ميركل: ألمانيا بلد قوي قادر على احتضان اللاجئين
٣١ ديسمبر ٢٠١٥المواطناتُ العزيزات والمواطنون الأعزاء،
قبل عام، في ليلة رأس السنة ألفين وأربعة عَشَر، ودعنا سنة شهدت الكثير من الحروب والأزمات. البعض منها مثلُ كارثةِ انتشار وباء الإيبولا في أفريقيا لم يعد يتصدر العناوين. لكن أزمات أخرى شغلتنا في عام ألفين وأربعة عشر، لم تفقد أهميتها حتى في هذا العام، للأسف. ومنها الحرب في سوريا وجرائم القتل البشعة، التي يرتكبها تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي.
في ليلة رأس السنة قبل عام قلت إن تداعيات هذه الحروب والأزمات ستسفر عن موجات لاجئين في العالم لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية. كثير من هؤلاء اللاجئين نجوا من الموت وفروا بحياتهم، ومن البديهي أن نساعد ونستقبل من يبحث عن ملاذ لدينا.
ومساء اليوم أكرر هذا النهج، لأننا نادرا ما واجهنا تحديات كبيرة ترجمنا فيها أقوالنا إلى أفعال مثلما حدث في عام ألفين وخمسة عشر. لهذا السبب أحب أن أتوجه لكم اليوم بمناسبة رأس السنة بكلمة هي: شكراً.
شكراً، على هذه الموجة العارمة والمؤثرة من العمل التطوعي التلقائي، الذي شهدناه هذا العام من أجل استقبال أناس كثيرين غامروا بحياتهم بحثاً عن ملاذ لدينا.
أتوجه بالشكر للأعداد التي لا تحصى ولا تعد من المتطوعين، على دفء قلوبهم وتفانيهم في تقديم المساعدة التي ستظل مرتبطة بذكر عام ألفين وخمسة عشر.
وأشكر جميع من قام بعمله. أشكر جميع أفراد الشرطة والجنود على خدماتهم. أشكر موظفي السلطات في الدولة وفي الولايات والبلديات. هؤلاء جميعا يعملون بشكل يفوق بكثير حدود واجبهم. الجميع سواء المتطوعون أو المسؤولون، تعاونوا سوية على تقديم إنجاز رائع ولا يزالون على هذا الأداء حتى اللحظة.
رغم ذلك ليس هناك أي شك في أن تدفق هذه الأعداد الهائلة من اللاجئين إلينا سيتطلب منا المزيد، وأنه سيكلفنا الوقت والجَهد والمال، مع استمرار مهمتنا في إدماج الأشخاص الذين سيظلون هنا معنا.
وفي هذا الصدد علينا أن نتعلم من أخطاء الماضي، وأن نحافظ على قيمنا وتقاليدنا ومفهومنا للقانون. لغتنا وقوانيننا وقواعدنا تحمي مجتمعنا، وتمثل الأساس للتعايش الجيد، القائم على الاحترام المتبادل بين الجميع في بلدنا. وهذا يسري على كل من يريد العيش هنا. فكم من دولة استفادت من الهجرة الناجحة إليها سواء اقتصاديا أو اجتماعيا.
أيضا ليس هناك أي شك في أن بلدنا نجح بامتياز في مواجهة تحديات عظيمة زادته قوة. في الثالث من أكتوبر الماضي احتفلنا بمرور خمسة وعشرين عاما على إعادة توحيد ألمانيا. أليس ما حققناه في هذه الأعوام الخمسة والعشرين أمراً رائعا؟
لقد التأمنا ونمونا كأمة واحدة، ولدينا أقل معدل بطالة وأعلى معدلات لأعداد العاملين في ألمانيا الموحدة. ونجحت الدولة على مدى عامين متتالين في تجنب أية مديونية جديدة في الميزانية، كما ارتفعت الأجور في ظل تميز اقتصادنا بالثبات والابتكار.
وأنا على قناعة بأننا على المسار الصحيح لإنجاز المهمة الكبيرة في استيعاب اللاجئين ومنح كثير من الناس فرصة للمستقبل، وذلك لأن لدينا مشاركة وطنية رائعة ومنظومة شاملة من الإجراءات السياسية.
نحن نعمل في الداخل وعلى مستوى أوروبا والعالم من أجل تحسين حماية الحدود الخارجية لأوروبا وتحويل الهجرة غير القانونية إلى هجرة مشروعة، وذلك من خلال محاربة أسباب اللجوء، لكي تنخفض أعداد اللاجئين بشكل مستمر وعلى المدى الطويل.
وأيضا في محاربة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية ساهمت ألمانيا بقسط مهم. والآن تدافع جندياتنا وجنودنا عن قيمنا وأمننا وحريتنا بالجسد والروح. وأنا أتوجه لهن ولهم بالشكر من كل قلبي.
وفي العام المقبل أيضا سيكون نجاحنا مرهوناً بشيء مهم ألا وهو تكاتفنا. سيتوقف نجاحنا على إنصاتنا لآراء الآخرين، حتى وإن كانت نظرتهم للمشاكل والفرص مختلفةً عما نتصوره نحن.
علينا أيضا ألا نسمح لأمر أن يقسمنا، لا بين الأجيال أو اجتماعيا أو بين المواطنين القدامى والجدد.
نجاحنا مرهون أيضا بعدم إتباع أولئك، الذين يَدَّعون ببرودة قلب أو حتى كراهية أنهم وحدهم الألمان، أولئك الذين يسعون إلى إقصاء الآخرين.
نجاحنا سيتوقف كذلك على أن نظل في المستقبل دولة نستطيع العيش فيها بثقة وحرية وإنسانية وبانفتاح على العالم وبفرحة بالنجاح، وبسعادة عندما نبذل أفضل ما لدينا.
الاقتصاد والعاملون وأرباب العمل عناصر أساسية من أجل تطوير الاقتصاد الحر الاجتماعي، وكذلك مجالات العلومِ والفنون والثقافة، أي أداء كل شخص في موقعه.
وبطبيعة الحال في الرياضة، عندما يخوض رياضيونا العام المقبل دورة الألعاب الأوليمبية والألعاب البارالمبية للفوز بميداليات وتقديم أفضل أداء. وهذا يسري أيضا على منتخبنا، بطل العالم لكرة القدم، والذي يسعى إلى الفوز في فرنسا ببطولة أوروبا.
المواطناتُ العزيزات والمواطنون الأعزاء،
صحيح أننا نشهد زمنا مليئا بالتحديات، لكن من الصحيح أيضا أننا سننجح لأن ألمانيا دولة قوية.
وبهذه الروح أتمنى لنا جميعا الصحة والقوة والتفاؤل، وليبارككم الرب في عامكم الجديد ألفين وستة عشر.
(DW)