صور من عام 2015 ستبقى في الذاكرة
٣٠ ديسمبر ٢٠١٥نادرا ما شهدت اجتماعات هيئة التحرير لوسائل الإعلام نقاشا حادا حول صورة ما، كما جرى في الثاني والثالث من أيلول/ سبتمبر الماضي. لم ينحصر النقاش في مؤسسة DWالإعلامية وحدها، بل في الكثير من وسائل الإعلام الألمانية. وفي نهاية تلك النقاشات بات كل العالم يعرف الطفل الصغير، آلان الكردي، الذي لقي مصرعه غرقا عند عبوره البحر للوصول إلى جزيرة كوس اليونانية ، حيث قذفت به الأمواج على الساحل التركي.
صورة أثارت المشاعر
في حينها، قيل إن موت الطفل آلان تشكل وصمة عار، وأن على أوروبا أن تخجل من نفسها، كما قيل إن موت آلان هي دعوة صارخة لأوروبا كي تعود إلى قيمها الإنسانية. هكذا كانت تعليقات الصحف والأعمدة الأساسية فيها، كما ذيلت هذه المضامين بصورة كبيرة للطفل الميت على الشاطئ.
تلك المشاعر الفياضة لكبار المحررين لم تدم سوى لفترة وجيزة، حيث لم يتم الاستجابة لدعوات إيقاظ الضمير. فلو تم ذلك فعلا، لوجب على الاتحاد الأوروبي أن يرسل السفن والعبارات البحرية إلى موانئ تركيا وإلى ليبيا لنقل اللاجئين دون مخاطر تهديد حياتهم، ودون دفع أموال طائلة لمهربي البشر كي يصلوا شاطئ الأمان في أوروبا، كما يطالب بذلك منذ سنوات عديدة منظمات حقوق الإنسان وصحافيون كثيرون. لكن لم يكن هناك م سياسي يمتلك الشجاعة الكافية ليقوم بخطوة من هذا النوع. والسبب هوأن السياسيين يعرفون جيدا، ما يتعلموه طلاب علوم الاقتصاد وهو أن تقديم كل عرض من هذا النوع يزيد الطلب عليه. بعبارة أخرى، لو تم ذلك لتحولت الموانئ التي ترسي فيها سفن أوروبية لنقل اللاجئين إلى مكان لتجمع متزايد للراغبين في الهجرة إلى أوروبا.
غياب التأثير المستديم
إذن الصورة التي أثارت المشاعر يوم التقاطها واعتبرت يومها بأنها صورة العام لم تترك أثارا مستديمة، باستثناء أنها أثارت جدلا حول أخلاقيات العمل الصحافي المرتبطة بالصورة.
لكن الصورة المؤثرة الأخرى التي اعتبرتها منظمة اليونسيف قبل أيام بأنها صورة العام هي التي تظهر كيف أن يقوم رجال شرطة أوروبية بزرع الرعب والخوف في نفوس لاجئين ويتسببون في زيادة معاناتهم. إنها صور من الصيف الماضي والتي خاطبت ضمائر مواطني دول شمال أوروبا المترفهين أكثر من صور الموتى في البحر. كما كان الخجل المنطلق من صور اللاجئين على الحدود ومحطات القطارات في جنوب أوروبا كبيرا جدا.
من جانبها لم توضح المستشارة أنغلا ميركل لحد اليوم السبب الذي جعلها تفتح أبواب ألمانيا أمام سيل اللاجئين القادمين بقطارات غاصة عن آخرها من بودابست إلى ميونيخ. وربما ستكشف لنا سر ذلك يوما ما في مذاكراتها الشخصية. ولكن هناك صور مثل تلك التي نشرتها منظمة اليونسيف إلى جانب الكثير من المشاهد التلفزيونية التي نقلتها القنوات المختلفة من المجر وصربيا ومقدونيا، حث قد تكون قد لعبت دورا كبيرا في ذلك فأثرت في المستشارة ميركل لتخطو تلك الخطوة التاريخية. كما كانت تلك الصور دافعا أساسيا وراء اندفاع الكثير من الناس في ميونيخ ومدن كثيرة في ولاية بفاريا للتوجه لمحطات القطار وتقديم المساعدة للوافدين الجدد واستقبالهم بحفاوة كريمة.
صورة ثقافة الترحيب باللاجئين
أنظروا! ألمانيا منفتحة ورحيمة وتختلف كثيرا عن بقية الدول التي قمتم بعبورها حتى الآن. إنه مضمون الرسالة التي عبرت عنها الصور التي وثقتها عدسات الكاميرات للمواطنين الألمان الذي استقبلوا اللاجئين في ميونيخ. ونفس الشيء يقال عن صور "السيلفي" التي التقطها لاجئون سوريون مع المستشارة ميركل أثناء زيارتها لمركز إيواء اللاجئين في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الماضي.
وأصبحت هذه الصورة ترمز لألمانيا في عام 2015 من خلال محورين: الأول يخص نظرة النخبة السياسية الألمانية لنفسها ولسان حالها يقول:" نحن خيرون، نقدم العون وقطعنا مع الماضي الألماني الأسود". أما المحور الثاني فيخص نظرة الجوار الأوروبي للاجئين ولسان حالهم يقول" أنتم الألمان دعوتم اللاجئين إليكم، فاستقبلوهم إذن واتركونا وشأننا". وبدا واضحا أن الكثير من الدوائر الحكوماتية لدول الاتحاد الأوروبي أخذت تتحدث عن "مشكلة ألمانية" عندما يجري الحديث عن أزمة اللاجئين في أوروبا. ومما لاشك فيه هو أن صور عام 2015 سترافقنا في عام 2016 ، بتأثيراتها وتطورات أحداثها، وهذا ما سيجعلها الصور المميزة لهذا العام.