة فاغنر في أفريقيا.. أكثر من مجرد مرتزقة
١٨ أبريل ٢٠٢٣في البدء، غالبًا ما يكون وجودهم مجرد شائعة. في وقت لاحق سر مفضوح. ينشط آلاف المرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية في عدة دول أفريقية. في جمهورية أفريقيا الوسطى على سبيل المثال، يدعم 1890 "مدربًا روسيًا" القوات الحكومية في الحرب الأهلية المستمرة، وفقًا للسفير الروسي. في ليبيا، يُعتقد أن ما يصل إلى 1200 من مرتزقة فاغنر يقاتلون إلى جانب زعيم المتمردين خليفة حفتر.
وفقًا لمراقبين، فإن المجلس العسكري الموالي لروسيا والمناهض للغرب في مالي قد جلب أيضًا مئات من مقاتلي فاغنر إلى البلاد، هؤلاء المتهمين بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان هناك.
لكن خبراء يقولون إن وجود مجموعة فاغنر في أفريقيا يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي يوليان راديماير لـ DW خلال حضوره مؤتمر ميونيخ للأمن مؤخراً إنه "بمرور الوقت، تطورت فاغنر إلى ما وراء الخدمات العسكرية الخاصة، إلى شبكة من العلاقات والشراكات مع شركات في مختلف البلدان الأفريقية". وأضاف: "إنهم يعملون في تلك المنطقة الرمادية بين الأنشطة غير القانونية إلى حد ما، ويغطون المنطقة بأكملها جيدًا".
السودان: بوابة روسيا على إفريقيا
في السودان على وجه الخصوص فإن وجود مرتزقة فاغنر ليس جديداً ويظهر على مجالات متعددة. وحتى نهاية حكم الرئيس السابق عمر البشير فقد مُنحت تصاريح مناجم الذهب إلى شركة "إم- إنفيست" الروسية التي يُعتقد أنها خاضعة لسيطرة الأوليغارشي ورئيس المجموعة يفغيني بريغوجين. ومن خلال تلك الخطوة حصل مرتزقة فاغنر على مهمة تأمين مناجم شركة "إم إنفيست" في السودان.
في عام 2017، التقى البشير وبوتين في سوتشي للإعلان عن "مرحلة جديدة" من التعاون. ووعد البشير بوتين هناك بأن السودان يمكن أن يخدم روسيا كـ "مفتاح إفريقيا" - وفي المقابل وعد الرئيس الروسي بتقديم دعم عسكري، لكن هذا الدعم لم يحل دون إسقاط البشير في انقلاب عسكري في أبريل/ نيسان 2019.
حتى مع سعي السودان إلى العودة إلى النظام الدستوري، بقي مرتزقة فاغنر في البلاد وزادوا من نفوذهم على الجيش السوداني. ويبدو أن الحكومة العسكرية التي تريد الاحتفاظ بالسيطرة على السودان تحت جميع الظروف، تتلقى دعماً نشطاً من مرتزقة فاغنر. في المقابل يستطيع الكرملين الوصول إلى مناجم ذهب مربحة أخرى.
اقرأ أيضاً: السودان.. دعوات دولية لوقف القتال وسط هجمات على بعثات أجنبية
ووفقاً لتقارير إعلامية مختلفة، يقول المراقبون إن روسيا معنية بالدرجة الأولى بتأمين الوصول إلى المواد الخام القيمة في البلاد: بالإضافة إلى الذهب تشمل هذه المواد المنغنيز والسيليكون. تعتبر رواسب اليورانيوم أيضاً ذات أهمية خاصة بالنسبة لروسيا التي يجب أن تسد حاجة إفريقيا إلى الطاقة.
فاغنر كوسيلة لتأمين النفوذ الروسي في أفريقيا
يعمل راديماير في شبكة المجتمع المدني "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان" (GIATOC) - ونشر مؤخرًا تقريرًا مع زملائه حول فاغنر في أفريقيا، ويقول عن محتوى التقرير "نناقش فيه كون مجموعة فاغنر هي اللاعب الروسي الأكثر نفوذاً في أفريقيا اليوم، وإن أنشطتها وأنشطة الشركات التي تختفي خلفها، لهاتأثير ضار على القارة".
تسعى روسيا جاهدة لتحقيق نفوذ أكبر في أفريقيا، ومجموعدة فاغنر يجب أن تكون وسيلة لذلك حالها حال الزيارات الرسمية التي يقوم بها وزير الخارجية سيرغي لافروف، وكذلك أيضاً التعاون العسكري وصفقات الأسلحة، وفي بعض الحالات توصيل المواد الغذائية والأسمدة مجانًا.
ربما كتعبير عن الشكر، تمكنت موسكو أيضًا من تسجيل 15 دولة امتناعًا عن التصويت من أفريقيا على أحدث قرار للأمم المتحدة بشأن الحرب العدوانية في أوكرانيا؛ فيما انحازت إريتريا ومالي بشكل أكثر وضوحًا إلى جانب روسيا برفضهما القرار.
ويُزعم أن المجموعة سميت على اسم المؤلف الموسيقي الألماني ريتشارد فاغنر، وقد تأسست في عام 2014 من قبل رجل الأعمال يفغيني بريغوزين الموالي لبوتين، ومنذ ذلك الحين تطورت لتصبح جهة فاعلة منظمة بشكل خاص لا غنى عنها لتحقيق المصالح الروسية. وفي الآونة الأخيرة فقط، صرح بريغوزين علنًا لأول مرة أنه كان أيضًا وراء "وكالة أبحاث الإنترنت" (Internet Research Agency)، وهي مصنع لـ"الجيوش الالكترونية" التي تغمر وسائل التواصل الاجتماعي خاصة في الغرب، بمعلومات مضللة تتماشى مع سياسات روسيا.
يمكن أيضًا العثور على حملات للتأثير على السكان الأفارقة في بحث شبكة المجتمع المدني "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان" حول مجموعة فاغنر.
كما يستخدم الكرملين فاغنر "كأداة دبلوماسية في أفريقيا"، وفقًا لما قاله ممثل المجموعة البحثية "كل العيون على فاغنر" (All Eyes on Wagner)، التي تراقب أنشطة المجموعة في جميع أنحاء العالم. DW التقت بممثل المجموعة البحثية، لكن سيتم توصيفه باسم مستعار وهو غابرييل، لأسباب أمنية.
ويقول غابرييل "الشركات العسكرية الخاصة محظورة في روسيا، لكن إلى حد ما مسموح لها بالعمل خارج روسيا"، موضحًا أن المرتزقة على الأرض ينتمون إلى شركات فرعية. ويضيف لـ DW أن "هناك موافقة من الكرملين في كل مرة تطور فيها العلامة التجارية فاغنر أنشطتها في أفريقيا".
تجارة الأخشاب النادرة والذهب والسكر والكحول
ذكرت أبحاث دولية أن العلامة التجارية فاغنر لها أنشطة في مجالات تتجاوز مجال الأمن. ففي تموز/ يوليو 2022، دخلت منظمة "كل العيون على فاغنر" في شراكة مع 11 مؤسسة إعلامية أوروبية للكشف عن كيفية جني المجموعة لأرباح ضخمة باستخدام الأخشاب الاستوائية الثمينة من جمهورية أفريقيا الوسطى. وفقًا للتقرير، منحت الحكومة في بانغي شركة فرعية حقوق قطع الأشجار بدون قيود على مساحة تقدر بـ 187 ألف هكتار.
منجم الذهب "نداسيما" في جمهورية أفريقيا الوسطى، حالة مماثلة. تقول التقارير إنه تم سحب امتياز من شركة تعدين كندية لصالح شركة من مدغشقر تظهر في تقرير منظمة "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان" كشركة تابعة لفاغنر.
يتتبع البحث الذي أجرته مجلة "تقرير أفريقيا" (The Africa Report)، كيف استوردت مجموعة فاغنر ما يُزعم أنه معدات تعدين ثقيلة، عبر ميناء دوالا البحري في الكاميرون. حيث يتم تنظيم ما يصل إلى ثلاث قوافل شاحنات أسبوعياً من بانغي إلى دوالا لنقل المواد الخام، تحت حماية أعضاء فاغنر المزودين بأسلحة ثقيلة.
وقال غابرييل إنه بالنسبة للحكومات الأفريقية التي تعاني من ضائقة مالية، قد يكون من الجذاب للغاية أن تدفع مقابل خدمات فاغنر حقوق التعدين أو قابلية الوصول إلى الأسواق. "لست مضطرًا لسحب الأموال من حسابك. يمكنك فقط أن تقول، هنا، لمدة 25 أو 50 أو 100 عام، يمكنك استغلال هذا المنجم دون أي مشاكل".
"الروس يسيطرون في كل المجالات المربحة"
يبدو أن مجموعة فاغنر تعمل على تنويع أعمالها في جمهورية أفريقيا الوسطى. ويقول جوزيف بندونغا، رئيس حزب "الحركة الديمقراطية للنهضة والتطور في وسط أفريقيا" ( MDREC) المعارض هناك، إن المجموعة تحاول على سبيل المثال، إجبار شركة السكر الفرنسية SUCAF على الخروج من السوق.
وذكر بندونغا مثالا آخر في حواره مع DW: "إنهم بصدد تأطير مصنع الجعة الفرنسي Castel لدعم وتمويل القوات الإرهابية". وأضاف: "الروس هم السادة في كل المجالات التي تجلب المال، بما في ذلك الجمارك والضرائب".
ويمكن لشركة " First Industrial Company" أن تستفيد من ذلك، وهي شركة تنتج البيرة والمشروبات الروحية في بانغي، ووفقًا لتقرير "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان"، فإن الشركة مسجلة على ما يبدو لرجل أعمال روسي مرتبط بفاغنر.
لا تنكر روسيا الروابط مع هذه الشركة. وقال متحدث باسم السفارة الروسية في بانغي لـ DW: "تسير الأمور على ما يرام، لأن المشروبات الكحولية المصنوعة وفقًا للمواصفات الروسية تحظى بشعبية كبيرة في جمهورية أفريقيا الوسطى"، مضيفًا أن نشر الثقافة الروسية والقيام بأعمال تجارية مع سكان أفريقيا الوسطى يمثلان أولوية. وقال المتحدث إن المستثمر الخاص يمكنه أن يفعل ما يشاء: "هذا هو قانون السوق الحرة".
تستمر الأنشطة رغم الحرب
يبدو أن الأنشطة الاقتصادية لشبكة فاغنر في أفريقيا تتزايد بشكل كبير، على الرغم من حقيقة أن مرتزقتها يقاتلون الآن بشكل علني لصالح روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
وقال راديماير المحلل في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان: "في بعض الحالات، تم سحب أعداد كبيرة من مرتزقة فاغنر للذهاب والقتال في الحرب في أوكرانيا، لكن لا يزال هناك آخرون. الأنشطة مستمرة، بالتأكيد على مستوى أدنى. لكن ليس هناك ما يشير إلى أن الحرب في أوكرانيا تؤدي إلى الانسحاب الكامل لمرتزقة فاغنر من أفريقيا".
على العكس من ذلك: قبل وقت قصير من ذكرى بدء الحرب في 24 فبراير/ شباط، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن مصادر استخباراتية أمريكية، أن مجموعة فاغنر كانت تعمل مع المتمردين المحليين للتخطيط لانقلاب في تشاد.
وقال راديماير: "المقلق هو أن فاغنر سوف تستمر في الانتشار والنمو في سياق أفريقي، طالما لم يتم التدخل لمواجهة تلك التأثيرات، ويجب أن تعمل أوروبا وشركاؤها بشكل أفضل مع أفريقيا لتحقيق ذلك".
إعداد: ديرك كوب وكوسيفي تياسو وساندرين بلانشارد وبوب باري/ترجمة: زمن البدري