"مهنتي، مستقبلي" حملة تفتح باب العمل لذوي الأصول المهاجرة
١٤ أبريل ٢٠١٤عندما جاء مصطفى بوكلوا، المغربي الأصل، إلى ألمانيا لم يكن قد بلغ من العمر عامه الثالث، ورغم ذلك، فقد وجد صعوبة في الاندماج في نظام التعليم الألماني في بداية حياته، خاصة وأن لغته الأم هي الأمازيغية. لم يتعلم بوكلوا الألمانية سوى عندما دخل المدرسة، وكان مستواه الدراسي بالتالي متأخراً عن زملائه. لكن ذلك لم يمنعه من أن يبذل جهداً مضاعفاً حتى درس وأصبح معلماً ومنسقاً لمشروع "المدرسين من ذوي الأصول المهاجرة" في ولاية شمال الراين ويستفاليا.
ورغم نجاح أبناء أسر مهاجرة أمثال أسرة مصطفى في مواجهة الصعوبات فإن كثيرين منهم لم يتمكنوا من دخول سوق العمل. في هذا السياق تفيد عدة دراسات بينها دراسة تقوم بها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD سنوياً، بأن النظام المدرسي الألماني لم ينجح في إدماج أبناء الأسر المهاجرة، على عكس الكثير من الدول الصناعية الأخرى. ورغم أن الوضع تحسن في عام 2013 حسب الدراسة، إلا أنه مازال دون المستوى المطلوب، وهو ما ترجعه الدراسة إلى عدم معرفة الأهل بنظام التعليم الألماني، خاصة نظام التدريب المهني الذي يعد مميزاً لألمانيا.
المعرفة أول طرق النجاح
هذا الأمر كان الدافع الرئيسي وراء قيام حملة "مهنتي، مستقبلي" التوعوية،التي يقوم بها مركز التدريب في مجال الأعمال اليدوية، وشبكة الآباء في ولاية شمال الراين ويستفاليا ومشروع "المدرسين من ذوي الأصول المهاجرة في ولاية شمال الراين ويستفاليا" والتي تهدف إلى تعريف الشباب والشابات من ذوي الأصول المهاجرة وأهاليهم بنظام التعليم الألماني ودعمهم للوصول إلى أفضل ما يناسبهم من فرص دراسة أو تدريب. وتمول هذه المبادرة وزارة العمل والاندماج في شمال الراين ويستفاليا والصندوق الأوروبي للدعم الاجتماعي.
مصطفى بوكلوا، يرى أن هذا الأمر أساسياً لتوفير "فرص متساوية للجميع" ويوضح قائلاً: "نود تغيير المدارس والعمل على تحقيق الانفتاح على كل الثقافات، وهذا يتطلب مساعدة التلاميذ على اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبلهم، الأمر الذي يحتاج إلى التعاون مع الآباء. فمعظم القرارات المصيرية تتخذ بمساعدة الأهل، وإذا لم يكن الأهل يعرفون ما هي الإمكانيات المتاحة، فلا يمكنهم مساعدة أبنائهم وهذا ما نسعى لتغييره". يرى بوكلوا أن هناك نقصاً كبيراً خاصاً في معرفة نظام التعليم الثنائي المميز لألمانيا والذي يجمع بين التأهيل النظري والتدريب العملي، وتشاركه الرأي مسؤولة الاندماج في مدينة بون كوليتا مانيمان، التي تدعم هذه المبادرة، وهي ترى أن نظام التعليم الثنائي الألماني صعب الفهم حتى على الألمان أنفسهم، وبالتالي، فالمهاجرون بحاجة إلى دعم في هذا الأمر.
عن طريق كتيبات وجولات توعوية وندوات ومحاضرات ينظمها القائمون على المبادرة مع شركائهم، مثل غرفة الصناعة والتجارة وغرفة الحرف اليدوية وكثير من الشركات، يسعى هؤلاء لتوصيل معلومات للشباب عن إمكانيات التدريب المهني المتاحة في ألمانيا وكيفية الحصول عليها. وتوضح ألفيرا فريي من غرفة الصناعة والتجارة في منطقة بون/ راين زيغ، أن هناك حوالي 340 نوعاً من التدريب المهني المختلف في ألمانيا، وهو ما لا يعرفه معظم الناس حتى من الألمان أنفسهم، سواء أعمال في مجالات تجارية أو في مجال الفندقة أو المساعدة الطبية والتمريض أو ميكانيكا السيارات أو الطهي، كل هذه المجالات يمكن الحصول على تدريب مهني فيها. كما تؤكد فريي أنهم لا يقدمون فقط معلومات، لكنهم أيضاً يساعدون في تقديم طلبات العمل، إذا ما تطلب الأمر.
أمثلة حية للنجاح
ولا تكتفي مبادرة "مهنتي، مستقبلي" بالتعريف النظري بالفرص المتاحة، لكنها أيضاً تتيح الفرصة للتعرف على أمثلة عملية من خلال تقديم خبرات المهاجرين الذين نجحوا في اقتحام عالم التدريب المهني الألماني بنجاح. فأميمة صديّقي تروي كيف كانت تظن أن ارتداءها الحجاب سيقف عائقاً أمام حصولها على فرصة عمل ولكنها "كانت مخطئة"، وها هي تتدرب الآن كمساعدة طبية في إحدى العيادات في مدينة بون، ولا تجد أي مشكلة سواء من العاملين معها أو من المرضى. كما يروي عادل خريز الذي يتدرب في إدارة مدينة بون كيف أنه كان يعتبره "أمراً طبيعياً" أن يعمل في مدينته التي ولد فيها، مشيراً إلى أن والده ساعده في اتخاذ هذا القرار، لأنه يعيش في ألمانيا منذ عشرات السنوات ويعرفها جيداً.
ولا تقتصر قصص النجاح على من ولدوا في ألمانيا. فعياد، الذي جاء من العراق منذ أربع سنوات، يروي كيف يتعلم الآن في مدرسة كفنيّ الكترونيات، ويعمل في شركة وموقع عمل في الوقت نفسه، وقد قام بنفسه بالمبادرة وتقدم للشركة واستطاع إقناع المسؤولين بقبوله فحصل على مكان للتدريب المهني، و"تسري كل الأمور على ما يرام بالنسبة له". ويجد الصوفي محمد، سوداني الأصل، الذي كان حاضراً في إحدى الندوات التي تنظمها المبادرة، أن مثل هذه المعلومات هامة جداً لأنها تساعد المرء أن يعرف أنه "لا يجب أن يركز فقط على الدراسة الأكاديمية، لأن التدريب المهني يتيح العديد من الفرص".
شركاء لفتح آفاق أكبر
ولتقديم مزيد من المساعدات للشباب، تتعاون هذه المبادرة مع عدد كبير من الجهات، من بينها شركات كبرى مثل شركة دويتشه تليكوم الألمانية ومصرف شباركاسه، وتساعد هذه الشركات في إعطاء المعلومات والنصائح للشباب. كما تتعاون مبادرة "مهنتي، مستقبلي" أيضاً مع الجمعيات الإسلامية والمساجد للوصول بخدماتها إلى المهاجرين المسلمين. فتح باب المساجد لهذه المبادرة له أثر كبير على إقبال المهاجرين على حضور الندوات المختلفة، وهو ما حدث عندما فتح باب المهاجرين في مدينة بون أبوابه لإحدى الفعاليات التي تنظمها حملة "مهنتي، مستقبلي"، فمدير المسجد محمود خطاب يعتبر أن هذا هو أهم طريق للاندماج، كما أنه يعتبر أن "المهنة في اليد هي الضمان لمستقبل أفضل".
تشجيع المسجد لهذه المبادرة شجع كثيرا من الآباء والأمهات والشباب للتفاعل معها، كما تؤكد سكينة النوري، تونسية الأصل. أما بالنسبة للطالب أمين سمسيمي، فيعد مثل هذا التعاون "أمراً مفروغاً منه"، لأنه يعتبر نفسه "جزءا لا يتجزأ من المجتمع حتى وإن كان شكله مختلفاً ودينه مختلفاً عن الأغلبية"، ولذلك فهو سعيد بهذا التعاون، لأنه يعتبره الفرصة لتغيير الصور النمطية المنتشرة لدى بعض الألمان.
تنويه: ينشر هذا المقال في موقع DW و الجزيرة نت Aljazeera.netفي إطار مشروع مشترك.