نشر صور خاصة لمحتجات.. أسلوب قمع جديد للسلطة الفلسطينية؟
٥ يوليو ٢٠٢١"مازال هاتفي بحوزتهم، ولكنهم سربوا صورا خاصة لفتاة أخرى عبر فيسبوك، وقالوا إنها صوري"، هكذا تشرح صحفية فلسطينية حملة التشهير التي تعرضت لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد الاعتداء عليها أثناء تغطيتها المظاهرات المناهضة للسلطة الفلسطينية في مدينة رام الله. هذه الحادثة ليست فريدة، إذ أعلنت منظمات مدنية وحقوقية فلسطينية أن عشرات الناشطات والصحفيات تمت سرقة هواتفهن واختراقها، ونشر صور خاصة لهن عبر الإنترنت في محاولة لـ "تشويه سمعتهن"، حسب ما صرحت به الصحفيةالتي فضلت عدم نشر اسمها لـDW عربية.
تعتبر مصادرة الهواتف من قبل رجال أمن بلباس مدني خلال المظاهرات، أسلوب قمع جديد لم تمارسه السلطة الفلسطينية من قبل، حسب ما يذكره المحامي في مؤسسة ”محامون لأجل العدالة" مهند كراجة لـDW عربية. ويضيف كراجة، الذي اعتقله على الأمن الفلسطيني بعد يومين من إجراء المقابلة الصحفية هذه، أنه تمت مصادرة نحو 100 هاتف من المتظاهرين والصحفيين، ولكن بشكل أساسي تم استهداف النساء في حملات التشهير.
”كنت مرتعبة من الخروج إلى الشارع"
توقفت المتظاهرة م.م عن المشاركة في الاحتجاجات ضد السلطة، بعد نشر صور خاصة لها عبر فيسبوك، ”انتشرت صوري في العديد من الصفحات التابعة لحركة فتح، وحاولوا التركيز على أنني لا أشبه الفلسطينيين بطبيعة لباسي"، تشرح م.م لـDW عربية. هذه المنشورات؛ دفعتها للانتقال والعيش مع أصدقائها، خوفا من تعرضها للتنمر والضرب والإزعاج، "أصبح الناس يعرفونني الآن بسبب هذه الصور، وكنت قلقة جدا من التواجد خارج المنزل. أن يتم تسليط الضوء عليك بهذا الشكل صعب جداً".
اتهمت م.م بأنها ”قائدة الحراك" في رام الله، رغم أنها ليست كذلك، وتقول إن هيئتها تختلف "عن الشكل المعتاد للأفراد في الأراضي الفلسطينية" وتعيش حياتها كما تحب، ولهذا تم استهدافها بشكل أساسي.
ويفسر كراجة السبب وراء ”الاتهامات العشوائية"، بأنهم يحاولون إظهار فتاة ما على أنها القائدة، ومن ثم يعملون على ”تشويه سمعتها"، من خلال التركيز على أن ”عاداتها وتقاليدها لا تشبه أغلبية العادات والتقاليد في الأراضي الفلسطينية"، وبهذا يتم "سلخ المتظاهرين عن باقي المواطنين، وقتلهم اجتماعياً، وتخويف عائلاتهم ومحيطهم".
وانتشرت الصور، حسب كراجة، على صفحات تابعة لحركة فتح الحاكمة في الأراضي الفلسطينية، سواء أكانت صفحات معروفة أو وهمية، وتقول الصحفية، التي قامت بحذف محتوى هاتفها من خلال حساب الكلاود فور سرقته، إنه كانت هناك محاولة "حثيثة" لتشويه سمعتها، ولكن عندما عبرت عن قلقها من نشر صورها الخاصة، قالت لها عائلتها: "إن كان نشر صورة لك دون حجاب أسوأ ما يمكن أن يقوموا به، فليقوموا بذلك، ولكن لا تسمحي لهم باستغلال هذه النقطة لإرهابك".
”قمع المتظاهرين ليس جديدا"
رغم ما أكدته مؤسسة ”محامون من أجل العدالة"، بأن أسلوب القمع المتبع بمصادرة الهواتف هو أمر مستحدث، فإن المحلل السياسي الفلسطيني بلال الشوبكي، يرى أن هذا الاستحداث يتعلق في هذه الجزئية فقط، إذ تعمدت القوات الأمنية الفلسطينية اعتقال وتعذيب المعارضين منذ مشروع الإصلاح الأمريكي للأجهزة الأمنية عام 2007، على حد تعبيره.
وكانت السلطة الفلسطينية وقعت اتفاقاً مع الحكومة الأمريكية، يتم بموجبه تدريب أجهزتها الأمنية بعد وصول حماس للسلطة، ويعرف هذا المشروع باسم "مشروع دايتون"، نسبة إلى منسق هذا الاتفاق ومدرب قوات الأمن الفلسطينية الجنرال كيث دايتون.
ويشرح الشوبكي أن التغيير لم يكن في استحداث الأدوات ولكن في "شدة هذه الأساليب وكثافتها التي باتت أوضح"، والذي يفسره بأنه يعود "لتلاشي العقيدة الأمنية الوطنية وتنامي العقيدة الأمنية الوظيفية، وهو ما سعت إليه المؤسسات الدولية التي دعمت الأجهزة الأمنية، ومحاولتها لينتهي الأمر بموظف القوات الأمنية إلى تنفيذ الأوامر دون التساؤل عن مآلاتها".
الرقابة الذاتية هي الهدف
تلعب طبيعة المجتمع الفلسطيني المحافظ بأغلبيته دوراً في توجه المؤسسات الأمنية إلىاستغلال البيانات الشخصية للمتظاهرات، والذي يربطه الشوبكي بماهية "الأشخاص كرموز"، مفسراً ذلك بأن الفلسطينيين يربطون حراك الشارع بالرموز، وإن تم "إسقاط" الرموز البشرية من الناحية الأخلاقية، فستكون ضربة "موجعة" للمحتجين، ويضيف بأن "السلطة الفلسطينية استفادت من التجربة المصرية، التي حاولت إبراز قادة للحراك الشعبي ومن ثم ضربها أخلاقياً".
السبب الآخر، والذي انقاد له أغلب المعارضين حسبما يشرح الشوبكي، هو تحول جبهة النقاش من المطالبة بالإصلاح إلى نقاش مرتبط بمدى نزاهة المحتج كفرد، وبذلك يصبح الجميع مدافعين عن أشخاص بدلاً من الدفاع عن قضية إصلاحية. هذه الاستراتيجية تبدو مدروسة وليست عشوائية كما يؤكد الشوبكي، بيد أن رد فعل الشارع الفلسطيني قد تعامل مع هذه المحاولات على أنها ”اعتداء" ولم تصدقها الغالبية، ولكن خطرها يكمن بأن "الرقابة الذاتية" سوف تزداد، وتصبح أداة ضغط من الأهالي على أبنائهم لحمايتهم من التحول لأداة تشهير، على حد تعبير المحلل السياسي.
هذا المفهوم بالتحديد، ذكرته الصحفية الفلسطينية أثناء حديثها، إذ رأت أن محاولتهم تشويه سمعتها واستغلال بياناتها، يستهدف بشكل أساسي عائلتها؛ كأداة ضغط عليهم، ولكنها "كانت محظوظة لأنهم لم يرضخوا"، أما م.م فقد أكدت أن مخاوفها الأولية دفعتها أيضا للابتعاد عن المظاهرات، بيد أن الدعم الكبير الذي حصلت عليه من محيطها ساعدها على التخلص من قلقها، والعودة تدريجيا إلى حياتها الطبيعية.
السلطة الفلسطينية: سنحاسب المسؤولين عن هذا "الانتهاك"
استحدثت السلطة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة وحدة الجرائم الالكترونية، والتي تتبع المباحث العامة للشرطة، ويقوم عملها في الأساس على ملاحقة مرتكبي الجرائم عبر الإنترنت، منها نشر الصور الخاصة، أو الابتزاز والاستغلال الالكتروني، ولكن يتهم كراجة هذه الوحدة بالصمت حيال اختراق هواتف المحتجين والصحفيين، واستغلال صور النساء للتشهير بهن.
ويضيف قائلا إنه تم التحقيق مع أي شخص حاول استرداد هاتفه، عن ماهية ما يحتويه من معلومات، ويقول "كان من المفترض أن تقدم النيابة العامة دعوى عامة ضد مخترقي الهواتف، ولكن كما نقول الآن في الأراضي الفلسطينية- أقاضي من والقاضي غريمي؟".
ولهذا توجهت الضحايا إلى مؤسسات المجتمع المدني لطلب المساعدة، وبالتحديد مركز حملة، وهي مؤسسة تهتم بالأمان الرقمي في الضفة الغربية. ويذكر مدير حملة نديم ناشف لـDW عربية، أن بعض الصفحات التي أبلغوا عنها كانت صفحات غير رسمية تابعة لحركة فتح، أو أفراداً معروفين، وأكد بأن شركة فيسبوك تعاملت خلال ساعات مع الشكاوي، وقامت بوقف هذه الصفحات أو حذف المنشورات المسيئة.
وكانت شركة فيسبوك اتهمت السلطة الفلسطينية في وقت سابق من هذا العام، بمحاولة اختراق صفحات ناشطين وناشطات، يعيشون في الأراضي الفلسطينية وخارجها. وأكدت الحكومة الفلسطينية على لسان الناطق باسمها إبراهيم ملحم لـDW عربية، أنه وردت شكاوي شفوية من صحفيات متعلقة بنشر صور خاصة لصحفيات ومتظاهرات، والذي وصفه بـ "الانتهاك"، مؤكداً أنه سيتم التحقيق بهذه الشكاوي، وإن ثبتت صحتها فسيتم محاسبة المسؤولين عن ذلك، وإخضاعهم للعدالة.
وشهدت الضفة الغربية مؤخرا حراكا اجتماعياً ومظاهرات تطالب برحيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إثر اتهام أجهزة الأمن الفلسطينية بقتل المعارض نزار بنات أثناء اعتقاله.
مرام سالم