موريتانيا: من المسؤول عن تدنيس المقدسات وإثارة الاحتجاجات؟
١٠ مارس ٢٠١٤شهدت موريتانيا طيلة شهر شباط / فبراير موجة مظاهرات على يد جماعة أحباب الرسول للمطالبة بمحاكمة شاب كتب مقالا وصف بأنه مسيء للنبي محمد. لكن موجة المظاهرات بلغت ذروتها يوم الاثنين (03 مارس / آذار) احتجاجا على تدنيس بعض المصاحف بأحد مساجد نواكشوط، مما أسفر عن سقوط شاب عشريني في صفوف المتظاهرين على يد قوات الامن التي قامت بموجة اعتقالات في صفوف بعض الناشطين. في حين عمدت السلطات إلى إغلاق جمعية المستقبل التي تمولها جماعة الاخوان المسلمين، بتهمة تورط الاخيرة في التحريض على العنف. ولإلقاء الضوء على هذه التطورات التي تشهدها موريتانيا، أجرى مراسل DW عربية في نواكشوط حوارا مع الباحثة الاجتماعية د. نجوى منت الكتاب، أستاذة علم الاجتماع بجامعة نواكشوط.
DW عربية: ما هي بالنسبة لك الخلفية العامة لهذا الحراك؟
د. نجوى منت الكتاب: بما أن هذه أول مرة تشهد فيها موريتانيا حدثا يتعلق بتدنيس المقدسات الدينية في مجتمع يتحكم الدين في كل مفاصل حياته، فإن الأمر يدفع إلى التفكير في وجود عوامل خارجية تقف وراء الفاعلين، نظرا لصعوبة تقبل أن يكون الأمر نابعا من هذا المجتمع. لأن من ينتمى إلى الثقافة الاسلامية الموريتانية لا يمكنه أن يعمد إلى تدنيس أي مقدس وخاصة المصحف الشريف. لكن من وجهة نظر واقعية يمكننى الحديث عن كون هذا الفعل يعكس التتابع المنطقي لسلسلة الأحداث التي بدأت بتدنيس كتب المذهب المالكي وكتابة أحد الشباب قبل شهر لمقال وصف بالمسيئ للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأخيرا حادثة تمزيق المصاحف.
وكيف تفسرين حدوث وقائع مشابهة سابقا كالمقال المسيء وحرق كتب المذهب المالكي؟
هذا يعكس وجود مشكلة قائمة في موريتانيا، مثل الوضع الاجتماعي الذي أصبح مضطربا بفعل شعور بعض الفئات الاجتماعية بالتهميش وتململها ضد وضعها السابق، فضلا عن موجة الربيع العربي التي كسرت حاجز الخوف وسمحت للناس بالتظاهر ضد الحكم. لكن الخطير في الأمر أن موجة التململ والاستياء الشعبي بدأت تصل إلى تدنيس المقدس الدينيى الذي هو مرجعية وخلفية الجميع على اختلاف فئاتهم. ولذا فإنه يجب على النظام الحالي وعقلاء المجتمع أن يحذروا تجاه ردود الفعل غير المحسوبة، لأنه عندما تقترب الموجة من حافة الدين فساعتها لن يعود هنالك أي محظور، وهذا يؤشر على احتمال حدوث انفلات غير محسوب العواقب. إذن فالمطلوب من القائمين على الشأن العام رسميين وغير رسميين قبل الوصول لتلك المرحلة، أن يسعوا بأساليب هادئة لفهم ما يحدث الآن كي نتفادى ما حدث في دول أخرى. يجب البحث عن الفاعلين والتحقيق معم ومن ثم معاقبتهم، لأن الأمر إذا ترك بيد المتظاهرين ضاعت الحقيقة وغلبت العاطفة .
لكن برأيك من هو المستفيد من قضية إثارة العامة ودفعها باتجاه الفوضى؟
من المؤكد أن المستفيد ليس المتظاهرين الذين خرجوا دفاعا عن قدسية الدين وحرمته، بل يمكن الحديث عن مجموعات سياسية معارضة للنظام الحاكم تسعى لإظهار عجزه عن حماية المقدسات الدينية، وربما تنظيمات وجمعيات أجنبية لها أجندتها الخاصة مثل الامبريالية العالمية أو الحركة الماسونية العالمية أو النظام العالمي الجديد. وهي جهات تحاول التغلغل في المجتمعات الضعيفة معتمدة على مختلف الأساليب، ومن الصعوبة بمكان الحديث عن ما تبحث عنه تلك الجهات بشكل محدد.
بخصوص الحراك الأخير، هل هو اجتماعي أم دينيى؟
يجب أن ندرك أنه لا يوجد أي تحرك مهما كان طابعه الديني أو السياسي ولا يمكن الحديث عنه، دون الحديث عن الطابع الاجتماعي، لأن العامل الاجتماعي مرتبط بكل شيء. وخصوصية المجتمع الموريتاني تتمثل في أن الاسلام يحيط بكل العوامل الأخرى. ولذا فنحن عندما نتحدث عن الدين هنا فإننا نتحدث حتما عن الجانب الاجتماعي، لأنه هو الهوية المميزة للموريتانيين. وبالتالي فهم على استعداد للقيام بكل أنواع العنف من أجل الدفاع عن ما يعتبرونه ديني. وهذا يفسر لنا اندفاع أمواج العامة ضد أي حادثة لها علاقة بالدين بحجة حماية المقدس من الغزو الغربي ومخاطر العولمة والتغريب، حتى دون تحري الحقيقة.
وهل ترين أن ما يجري حاليا من توترات مجرد موجة عابرة أم حالة متواصلة؟
أعتقد أن هذه الحالة ستتواصل إذا لم تلجأ الدولة إلى لحلول الملائمة، بدءا بتشخيص المشكلة كي تتوصل إلى الاجابة على السؤال التالي: لماذا وصلنا إلى درجة المساس بالمقدسات الدينية؟
وإذا لم يكن باستطاعة السلطة القائمة الإجابة على هذا التسؤال، فإن المعارضة السياسية بدورها عاجزة عن الإجابة، لكونها لم تقدم للمواطن حتى الآن أي موقف واضح يمكنه أن يعول عليه، وذلك من خلال تلون مواقفها باستمرار، فلاهي دعمت النظام بشكل صريح ولم تقف في صف الشعب كذلك. ولهذا أصبح المواطن الباحث عن سند، مرتبكا أمام مشهد سياسي ملتبس. حيث يصعب العثور على أحزاب يمين أو يسار في وقت يتداخل فيه كل ذلك مع الدين .
عمدت الحكومة بعد الاحتجاجات الأخيرة، إلى إغلاق بعض الجمعيات الخيرية المحسوبة على الاسلاميين،هل يؤشر ذلك لبداية صراع مع تيار الاخوان؟
أعتقد ان المواجهة مع الاخوان المسلمين الذين حصلوا على مكاسب سياسية وتمثيل برلماني معتبر عن طريق العملية الديمقراطية، يطرح مشكلة لأنه من غير المقبول انتزاع حق تم الحصول عليه بطريق شرعي وأصحابه منظمين في كيان سياسي مشروع ويعملون في العلن. لكن يجب في المقابل على التيارات الاسلامية ألا تستخدم الديمقراطية كمطية لتحقيق أجندات تتنافي مع مبادئ الديمقراطية، كما ينبغي عليها عدم احتكار تمثيل الدين والتوقف عن استخدامه لتأجيج الشارع ضد خصومهم السياسيين في النظام، لأن الضحية في النهاية هو الشعب.
وإذا استمرت المواجهة بين النظام والاخوان هل ستعيش موريتانيا التجربة المصرية الراهنة؟
يصعب الحديث بشكل حاسم حول هذا الموضوع، لأننا لما نصل بعد إلى تلك الدرجة من التوتر، والأمر في النهاية يتعلق بطبيعة رد فعل التيار الاسلامي على ما حدث. هل سيتجه نحو التصعيد أم سيختار طريق المهادنة؟ وأعتقد أنه يجب علينا في موريتانيا أن نسوى مشاكلنا الداخلية قبل إعطائها صبغة دولية على غرار ما تعيشه دول أخرى لديها تجاربها المختلفة.