نظام الرئيس بوتفليقة يواجه أعنف أزمة اجتماعية وسياسية
٩ يناير ٢٠١١يتسع نطاق الاحتجاجات الاجتماعية التي تشهدها الجزائر وتكتسي أحداثها في عدد من مناطق البلاد طابعا عنيفا، حيث شهدت مصادمات بين رجال الشرطة والشبان المتظاهرين في عدد من أحياء الجزائر العاصمة ومدن كبرى أخرى مثل وهران (غربا) وعنابة (شرقا) ومنطقة القبائل سقط خلالها عشرات الجرحى وعدد من القتلى.
وقد حاولت الحكومة الجزائرية احتواء تطورات الأحداث بإعلان اعتزامها التراجع أو"كبح" وتيرة ارتفاع أسعار المواد الأساسية التي كانت الشرارة التي أشعلت فتيل الأحداث في البلاد. ويعتقد مراقبون بأن اتساع الأحداث وطابعها العنيف يؤشر إلى حجم الهوة القائمة بين فئات الشباب المحتجين ومؤسسات النظام السياسي الجزائري، وتعتبر الأحداث الحالية الأعنف من نوعها منذ تولي الرئيس بوتفليقة للحكم عام 1998.
وفي حوار مع دويشته فيله قال عمار جفال رئيس قسم الدراسات المغاربية في كلية العلوم السياسية في الجزائر إن"غياب مؤسسات سياسية ونقابية تستوعب ردود فعل واحتجاجات الفئات الاجتماعية الغاضبة يؤدي إلى خروج تلك الاحتجاجات في الشارع بشكل عفوي وغير مؤطر سياسيا وهو ينطوي على مخاطر"على استقرار البلاد، وعزا ذلك إلى "هيمنة النظام السياسي على الحياة السياسية وتهميش الأحزاب والمجتمع المدني".
"انتفاضة الشباب المغاربي"
وقد أثار اندلاع الاحتجاجات في الجزائر أسبوعين فقد بعد الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها تونس، تساؤلات حول وجود علاقة بين ما يحدث في البلدين الجارين، وذهبت صحيفة"تاتز" الألمانية (ليبرالية يسارية) في عددها ليوم الجمعة (07 يناير /كانون الثاني 2010) إلى وصفها بـ "انتفاضة الشباب المغاربي". وبرأي الخبير الألماني في الشؤون الجزائرية، فيرنير روف، أستاذ العلوم السياسية السابق بجامعة كاسل الألمانية، فإن الفقر واليأس منتشر على نطاق أوسع بالجزائر منه بتونس. وحسب تقارير دولية فإن معدل البطالة في الجزائر يتجاوز 25 في المائة أما في تونس فيتجاوز 15 في المائة. وأضاف الخبير الألماني في حوار مع دويتشه فيله بأن تاريخ الانتفاضات والتمرد الاجتماعي والسياسي في الجزائر اكتسى تاريخيا طابعا "أعنف" مما حدث في تاريخ تونس.
ومن جهته يرى عمار جفال بأن ما يحدث في الجزائر يمكن اعتباره" امتدادا" لما شهدته تونس بحكم وجود مشاكل متشابهة وتتمثل على الخصوص في اتساع التذمر في أوساط الشباب، الفئة الأكثر تضررا من معضلة البطالة، ولكنه لاحظ بأن أحداث تونس كانت مفاجئة بينما كانت الجزائر تشهد مظاهرات احتجاجية منذ بضعة أشهر بسبب مشاكل السكن، حيث كانت أحياء دور الصفيح (الأحياء الهامشية) تشهد أعمال شغب احتجاجا على طريقة توزيع مساكن جديدة من طرف المؤسسات الحكومية، ثم أخذت الأحداث بعدا أكثر قوة وعنفا كرد فعل على إجراءات رفع أسعار المواد الأساسية.
"التسلح والفساد يلتهمان ثروة الجزائر"
ويرى الباحث الجزائري أن الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها البلاد إنما عن "إخفاق سياسات التنمية التي انتهجتها الدولة، والتي عجزت عن استيعاب أفواج الشباب المتخرجين من الجامعات وعمقت بالتالي معضلة البطالة المنتشرة في أوسط الشباب بصفة عامة". وأضاف جفال بأن سوء توزيع الثروة في الجزائر يساهم في خلق حالة من التذمر والغضب الاجتماعي.
ويذكر أن عائدات الجزائر من البترول والغاز حققت في السنوات الأخيرة أرقاما قياسية، وبلغت العام الماضي 55 مليار دولار، لكن الخبير الألماني فيرنير روف يفضل الحديث عن "انتعاش كبير في عائدات الغاز والبترول، وليس انتعاش للاقتصاد الجزائري" ملاحظا أن اقتصاد البلد هو"اقتصاد ريعي" يعتمد بشكل أساسي على عائدات تصدير الطاقة ويفتقد إلى أي نشاط صناعي وإنتاجي محلي من شأنه خلق فرص العمل. ويعتقد الخبير الألماني أن نسبة كبيرة من عائدات البترول والغاز "تنفق في التسلح ويرافق صفقات التسلح عمليات فساد من خلال العمولات" وهو يعتقد بأن "الفساد يتم على نطاق واسع في المؤسسات الجزائرية".
وتشعر فئات واسعة من المجتمع الجزائري بالحرمان وخيبة الأمل من كثرة الوعود التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة التي شكلت في عهد الرئيس بوتفليقة منذ 12 عاما، وآخر تلك الوعود إعلان احمد أويحيى رئيس الوزراء الجزائري تخصيص حوالي 150 مليار دولار ضمن خطة للسنوات الخمس المقبلة، تشمل تشييد بنيات تحتية ومشاريع اقتصادية توفر فرص العمل، وتم رصد 10 في المائة منها لبرامج التنمية الاجتماعية مثل السكن والعمل وتحسين مستوى الفئات الفقيرة.
الاحتجاجات الاجتماعية والتوظيف السياسي
ويرصد الباحثان الجزائري والألماني ملامح "غضب عارم" لدى الشباب الجزائري الذي خرج في مظاهرات لم تخل من أعمال العنف، ويفسر عمار جفال طريقة ردود فعل الشبان المحتجين بأنه "رد فعل عن المعاناة الاجتماعية ويتم بشكل عفوي في الشارع بسبب غياب دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والمركزيات النقابية نتيجة هيمنة النظام السياسي على الحياة السياسية. ويعتقد جفال بأن خطورة ما يحدث تكمن في إمكانية توظيف الاحتجاجات من قبل أي جهة سياسية.
ورغم الانتقادات التي توجهها أحزاب المعارضة الجزائرية ذات التوجهات الإسلامية والعلمانية والقبائلية للحكومة الجزائرية ونهج حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فلا يبدو أن أحزاب المعارضة تسيطر على تحركات الشباب المحتجين، وقد رصد عدد من المراسلين أن الشعارات التي يرفعها شبان الأحياء الفقيرة في العاصمة الجزائر تخللتها شعارات مشابهة لما كانت ترفعه في وقت سابق جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة.
ويذهب بعض المحللين إلى مقارنة ما يحدث الآن في الجزائر مع "انتفاضة أكتوبر 1988" التي وقعت في الجزائر العاصمة ولكنها اكتست إبانها طابعا دمويا حيث سقط فيها زهاء أربعة مائة قتيل خلال يومين، وأعقب تلك الأحداث تغييرات في النظام السياسي وفتح الباب للتعددية السياسية، التي توجت بانتخابات عام 1990 وفازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لكن إلغاء نتائج الانتخابات أدخلت البلاد في عشرية من العنف.
وبرأي الباحث الجزائري عمار جفال فإن الاحتجاجات التي تشهدها الجزائر حاليا "لها خلفية اجتماعية واقتصادية وتكتسي طابعا سياسيا" ولكنها بحكم طابعها "العفوي وغير المؤطر من قبل أحزاب أو نقابات فهي لا تحمل أجندة أو مطالب سياسية محددة ولا يمكنها أن تذهب إلى مدى سياسي بعيد" مما يجعلها مختلفة عن أحداث 1988. لكن بعض المحللين في الجزائر يشيرون إلى فرضية توظيف هذه الأحداث من قبل الجماعات المتصارعة داخل أجهزة الحكم على خلفية موضوع خلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
منصف السليمي
مراجعة: طارق أنكاي