--
٢٧ نوفمبر ٢٠٠٩أسرار الدولة ووثائق الشركات السرية تحمل أختاماً تحجبها عن الرأي العام، لأنها غالباً ما تكون غير قانونية أو غير أخلاقية، ومن يجازف بإيصالها إلى الصحافة يعرض نفسه إلى العقوبة. وقد دفعت مثل هذه الأوضاع مجموعة من المتطوعين إلى البحث عن وسيلة للكشف عن هذه الممارسات وإطلاع الرأي العام عليها. ومن هنا كانت فكرة تأسيس موقع يكيلياكس الإلكتروني، حيث تنشر فيه وثائق سرية دون ذكر اسم المرسل. وبهذا فتح الباب أمام نشر وثائق تنبه إلى ممارسات غير قانونية دون التعرض إلى خطر الملاحقة. وينشر الموقع وثائق بأكثر من 50 لغة من بين اللغة العربية. ومن بين الوثائق المنشورة بالعربية واحدة تتعلق باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
نتائج إيجابية
وعلى سبيل المثال عندما جرت الانتخابات الرئاسية في كينيا في عام 2002 كان الشعب قد ضاق ذرعاً بالحكومة وبالفساد المنتشر في كل مكان ، فانتخب الرئيس كيباكي . وقام الرئيس الجديد بتعيين الصحفي جون جيتونغ في منصب المفتش الأعلى لمكافحة الفساد، لكن بعد فترة من وجوده في صفوف الحكومة لاحظ جيتونغ أن الحكومة الجديدة فاسدة تماماً مثل القديمة، فبحث في خبايا الأمور، وتحدث بشكل متخف مع مسؤولين ووزراء، وجمع أدلة على ممارستهم الفساد. وبعد ذلك داهمه خوف على حياته، فهرب إلى بريطانيا، ونشر المعلومات التي حصل عليها في موقع يكيلياكس. وقد أثر نشر هذه المعلومات بشكل قوي على الانتخابات الرئاسية في عام 2007، كما يقول دانيل شميد الذي يهتم بصفحة الموقع في ألمانيا. "هناك اعتقاد بأن هذا التقرير أثر على نحو 15 بالمائة من الأصوات، فقد جرى الحديث عنه في كل نشرات الأخبار وكل شخص في كينيا أخذ علماً به".
من ينشر في يكيلياكس؟
يكيلياكس منبر الكتروني مفتوح للجميع و بإمكان أي شخص أن ينشر فيه وثائق بالغة الأهمية، لكن شريطة أن تكون أصلية. ويعمل في هذا المشروع حالياً 1200من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم، جمعتهم الإرادة على مكافحة الفساد والسلوكيات غير القانونية للحكومات والشركات. وتقع هذه المهمة من حيث الأساس على عاتق وسائل الإعلام، لكن عدداً كبيراً من مراكز التحرير الإعلامية تفتقر إلى المال اللازم للقيام بتقصي الحقائق والتحقق من صحة الأنباء.
ويذكر دانيل شميد سبباً آخر "الصحافة التي تتقصى الحقائق تتعرض إلى خطر قوي، لهذا يزداد عدد التقارير الإخبارية السطحية والبرامج الترفيهية الرخيصة" ويشير دانيل شميد إلى أن هذه الأمور تحول الأنظار عن الأمور المهمة، وأن موقع يكيلياكس بات يوفر أمام الصحفيين مصدراً جديداً معتدل النفقات للحصول على مواد بالغة الأهمية. كما أنه تقديم خدمة كبيرة للمواطن "من خلال تزويده بمعلومات عن وجود فساد ما وأن شيئاً غير أخلاقي ومرفوض " كما يقول شميد. ومن أجل التأكد من صحة الوثيقة المرسلة للنشر طور القائمون على رعاية موقع يكيلياكس عدة آليات. إذ يقوم مختصون في المعلوماتية بفحص أصالة الوثيقة بواسطة عدة تجارب، للتأكد مما إذا كانت مزورة ثم تعرض الوثيقة على خبراء ذوي اطلاع على الموضوع. ومع ذلك تظهر شكوك في التمكن فعلاً من التأكد بشكل مطلق من أصالة الوثيقة السرية المعروضة للنشر.
شكوك وهواجس
ومن بين المتشككين الصحفي هانس لاينديكر المختص بتقصي الحقائق لدى صحيفة زود دويتشة تسايتونغ الألمانية، فحسب رأيه "لا يجوز تعليق آمال كبيرة على موقع يكيلياكس، لأن ما ينشر فيه عن موضوع ما يبقى محدودا، وليس من المؤكد ما إذا كان يساعد فعلاً على التقدم في بحث الموضوع." ثم يذكر صعوبة التحقق مما هو أصلي ومزور" .ومع ذلك يجد موقع يكيلياكس الإلكتروني إقبالاً متزايدا، فعلى صفحاته يوجد الآن أكثر من مليون وثيقة وعدد الذين ينشرون وثائق سرية يزداد أيضاً، لأن من يرسل مثل هذه الوثائق والمعلومات يبقى مجهول الهوية.
خدمة جديدة حيث تنعدم حرية الصحافة
وفي هذه الأثناء يقدم موقع يكيلياكس خدمة جديدة إلى شعوب البلدان التي تنعدم فيها حرية الصحافة، فقبل ظهور الوثيقة المرسلة فوق صفحة الموقع يرسلها المشرفون على هذه المهمة عبر الكومبيوتر الى بلدان تقمع حرية الصحافة. وفي حال رفع شكوى قضائية ضد موقع يكيلياكس، يستعان بقوانين الصحافة في السويد والولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال رفعت منظمة الساينتولوجي وبنك Julius Bär والحكومة الإيرانية شكاوى قضائية ضد يكيلياكس لكن دون نجاح. ويبقى معظم العاملين في موقع يكيلياكس مجهولي الهوية كيلا يتعرضوا إلى خطر الملاحقة.
وفي الحقيقة المشرف على صفحة الموقع في ألمانيا دانيل شميد يحمل اسماً مستعاراً، وهو الشخص الوحيد الذي يتحدث في ألمانيا علناً، فمن يكشف الستار عن فضائح سياسية يعرض حياته إلى الخطر، ويذكر شميد حادثة مقتل اثنين من العاملين في موقع يكيلياكس في كينيا ويقول "إنني قررت منذ تلك اللحظة عدم نشر اسمي الحقيقي". وفي الوقت الذي يعًرض العاملون في موقع يكيلياكس أنفسهم إلى الخطر فتحوا أمام المعارضين والمنشقين في بلدان تنعدم فيها حرية الصحافة مجالاً واسعاً لإيصال مواد حساسة وحرجة إلى الرأي العام دون المخاطرة بحياتهم. وكما يقول شميد "لم أشعر قبلاً في حياتي بمثل هذا الارتياح الذي يعتريني اليوم، فعندما أستيقظ صباحاً أعلم أنني سأنجز شيئاً يساعد شخصاً ما في هذا العالم".
الكاتب مانفريد غوتسكه/منى صالح
مراجعة: هشام العدم