وفاة الناشط "بنات" تضع الحكومة الفلسطينية على فوهة بركان
٣ يوليو ٢٠٢١الضفة الغربية ليست غريبة عن الاضطرابات السياسية، ولكن في الأسبوع الماضي، وجه المحتجون الفلسطينيون غضباً متزايداً ضد حكومتهم، السلطة الفلسطينية، التي تمارس حكماً ذاتياً محدوداً على جزء من الأراضي.
خرج المئات إلى الشوارع في عدة بلدات خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي للاحتجاج على وفاة الناشط نزار بنات أثناء اعتقاله، وهو معارض معروف للرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية.
وفى نهاية الأسبوع الماضي فى رام الله رفع المتظاهرون أعلاماً فلسطينية إلى جانب صور بنات، ودعا بعضهم إلى إنهاء حكم الرئيس الفلسطيني. وخلال هذه الاحتجاجات تمت مواجهتهم بالغاز المسيل للدموع، الذي أطلقته قوات الأمن الفلسطينية بكامل معدات مكافحة الشغب، بينما تعرض آخرون لاعتداءات جسدية على أيدي ضباط يرتدون ملابس مدنية. كما أفادت منظمة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان بأن عدداً من الصحفيين الذين يغطون المظاهرة تعرضوا للهجوم وصودرت معداتهم.
وقال المتحدث باسم قوات الأمن الفلسطينية، العقيد طلال دويكات، إنهم تصرفوا "بطريقة إيجابية" لتجنب الاحتكاك خلال المظاهرات. وأضاف أن اللجنة الرسمية التي تحقق في ملابسات وفاة نزار بنات بدأت عملها، مضيفاً أنه "ستكون هناك شفافية تامة فيما يتعلق باللجنة. نريد أن نصل إلى الحقيقة التامة حول ما حدث".
مقتل ناقد بارز
وكان بنات قد اعتقل عدة مرات بسبب انتقاده، على وسائل التواصل الاجتماعي، لمزاعم تتعلق بالفساد والسلطوية لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس والدائرة الحاكمة المحيطة به.
وكان بنات مرشحاً رئيسياً على قائمة حزب "الكرامة" في الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية، التي كان من المقرر إجراؤها في أيار/مايو، ولكن تم تأجيلها منذ ذلك الحين.
ووفقا لأسرته، تعرض بنات للضرب المبرح والرش بالفلفل في منزله على أيدي قوات الأمن الفلسطينية أثناء اعتقاله، واقتيد في الساعات الأولى من صباح يوم 24 يونيو/حزيران في الخليل، وأعلن عن وفاته بعد ذلك.
وفي بيان صادر عن اللجنة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان، أظهرت النتائج الأولية للتشريح إصابات "تمثلها كدمات وسحجات في العديد من مناطق الجسم، بما في ذلك الرأس والرقبة والكتفين والصدر والظهر والأطراف العليا والسفلى، مع وجود علامات ملزمة على كسور المعصم والأضلاع".
وخلص البيان إلى أن النتائج الأولية تشير إلى أن "وفاة بنات غير طبيعية" - على الرغم من أنه سيكون من الضروري إجراء مزيد من الفحوصات المخبرية لتحديد السبب الرئيسي للوفاة.
ولدى إعلانه تشكيل لجنة التحقيق، قال رئيس الوزراء محمد اشتية إن المسؤولين عن وفاة بنات "سيحاسبون"، وفقا لوكالة الأنباء الوطنية - وفا. إلا أن عائلة بنات اعتبرت نتائج عمل اللجنة منحازة، وقالت إنها لن تتقبلها.
الغضب الشعبي وردود الفعل المتزايدة
وتواجه السلطة الفلسطينية انتقادات متزايدة في السنوات الأخيرة من الفلسطينيين الذين يعتبرونها فاسدة وغير فعالة واستبدادية على نحو متزايد. وقد زادتأجيل الانتخابات التي طال انتظارها للهيئة التشريعية من حدة هذا الانتقاد.
وخلال التصعيد العسكري الأخير في غزة بين حماس وإسرائيل، تم تهميش القيادة الفلسطينية في رام الله سياسياً بسبب صمتها شبه الكامل على الأحداث.
يقول المحلل السياسي الفلسطيني جهاد حرب "إن الحكومة الفلسطينية في أزمة سياسية عميقة، ولم تعد القيادة السياسية قادرة على التحدث إلى الرأي العام الفلسطيني بعد الآن"، مضيفاً أنه "لا يبدو أن لديهم إجابات حول ما يهتم به الناس. ويبدو أنهم يحمون أنفسهم ومصالحهم فقط".
وقد أثار مقتل بنات والعنف ضد المتظاهرين استياء الفلسطينيين العاديين، "كانت هناك مظاهرات لأن الناس يقدرون الحرية - من المهم الخروج والتظاهر. لكن السلطات لم تقبل ذلك"، يشرح حرب.
وأضاف "من الطبيعي أن يعبر الناس عن أنفسهم بطريقة ديمقراطية بعد ما حصل مع نزار بنات".
ويقول الفلسطيني سامر خليل، عن نزار بنات، إنه "كان ينتقد ويقول رأيه فقط". وعلى الرغم من أن بنات كان له تاريخ طويل في انتقاد الحكومة، إلا أن هذا لا يبرر سلوك السلطة، وبالتأكيد "ليس إلى حد ضربه أو قتله بوحشية".
وقد زاد العنف الممارس على المحتجين من حدة الإحباط، حيث قوبلت الاحتجاجات في مناسبات سابقة أيضا بشدة من قبل قوات الأمن، ويشرح خليل "أنه أمر محزن جدا، لا أعتقد أنه يعبر عن قيم الناس. أرى الكثير من الناس، بين الأصدقاء وزملاء العمل، الذين يشعرون بالضيق من ذلك".
ويعتقد بعض المراقبين أنه في هذه المرحلة، يمكن أن تؤدي شرارة أخرى إلى احتجاجات أوسع نطاقا مناهضة للحكومة. وقال المحلل السياسي جهاد حرب إن الناس بدأوا يدركون "أن ما حدث لنزار بنات يمكن أن يحدث لأي شخص معارض أو لديه مشاكل مع السلطة".
المجتمع الدولي يدعم عباس
لطالما انتقدت جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية السلطة الفلسطينية وقوات الأمن التابعة لها لكونها قاسية في المظاهرات، ولتزايد قمعها للمعارضة، كما انتقدوا حكم الرئيس عباس.
تشرح المحامية في مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان كاثرين أبو عمشة أن الفلسطينيين "يفتقرون وجود مجلس تشريعي له دور في سن التشريعات، وهم بحاجة إلى حكومة تتماشى مع الفصل بين السلطات".
انتخب عباس عام 2005 لولاية مدتها أربع سنوات، لكنه الآن في منصبه منذ 16 عاما.
وتنفي السلطة الفلسطينية الاتهامات بسوء معاملة الناس بسبب آرائهم السياسية أو استخدام القوة المفرطة. وبعد الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس في أيار/مايو، لا تزال السلطة الفلسطينية الشريك الرئيسي لإعادة بناء غزة، التي تحكمها حركة حماس المسلحة.
وعلى مدى العقدين الماضيين، دأب المجتمع الدولي على تقديم الدعم السياسي للسلطة الفلسطينية، التي يهيمن عليها حركة فتح التي يتزعمها عباس. كما قدمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الدعم المالي لها، ودربت قوات الأمن التابعة لها على نطاق واسع.
وخلفت وفاة بناتردود فعل دولية سريعة، ودعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى فتح تحقيق حيث قالت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الفلسطينيين إن وفاة بنات "تثير قلقا بالغا، وتسببت بمزيد من الاعتقالات ضد المحتجين".
تانيا كريمر/م.ش