ميركل وجهود الوساطة بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي
٨ نوفمبر ٢٠١٢تعتبر زيارة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى لندن حاسمة لاسيما أن الموقف البريطاني يثير توترات كبيرة في القارة العجوز وذلك بعد أن هدد البريطانيون بعرقلة قمة الميزانية القادمة. وفي أواخر تشرين الأول/أكتوبر أكد وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أثناء منتدى للسياسة الخارجية في برلين "أن خيبة أمل الرأي العام في المملكة المتحدة إزاء الاتحاد الأوروبي لم تكن مطلقا كبيرة بهذا الحجم"، محذرا في ذات الوقت من خطر اتساع الهوة داخل الاتحاد الأوروبي من خلال السعي إلى إضفاء الصبغة الأوروبية على مجالات مثل الإشراف المصرفي ومراقبة الميزانيات الوطنية كما ترغب ألمانيا. كما عبر المسؤول البريطاني عن رفض لندن لمزيد من الاندماج في أوروبا.
وقد ترجمت خيبة الأمل هذه الأسبوع الماضي بتصويت كان بمثابة صفعة لديفيد كاميرون في البرلمان البريطاني. واعتبر المشككون بالبناء الأوروبي الحلفاء للمعارضة العمالية أن اقتراحه لتجميد الميزانية الأوروبية خجول جدا وطالبوا بتخفيضها. وكل هذا من شأنه أن يزيد في تعقيد المحادثات حول ميزانية الاتحاد في قمة استثنائية في بروكسل في 22 و23 تشرين الثاني/نوفمبر، والتي سيتم فيها المصادقة على ميزانية جديدة للاتحاد الأوروبي للفترة ما بين 2014-و2020.
ولكن البريطانيون يهددون باستخدام حق النقض إن لم تكن الميزانية ترعى مصالحهم. وهذا النهج الصارم هو ما يثير الاستياء داخل الاتحاد الأوروبي ويعمق هوة الخلاف بين بريطانيا وبقية الدول الأعضاء. وفي هذا الشأن يعتبر جيل ميريت، الأمين العام في معهد الأبحاث "أصدقاء أوروبا" في بروكسل، بأن مناقشة الميزانية يزيد من التشتت وتحجر الآراء عند جميع الأطراف.
الجدل حول ميزانية الاتحاد الأوروبي
تعتبر المملكة المتحدة في الوقت الراهن بعيدة من أي وقت مضى عن الاتحاد الأوروبي وهو ما ينعكس أيضا على تحديد المواقع والمواقف في مناقشة الميزانية في بروكسل. وهو ما يمكن اعتباره أيضا مؤشرا على السياسة البريطانية المستقبلية داخل الاتحاد.
وقد كان هناك نقاش ساخن حول الميزانية الجديدة واختلاف كبير في التصورات: فالمفوضية الأوروبية تهدف إلى 1.033 بليون يورو، أي حوالي 5 في المائة أكثر من الميزانية السابقة. أما الرئاسة القبرصية فترغب بحوالي 50 مليار أقل من المفوضية، في حين تريد ألمانيا والسويد وفرنسا 100 مليار أقل من مقترح المفوضية. وماذا عن بريطانيا؟
ديفيد كاميرون يريد تجميد الميزانية، وهو ما يعني ميزانية أقل من مقترح المفوضية بأكثر من 200 مليار يورو. ولكن غالبية النواب في البرلمان البريطاني لم يكفيهم ذلك وطالبوا في تصويت بالأسبوع الماضي بتخفيض الميزانية. وبهذا يجد كاميرون نفسه تحت ضغط من أطراف مختلفة.
علاقات متوترة
وتحظى قمة الميزانية القادمة باهتمام كبير في ضوء موقف بريطانيا خاصة بعد إعلانها منتصف أكتوبر/ تشرين الأول عن الخروج من حوالي 130 برامج أوروبي للتعاون في مجال العدالة والأمن، فضلا عن النقاش الدائر حول استفتاء على البقاء في الاتحاد الأوروبي، وموقف بريطانيا من اليورو.
ماركو إنسيرتي من معهد بروكسل للأبحاث "Ceps" يحلل الوضع السياسي الراهن قائلا: "منذ وقت ليس بالطويل حاول الشركاء في الاتحاد الأوروبي الحفاظ على بريطانيا في الاتحاد بكل الوسائل ولكنهم أدركوا الآن أن ذلك لم يعد ممكنا" ويضيف "حتى الآن كان الشركاء يجدون دائما حلا وسطا، ولكن الآن باتت جميع الأطراف تشعر بالإحباط." ولهذا يجب مناقشة كل المواقف من جديد، على حد تعبير أنسيرتي.
ماركوس فيربير، نائب في البرلمان الأوروبي يقول هو الآخر أنه "على بريطانيا أن تقرر إذا ما كانت حقا تريد أن تلعب دورا بناءا في أوروبا وأن تشارك بنشاط وفعالية داخل الاتحاد أو الاكتفاء بالمشاركة فقط في السوق الموحدة." وهذا الخيار الأخير لا يحتاج إلى عضوية في الاتحاد الأوروبي. أما غي فيرهوفستات، رئيس الوزراء السابق البلجيكي ورئيس المجموعة الليبرالية في البرلمان الأوروبي فله أيضا وجهة نظر مماثلة فهو يرى أن "هناك "مشكلة أساسية" مع بريطانيا في الاتحاد الأوروبي "فهم يريدون أن يضلوا داخل الاتحاد الأوروبي ولكن دون المشاركة في أي إستراتيجية". ويضيف: "إنه من الصعب أن تكون عضوا في النادي دون أن تلعب لعبة النادي". ولهذا يرى تشارلز جيل، الأمين العام لـ "أصدقاء أوروبا" إمكانية احتمال خروج المملكة المتحدة في السنوات الخمس القادمة من الاتحاد الأوروبي أمر وارد، وذلك بنسبة 50 في المائة.
دعوة إلى التوافق بدل تبادل الاتهامات
فابريزيو فيوريلي، المتحدث باسم مفوض ميزانية الاتحاد الأوروبي يانوش ليفاندوفسكي يحذر من تهميش بريطانيا. فمن حق كل دولة، على حد تعبيره، استخدام حق النقض في المفاوضات، والبريطانيون ليسوا هم الوحيدون الذين عبروا عن مطالب خاصة في المفاوضات القادمة: فالدنمرك هي الأخرى أعلنت عن معارضة الميزانية إذا لم تحصل على تخفيض في مشاركتها المادية. وفرنسا لن تقبل بأية تخفيضات أخرى في القطاع الزراعي. ولهذا يتوقع فيوريلي أن تكون المفاوضات صعبة للغاية. ولكن هذا لم يكن مفاجئا، على حد قوله، خاصة وأن المفاوضات حول الميزانية سيكون لها أثر كبير على جميع المجالات في الاتحاد الأوروبي ومن شأنها إعطاء رؤية مستقبلية جديدة لهذا الكيان.
وإذا لم يتم الاتفاق على ميزانية جديدة حتى نهاية عام 2013 فستبقى الميزانية القديمة سارية المفعول، مما يتنافى مع رغبات جميع الأطراف. فيوريلي ينظر إلى ذلك بتفاؤل: "عندها سيدرك الجميع أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق حول الميزانية الجديدة، فسيكون لذلك ضرر على الجميع".
زيارة المستشارة الألمانية إلى لندن من شأنها أن تعيد الأمور إلى نصابها وتحذير بريطانيا من مخاطر الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي والتوصل إلى حل وسط. و تبقى اللهجة في برلين أكثر تسامحا، حيث قال المتحدث باسم المستشارة في نهاية الأسبوع الماضي:" بريطانيا عضو في الاتحاد الأوروبي ويحمل إليها شيئا ثمينا". وتحرص ألمانيا على إبقاء الأسرة الأوروبية موحدة.