مهرجان بيتهوفن والمنعطفات الزمنية

في ساحة "مونستر بلاتس" في مدينة بون الألمانية ينتصب تمثال بيتهوفن الذي شيده المعماري أيرنست هينل في عام 1845. ويعد هذا التمثال من أقدم التماثيل لهذا الملحن القدير الذي لا يخلو يوم من تجمهر السياح حوله. وكما البيت الذي وُلد فيه بيتهوفن في شارع "بون غاسه"، يعتبر تمثال بيتهوفن من معالم مدينة بون الرئيسية التي يجب على كل زائر مشاهدتها. في السابق كانت اهتمامات المدينة محدودة بالموسيقار بيتهوفن، فقد انفق الموسيقي والمسرحي والكاتب "فرانز ليست" الكثير من ماله لتشييد نصب بيتهوفن التذكاري في مدينة بون في عام 1845 وذلك بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لميلاد بيتهوفن. وقد أقيم حفل موسيقي لمدة ثلاثة أيام احتفاءً بتشييد هذا النصب. ويعد هذا التاريخ ميلاد مهرجان بيتهوفن الموسيقي.

التطور البطيء

إلا أنه برحيل "ليست" اختفت فكرة المهرجان لربع قرن. وفي عام 1871 أقيمت من جديد النسخة الثانية منه. ولكن ورغم الاهتمام المتزايد ببيتهوفن وموسيقاه الرائعة فإنه لم يتسنى إحياء المهرجان بشكل منتظم، إلى أن جاء عام 1931 وبدأ فيه تنظيم المهرجان سنوياً. ولكن بسبب ظروف الحرب في تلك الفترة تم تأجيل المهرجان حتى سنة 1947. وهنا بدأ تنظيم المهرجان كل سنتين بمحاور متناوبة بين السيمفونية و موسيقى الغرفة. وبتدشين قاعة بيتهوفن عام 1959 حاز المهرجان على إحدى أهم قاعات العزف والتي انضمت إليها فيما بعد قاعة أصغر، تسمى موسيقى الغرفة. وفي عام 1970، العام الذي أقيمت به احتفالية الذكرى المائتين لولادة ابن بون الشهير، تمكن مهرجان بيتهوفن من صنع اسم له تعدى حدود المكان.

التمويل عقبة في وجه المهرجان

يعتبر مهرجان بيتهوفن بالنسبة لمدينة بون ـ العاصمة الاتحادية السابقة ـ معلم موسيقي عريق، حيث أن المشاركة في المهرجان لم تقتصر على المايستروات و الأوركسترات والعديد من العازفين المنفردين الشهيرين فقط، بل حتى الجمهور كانت "السمة العالمية" هي الغالبة عليه، ذلك أن أعداد لا يستهان بها من العاملين في القنصليات والسفارات التي كانت مقراتها في مدينة بون كانوا يستفيدون من عروض المهرجان. وعليه ومن الناحية المالية يصح القول بأن مهرجان بيتهوفن كان يستفيد فقط من سمة العاصمة التي كانت تحظى بها بون في السابق. وابتداءً من العام 1974 ولأسباب اقتصادية أصبح تنظيم المهرجان يجري كل ثلاث سنوات. وما أن تم نقل مؤسسات الدولة السياسية إلى برلين بعد نقل العاصمة إليها في عام 1990 حتى بدأ أعضاء المجلس البلدي في مدينة بون آنذاك بالتفكير ملياً بإيقاف المهرجان بسبب نقص الدعم وعجز الميزانية. إلا أن مبادرة شعبية عملت على تثبيت موعد إجراء المهرجان سنوياً ابتداءً من عام 1995 حالت دون ذلك.

تغيير الشكل والمضمون

ومع مرور الوقت تطورت مدة المهرجان، فبعد أن كانت لا تتعدى ثلاثة أيام، أصبحت الآن قرابة ستة أسابيع وتشمل سبعين عرضا موسيقيا. ومن ضمن الفعاليات الأخرى في هذا المهرجان "معارض وورش عمل أو محاضرات". وقد اتسع نطاق قاعات العزف الآن ليشمل مدينة بون بأكملها ومحيطها. ومن حيث محتوى الموسيقى في المهرجان مازالت أعمال بيتهوفن الأصلية هي المسيطرة، لكنها تُمزج بالموسيقى الحديثة بشكل فني مثير. وسعت "إليونا شميل" المديرة الحالية لمهرجان بيتهوفن منذ عام 2004 على وضع لمسات جديدة سواءً في العمل الفني أو في تشجيع الناشئة.

ومن ضمن الأنشطة التي قامت بها هو إطلاق "مهرجان بيتهوفن للشباب". وتقوم DW منذ عام 2001 بتوفير الإمكانية لعازفي الأوركسترا السيمفونية من الشباب من جميع إنحاء العالم لإظهار مواهبهم في عزف الأوركسترا في هذا المهرجان.

ماذا يأتي ـ وماذا يبقى؟

تمكنت إليونا شميل في العشر سنوات الأخيرة من عمل الكثير وقد جعلت من مهرجان بيتهوفن من أهم المهرجانات الموسيقية في ألمانيا. وفي عام 2014 ستنتقل إلى سويسرا للعمل كمديرة لقاعة صوتيات زيوريخ " Zürcher Tonhalle".

أما خليفتها "نيكه فاغنر" حفيدة الموسيقار "ريشارد فاغنر" تعد أيضاً مديرة مهرجانات ناجحة وقد أفلحت بحصول المهرجان الفني "فايمر" على إشادة دولية، وسيكون من المثير ترقب اللمسات الفنية التي ستضيفها على مهرجان بيتهوفن ومتابعة تطويرها له، حيث من المؤكد أنها ستعمل بموجب شعار بيتهوفن الشهير: "الفن الحقيقي هو فن عنيد ولا يمكن أن يلجأ إلى أي شكل من أشكال الأغراء" .