نظام مبارك: صمام الأمان في المنطقة أم عقبة في طريق الديمقراطية؟
١٨ أغسطس ٢٠٠٩يرى البعض في الرئيس المصري حسني مبارك صانع سلام حكيما ضمن لبلاده السلام والاستقرار، بينما يرى فيه البعض الآخر ديكتاتورا مستبدا لا يتورع عن استعمال كل الوسائل لإبقاء قبضته الحديدية على السلطة. وصل مبارك إلى الحكم عام 1981 في ظروف دراماتكية في مشهد لن تنساه ذاكرة الشرق الأوسط، حينما اغتال متطرفون إسلامويون خلال استعراض عسكري الرئيس أنوار السادات الذي كان مبارك نائبا له. أحد اسباب اغتيال السادات البارزة كان توقيعه، عامان قبل ذلك، معاهدة السلام مع إسرائيل. مبارك الذي كان إلى جانب السادات على المنصة، نجا بأعجوبة من موت محقق. ويعتبر العديد من المراقبين هذا المشهد عاملا محوريا، من الناحية الرمزية السيكولوجية، لفهم السياسة المصرية في عهد مباراك على المستويين الخارجي والداخلي.
على المستوى الخارجي اختار مبارك الاستمرارية وفاءً لخط السادات إيمانا منه بأن الانجازات الحقيقية قد تتحقق بالحوار وليس بالضرورة بلغة السلاح. فمصر استرجعت كل أراضيها التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بعد توقيع معاهدة السلام. ويسعى مبارك إلى تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بإتباع نهج المفاوضات وليس العنف. وتحول، وبدعم من المجتمع الدولي، إلى وسيط نشيط في عملية السلام، وأحد أبرز وجوه ما يسمى بمعسكر الاعتدال في المنطقة العربية. وتدعم العواصم الغربية نظام مبارك الذي ترى فيه شريكا رئيسيا في محاربة الإرهاب، وعنصر استقرار في منطقة أزمات، مرشحة للانفجار في أي وقت. وتعتبر مصر البلد الثاني في العالم بعد إسرائيل الذي يحصل على المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية.
اضمحلال القوى اللبيرالية أمام المد الأصولي
لكن التحالف مع الغرب شكل مصدر ازعاج دائم لنظام مبارك، إذ لا يتردد منتقدوه في وصفه بالخيانة. فمبارك يحكم منذ عام 1981 بنظام الطوارئ لمواجهة ما يسميه خطر التطرف الديني. وتعتبر جماعة الإخوان المسلمين المحظورة أكبر قوة معارضة إذ تشغل خمس مقاعد البرلمان حيث يمثلها نواب انتخبوا بصفتهم "مستقلين". ويتعرض الإخوان المسلمون بشكل دوري لحملات اعتقال ومحاكمات تنتقدها في العادة المنظمات الحقوقية المصرية والدولية. إلا أن ذلك لم يمنع هذه الجماعة من توسيع نفوذها وتأثيرها داخل المجتمع المصري. ويظهر ذلك من خلال اضطرار أجهزة الرقابة الرسمية إلى منع كتب المثقفين العلمانيين، أو التنديد وحتى تكفير علماء يوصفون بالإلحاد، كما أن الحجاب اكتسح الشارع المصري وأصبح النموذج الديني هو الطاغي اجتماعيا.
وتشعر القوى العلمانية بخذلان الغرب لها، إذ تعتبر أن دعم نظام مبارك الاستبدادي يقوي المد الأصولي ، كما يوضح ذلك جورج اسحاق نائب منسق حركة "كفاية" المعارضة إذ تساءل في حديث للدويتشه فيله قائلا: "لماذا تدعم الولايات المتحدة والغرب الأنظمة الاستبدادية، فقد تبين أن هذا الدعم يضر بالقوى الديموقراطية والحية في المجتمعات العربية، وهو ما تستفيد منه قوى الاستبداد. لماذا يتحدث الغرب عن الحرية والديموقراطية فقط في التقارير والدراسات وفي كلام بدون جدوى؟"
معارضة ضعيفة وتكاثر مؤشرات سيناريو التوريث
يوظف الرئيس مبارك "خطر التطرف" بدهاء سواء اتجاه الغرب أو لردع قوى المعارضة اللبيرالية، ليقول للاثنين إن البديل لنظامه سيكون التطرف. ولكن هل يشكل دعم الغرب لنظام مبارك فعلا عائقا أمام لإصلاحات الديموقراطية في مصر؟
آندرياس ياكوبس Andreas Jakobs مدير مكتب مؤسسة آدناور الألمانية في القاهرة يقلل إلى حد ما من هذا التأثير بقوله في حديث للدويتشه فيله: "إني أتفهم بالطبع وجهة نظر المعارضة المصرية، ولكن الملاحظ للأسف هو أن هذه المعارضة ضعيفة، فهي تتسم بالتشتت وبالطابع غير الديموقراطي لبعض أقطابها، وبالتالي من الصعب إرضاء كل المصريين بهذا الشأن."
يبلغ حسني مبارك من العمر 81 عاما فيما تتسرب الأنباء من حين لآخر عن تدهور حالته الصحية، وهو ما أدخل مصر في حالة من الترقب والتساؤل عن هوية من سيخلفه. وهناك العديد من المؤشرات التي توحي بأنه يهيئ في الظل ابنه جمال مباراك لخلافته فيما تسميه المعارضة بسيناريو التوريث أو الحل "الجملكي" (نسبة إلى الجمهورية والملكية) على النموذج السوري كما تسميه الصحافة العربية. جمال مبارك أجرى حوارا مطولا مع قناة سي ان ان الأمريكية عشية زيارة أبيه لواشنطن، إلى أن قضية "الخلافة" تم تفاديها بعناية شديدة، وهو ما أجج من جديد التكهنات بخصوص سيناريو التوريث.
الكاتب: حسن زنيند
مراجعة: هيثم عبد العظيم