موسيقى الطرقات في ألمانيا: وسيلة للتسول أم للارتقاء بالذوق العام؟
١ أكتوبر ٢٠١٢العزف الموسيقي على قارعة طرقات وساحات المدن الألمانية أو داخل محطات الميترو وسيلة أخرى للاحتكاك بالجمهور أكثر مما هو وسيلة للعيش، فهو لا يغني عن العمل بشكل عام. ورغم أن البعض ينظر إلى هذا الفن كطريقة للتسول، إلا أن العازفين الذين ينتشرون في طرقات ألمانيا ليسوا فقط من هواة عزف الموسيقى الذين لا يحضون بدعوات من قبل منظمي الحفلات والمهرجانات، بل ويوجد بينهم أيضاً بعض من درسوا الموسيقى وأتقنوا فنونها. هؤلاء يتجولون بين مدن أوروبا بصحبة آلاتهم الموسيقية من أجل السياحة من ناحية، ومن أجل أن تكون لديهم خبرة أمام جمهور عام من ناحية أخرى. كما أن البعض منهم يعزفون في الطرقات تلبية لطلب المؤسسات الثقافية في المدينة بهدف الارتقاء بأجواء المدينة ثقافياً ومن أجل تنشيط الحركة السياحية فيها.
لفت انتباه المارة
هؤلاء الموسيقيون يعزفون في طرقات المدن الألمانية بعض المقاطع من كلاسيكيات الإرث الموسيقي العالمي، مقاطع من سيمفونيات لمشاهير وعمالقة الموسيقى الأوروبية مثل باخ وهايدن وشوبان وموتسارت. ومنهم من يعزف في فرق موسيقى الجاز ومنهم من موسيقى أميركا اللاتينية كموسيقى رقصة الزالسا، آخرون يعزفون موسيقى البوب أو الروك أو الراب. لكن القليل منهم يأتي من العالم العربي، رغم أن مثل هذه الظاهرة موجودة في دول عربية مثل المغرب وسوريا، ففي دمشق وحلب بدأ مشروع "موسيقى على الطرقات" منذ سنوات وذلك بهدف أن يتسنى لجميع الناس سماع الموسيقى الراقية بطريقة مجانية وللارتقاء بأذواقهم الموسيقية أيضاً.
يتطلب عزف الموسيقى في الطرقات تخطي حواجز نفسية كثيرة، أولها حاجز الخجل والاستعداد لخوض تجربة مليئة بالمفاجئات والمغامرات، ففن العزف في طرقات المدن يختلف اختلافاً كبيراً عن العزف في الحفلات المقامة بقاعات الموسيقى. "العازف على الطرقات يبذل جهداً كبيراً من أجل أن يستقطب جمهوره"، تقول كلاوديا نوفر. وتضيف عازفة الفيولين: "عدا عن أنه يعزف في ضوضاء المارة المنشغلين بأشياء أخرى". أما عازف الساكسفون ستيف لوزين من مدينة كولونيا فيقول: "للمارة أذواقهم أيضاً، فإذا أُعجب المارة بالموسيقى يقفون طويلاً ويستمعون، وإن لم تنل إعجابهم يغادرون المكان فوراً".
مهرجانات موسيقية في طرقات المدن
ليس قليلة هي المدن الألمانية التي تنظم مهرجانات موسيقى في طرقاتها، ومنها مهرجان بريمن الذي نُظم لأول مرة عام 1996، وكان بمثابة مسابقة موسيقية بين فرق كثيرة جاءت من جميع أنحاء العالم، آنذاك شاركت فرقة المايا لموسيقى الجاز الشرقي، التي كان يديرها موسيقي من أصول سورية رافقه في العزف على آلات أخرى مثل الساكسفون والفيولينه وآلات الإيقاع، موسيقيون من ألمانيا والهند.
سمي مهرجان بريمن هذا بـ "بريمر شتات موزيكانتين" أي "موسيقيو مدينة بريمن" في إشارة إلى إحدى قصص الأخوين غريم التي تدور أحداثها في هذه المدينة. وبما أن القصة كانت تتحدث عن أربع موسيقيين فقط، لذلك كان عدد أعضاء كل فرقة مشاركة يجب أربعة أشخاص فقط. وعزفت الفرق المشاركة موسيقاها على قارعة طرقات مدينة بريمن وكان الجمهور المتنقل هو لجنة التحكيم. وفي اليوم الرابع والأخير عزفت كل الفرق الستة عشرة في ساحة المدينة الكبيرة.
كما يُنظم في عام مهرجان أخر هو مهرجان رودول شتادت للرقص وموسيقى الفولكلور الذي تستمر فعالياته لثلاثة أيام، تتوزع الفرق الموسيقية خلالها في طرقات المدينة لإمتاع المارة بالموسيقى الحية. ويعد هذا المهرجان الذي يتيح لعدد كبير من الموسيقيين الأوروبيين العزف على قارعة الطرقات هو بمثابة تجربة فريدة مليئة بالمفاجآت بالنسبة للموسيقيين.
وسيلة لكسب النقود؟
الفكرة السائدة عن موسيقيي الطرقات أنهم يسعون إلى كسب ما يجود به عليهم المارة من مال، لكن الواقع يقول شيئاً آخر، فمنهم من تدعوهم الهيئات الثقافية المسؤولة في المدينة، كما هو الحال في مدينة بريمن. وفي هذا السياق يقول هارالد أنغينهوفنفي، وهو أحد موسيقي فرقة المايا، في حوار مع DWعربية: "رغم أن فرقتنا الموسيقية كانت مدعوة من قبل مديرية الثقافة في مدينة بريمن، غير أن بعض المارة كان يضع أمامنا بعض النقود". ويضيف: "في البدء كنت خجلاً ولكن بعد هذا المهرجان أصبحت أجول في مدن أوروبا وأعزف في طرقاتها".
ولا يقتصر العزف على قارعة الطرقات على الفرق الموسيقية فحسب، وإنما هناك أيضاً مجال مفتوح أمام موسيقيين منفردين. لكن أغلب المدن الألمانية تطلب رخصة باسم العازف حتى يُسمح له بالوقوف أمام مبنى معين أو في إحدى زوايا السوق أو الساحات العامة أو الميترو. من هنا نستطيع أن نقول أن أغلب الموسيقيين الذين يعزفون على قارعة الطرقات هم من الموسيقيين الذين يتقنون العزف بشكل جيد. لكن هذا لا يمنع أن يكون هنا أو هناك أحد الأشخاص الذين يهدفون فعلاً التسول من خلال عزفهم المتدني أمام المارة. عن ذلك يقول ستيف لوزين: "لكن عددهم يبقى قليلاً مقارنة بالآخرين، وليس لديهم أي فرصة لأن يخترقوا سمعة الموسيقى على قارعة الطرقات"، مضيفاً: "عدد قليل فقط من الموسيقيين يعتمد في عيشه على العائد المادي من العزف على الطرقات".