موسوعة الإنترنت "ويكيبيديا" بين إثراء العمل الصحفي وإفساده
٢٦ سبتمبر ٢٠١١الاعتماد على الموسوعة الإلكترونية المجانية "ويكيبيديا" كمصدر أولي للمعلومات أصبح بالنسبة للكاتب والناقد اللبناني بيار أبي صعب شيئاً تلقائياً أثناء تحرير مقالات الأقسام الثقافية والمنوعات. لكنه يؤكد أنه يبقى المصدر الأول ولا يجب أبداً أن يصبح المصدر الوحيد، إذ يشدد على أن الصحافي الجاد يجب أن يعتمد على مصدرين أو ثلاثة على الأقل. ويضيف أن مشروع "ويكيبيديا" يعد مشروعاً غنياً وذكياً ومفيداً في عصر تراكم المعلومات، إلا أن يشير إلى أن الصحافي أو الباحث أو القارئ العادي يجب أن يدقق في المصادر دائماً، خاصة في موسوعة مثل "ويكيبيديا" يشارك الجميع في كتابتها. ويشير في هذا السياق إلى أن هناك فضائح كثيرة لكتاب اعتمدوا على "ويكيبيديا" فوقعوا في أخطاء فادحة.
أما المدون المصري طارق، فيعتبر "ويكيبيديا" جزءاً من منظومة المحتوى الذي يكتبه الشخص بنفسه، مثلها في ذلك مثل المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. وبالتالي فهو يتعامل مع المعلومات التي تحويها مثلما يتعامل مع المدونات، ويرى أنها تشكل المستقبل. ويضيف: "لو تعاملنا مع ويكيبيديا من هذا المنطلق، فسيمكننا التعامل معها بشكل جيد، والصحافة تسير في هذا الاتجاه: أي أن كثيراً من المحتوى هو محتوى يخرجه القارئ نفسه وليس الكاتب. بالتأكيد يجب توثيق هذه المعلومات، لكنني ضد توجه بعض وسائل الإعلام لمنع اقتباس ويكيبيديا وتجاهل معلوماتها".
التدقيق في المصادر أساس العمل الصحفي
ويوضح الصحافي التونسي توفيق أنه يتعامل مع معلومات "ويكيبيديا" كمادة خام وليس كمادة جاهزة للاستخدام، مضيفاً أن الصحافة ليست فقط إخبارية، وأن أغلب الأشكال الصحفية لا يمكن فيها الاعتماد على "ويكيبيديا"، مثل "النقد والريبورتاج والتحليلات السياسية". لكنه يشير إلى أن موسوعة "ويكيبيديا" تفيد بشكل أكبر في عملية البحث عن معلومات جغرافية أو تاريخية أو علمية، خاصة "وأن هذه المجالات من الصعب تزوير معلوماتها". لكنه يستدرك بأن "حتى هذه المجالات بها مجال كبير للمغالطة، لأن مناصري شخص أو حركة ما قد يتغاضوا عن عيوبها ويتلاعبون بدقة المعلومات. وهناك شخصيات تاريخية لا تدرج صفاتها السلبية أو العكس"، ولذلك فالحرص واجب.
هذه النقطة تدفع الصحافية الألمانية كارين شيدلر إلى التدقيق في المصادر المذكورة في مقالات "ويكيبيديا"، سواء عن طريق زيارة المواقع المذكورة أو على الأقل تقييم ما إذا كانت مصادر جادة أو لا، وإن لم تكن هناك مصادر، فهي تتجاهل تلك المعلومات تماماً. وتقول شيدلر إنها تعتمد على هذه الموسوعة الحرة في البحث الأولي، مضيفة أنه يمكنها "عبر ويكيبيديا مثلاً أن أجد اقتراحات لأشخاص متخصصين في مجال ما، ويمكنني أن أجري مقابلة معهم. كما يمكنني جمع المعلومات عنهم قبل القيام بالمقابلة". لكنها تشدد على أن نقل المعلومات سواء من "ويكيبيديا" أو من غيرها لا يمت للعمل الصحفي بصلة. أما الصحافية المغربية عفاف، فتشير إلى أن المعلومات في "ويكيبيديا" متاحة للجميع، بينما ينتظر القراء من الصحافي معلومة جديدة.
"ويكيبيديا قد تحسن المستوى الصحفي"
ولا يختلف رأي هؤلاء الصحفيين عن رأي جيمي ويلز، أحد مؤسسي تلك الموسوعة. لكنه من ناحية أخرى يرى أن اعتماد الصحافيين على "ويكيبيديا" قد يجعل المستوى الإعلامي أفضل، موضحاً أنه "من الرائع أن يستخدم الصحافيون ويكيبيديا ليتعلموا طرح أسئلة أفضل. فوجود تلك الموسوعة يجعلهم يتوقعون أن يون جمهورهم أكثر اطلاعاً، ما يدفعهم ليكونون أكثر تدقيقاً".
ويرى أبي صعب في هذه النقطة أساس العمل الصحفي، مشيراً إلى أنه ينطلق دائماً من فرضية أن القارئ يعرف أكثر منه. ويضيف الناقد اللبناني "أنا كصفحي لست سلطة معرفية، بل أنا أبذل جهداً بحثياً وميدانياً كي أقدم مادة لقارئ يعرف أكثر مني كثيراً. وويكيبيديا تعد تحدياً لأنها تصنع نوعاً من ديمقراطية المعرفة، وديمقراطية المعرفة بها فخ: من وضع المعلومة ولماذا؟". ويوضح أبي صعب أنه قد يكون هناك محاولات لتشويه حقائق ما لخدمة أهداف سياسية، كما يحدث أحياناً مع المواقع والشخصيات المرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي، معتبراً في هذا السياق أن "المقاربة النقدية مفروضة أساساً على أي شخص يقرأ جريدة أو كتاباً، فكم بالأحرى مع موسوعة ديمقراطية يشارك الجميع في تحريرها؟".
عصر الديمقراطية المعلوماتية
هذه الديمقراطية المعلوماتية هي أكثر ما يجذب كارين شيدلر إلى تلك المعلومة، فهي ترى أن هذه الموسوعة المجانية المتاحة للجميع تقدم شكلاً جديداً من أشكال التعامل مع العلوم المختلفة، وتوضح أن "العدد الكبير الذي يشارك في كتابة الموضوعات يجعلها بالضرورة أكثر موضوعية، لأن لكل منهم وجهة نظره ومستواه التعليمي وموقعه، على عكس الموسوعات الأخرى التي تقتصر كتابتها على شخص واحد أو مجموعة صغيرة من العلماء". وتضيف شيدلر أن هذه الموسوعة المجانية متاحة للجميع، ليس فقط للقراءة، لكن أيضاً للكتابة، ما يجعل التعبير والكتابة أمراً متاحاً للجميع وأكثر ديمقراطية. وتشير إلى أنها ليست من "كتاب ويكيبيديا الدائمين"، لكنها عادة ما تصوب الأخطاء التي تراها على صفحة ما في الموسوعة أو تكمل بعض المعلومات المنقوصة.
من ناحية أخرى يؤكد المدون المصري طارق أن "ويكيبيديا" تتميز فيما يتعلق بموضوع لا يعرف عنه الكثيرون، إذ يمكن من خلال "ويكيبيديا" معرفة الكثير عنه، أو على الأقل معرفة أن مثل هذا العلم موجود أساساً. ويشير في هذا السياق إلى أن "ويكيبيديا" عادت بفائدة كبيرة أثناء الثورة المصرية، حيث قام الشباب بالبحث عن تاريخ الثورات الأخرى في العالم، وتعلموا كيف تمت أو كيف جرت الأمور في أوكرانيا، مثلاً، أو انتفاضة النقابات العمالية في بولندا. ويرى طارق أن هذه المعلومات ساهمت في تشكيل وعي الشباب ومثلت البوابة التي يبدأ منها المدونون بحثهم ويكملونه بطرق أخرى.
ويوافقه الرأي الصحافي التونسي توفيق، الذي يرى أن هذه الموسوعة المفتوحة في التاريخ والجغرافيا وكافة العلوم تقدم زاداً معرفياً جديداً، وتغني الباحث عن البحث في اتجاهات أخرى وتسهل عمله عن طريق إعطائه نقاط ارتكاز يكمل من خلالها بحثه. ويوضح أن التاريخ المفصل لحدث ما قد يغيب عن الكاتب، وتسهل له "ويكيبيديا" إيجاد هذه المعلومة للتدليل على هذا الحدث.
سمر كرم
مراجعة: ياسر أبو معيلق