مهرجان أكتوبر- انتعاش اقتصادي للعاصمة البافارية
٧ أكتوبر ٢٠١٢يتهافت سنوياً ملايين السياح من جميع أنحاء العالم على مدينة ميونيخ الألمانية للاحتفال بـ"مهرجان أكتوبر" الفلكلوري. في هذا العام انطلقت فعالياته يوم السبت 22 سبتمبر/ أيلول وتنتهي الأحد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2012. وقد وصل عدد الزوار في الأسبوع الأول منه إلى ما يقارب ثلاثة ملايين ونصف مليون زائر. ويعتبر هذا العدد الأكبر إلى الآن مقارنة بالسنين التي مضت منذ بدأ سكان ميونيخ به لأول مرة في عام 1810. هذا المهرجان الشعبي الذي يعد الأكبر من نوعه في العالم هو فرصة للتمتع بمباهج كثيرة فهناك عروض البافاريين الفولكلورية والرقص والعروض البهلوانية، والألعاب التي تنتشر في كل أنحاء المدينة تسمح للعائلات أيضاً بالاستمتاع بهذا المهرجان. غير أن الحسناوات وشرب الجعة من أهم ميزات عيد أكتوبر.
السائح الإيطالي ماوريتسيو يؤكد ذلك في حديثه عن أهم ما يعجبه في هذا المهرجان: "الجعة، بالطبع البيرة والنساء"، ثم يضحك. هنا يسمع السائح لغات عديدة منها الإنجليزية والروسية والفرنسية، والإيطالية والإسبانية، وأيضاً الصينية واليابانية والعربية.
"أكتوبر فيست" مهرجان شعبي عريق
ترجع بدايات الاحتفال بـ"مهرجان أكتوبر" إلى عام 1810، حيث بدأ الناس في مدينة ميونيخ بالاحتفال بمناسبة عقد قران الملك لودفيغ الأول على الأميرة تيريزا فون زاكس رسمياً. فيما بعد تعاقبت الاحتفالات بذكرى الزفاف السنوية إلى أن أصبحت مهرجاناً عريقاً وصل صيته إلى كل أرجاء العالم.
من ساحة تيريزا التي تغص بآلاف الزوار من جنسيات كل العالم، يسمع صدى الموسيقي البافارية في كل مكان. وتسرق روعة الملابس الفلكولورية التي يرتديها الزوار البافاريون أنظار المشاهدين، حيث يرتدي الرجال السروال الجلدي وجورب الصوف والقبعة البافارية الشهيرة، أما النساء فيرتدين الفستان المزركش الذي يكشف جزءاً كبيراً من أعلى الصدر، وهن يتسابقن على إبراز مفاتن الحسن والجمال عندهن ويظهرن جمال المرأة البافارية. ويمكن القول بأن مهرجان أكتوبر قد تحول إلى عيد للحب، إذ يتلاشى فيه التحفظ والخجل بعد شرب الجعة ويصبح تعارف الجنسين أمراً سهلاً ويسيراً.
وقد أفتتح هذا المهرجان الشعبي الكبير كعادته بالعديد من الفقرات الجديدة والجذابة، ومن بينها في هذا العام نصب تمثال ضخم للملكة ماريا تيريزا وإقامة جولات للأطفال في ساحة المهرجان الشاسعة بمدينة ميونيخ، فقد أتيح للأطفال لأول مرة إمكانية التجول في هذه الساحة وفقاً لرغباتهم. وقد عرض ديتر رايتر، المدير الجديد لمهرجان أكتوبر، بصحبة عمدة ميونيخ كريستيان أوده الخميس هذه الفقرات الجديدة بالمهرجان، وذلك قبل يومين من افتتاحه رسمياً.
وتزامن موعد مهرجان "عيد أكتوبر" مع احتفالية عيد الوحدة الألمانية، التي توافق الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول. ولاية بافاريا أخذت على عاتقها تنظيم فعاليات هذه المناسبة في هذا العام من خلال احتفال شعبي منوّع بالإضافة إلى احتفالية رسمية قامت في المسرح الوطني بميونيخ. وقال أوده "أكبر أمنياتنا أن يبقى المهرجان مهرجاناً سلمياً". وقال رايتر الذي يدير المهرجان لأول مرة: "لا يصح أن يقع ما يفسد المهرجان وآمل أن يكون الطقس جميلاً خلال مدته". نعم المهرجان انتهى بسلام دون أن يحصل شيء يذكر، ورغم المخاوف التي كانت قد أذعرت البعض، مثل أعمال إرهابية وما شابه ذلك ها هو الكل مسرور يعود إلى بيته ومعه الكثير من الذكريات الجميلة.
الخيام صالات للرقص والشراب
لا تكتمل الزيارة المهرجان إلا بدخول إحدى الخيام الضخمة المنصوبة في الساحة. أغلب الخيام تتسع من 500 إلى 700 شخص. والخيام معدة لتكون مكاناً لعزف الموسيقى وللرقص ولتناول الجعة، المشروب الألماني الشهير الذي يرتبط بشكل وثيق بمهرجان أكتوبر. ويتم استهلاك قرابة خمسة ملايين لتر بيرة طيلة أيام المهرجان. هنا يشرب الناس الـ"ماس"، أي كوب يتسع لليتر واحد من الجعة. وتتسابق الحسناوات اللواتي يرتدين اللباس البافاري التقليدي والمغري في تقديم هذه الكؤوس إلى الزوار. ما أن يدلف الزائر الي الخيمة حتى يقابلة جو محموم وصاخب ملئ بالجنون، الموسيقي البافارية تصدح بلا توقف، جمع كبير وأناس يتشابكون لا يكلون عن الرقص والغناء على أنغام الموسيقى. وفي بعض الأحيان، نساء يقفن على الطاولات ويرقصن عاريات الصدر. أناس آخرون أعياهم الشراب المفرط. ومنهم من ينتهي مساءه في إحدى المشافي. ففي هذا العام وصل عدد حالات التسمم الكحولي إلى 450 حالة تمت إغاثتهم من قبل الصليب الأحمر. ورغم ذلك يجذب مهرجان أكتوبر كل عام السياح الشباب من مختلف دول العالم.
انتعاش اقتصادي في العاصمة البافارية
سبعون بالمائة من زوار مهرجان عيد أكتوبر تقريباً هم من مواطني ولاية بافاريا، وثلث عدد الزوار من خارج ألمانيا. وقد ضرب عدد الزوار في هذا العام رقماً قياسياً، حيث وصل عدد السياح في الأسبوع الأول فقط إلى ما يقارب ثلاثة ملايين ونصف المليون. وبعد ستة عشرة يوماً من الاحتفالات اليومية، وصل العدد إلى ستة ملايين زائر، وهذا رغم الطقس السيئ والمطر الذي هيمن على أكثر أيام المهرجان. هذا العدد يعتبر الأكبر إلى الآن مقارنة بالسنين التي مضت منذ بدايات "مهرجان أكتوبر" عام 1810. وحسب إحصائيات عام 2008 يتكلف السائح بالمتوسط قرابة الستين يورو في اليوم الواحد داخل المهرجان، عدا أجور المبيت وأشياء أخرى، فقد أعلنت رابطة الفنادق والمطاعم البافارية رضاها الكبير عن مدخول المبيت أيام المهرجان في عام 2012. إذ تم حجز جميع غرف الفنادق في نهاية الأسبوع. "حتى في بحر الأسبوع كانت إمكانية الحصول على حجز غرفة في فندق صعبة نوعاً ما"، يقول نائب المدير العام لرابطة الفنادق والمطاعم البافارية.
الزوار العرب
لا يخلو هذا المهرجان من الزوار العرب، إذ يأتي بعضهم إلى ولاية بافاريا ويخصون جزء من عطلتهم هنا لزيارة عاصمتها في أيام المهرجان. عدا عن أن بعض من يعيش من العرب في مدينة ميونيخ يذهب مع عائلته للاستمتاع بأجواء هذا المهرجان. الجدير بالذكر أن عيد أكتوبر لا يعد مصدراً اقتصادياً للمدينة فحسب بل للطلاب الذين يدرسون فيها أيضاً، إذ يحاول بعض الشبان العرب إلى جانب أقرانهم من الجنسيات الأخرى إيجاد فرص للعمل في أماكن خدمات الزوار خلال المهرجان. والمبالغ التي يكسبها الطالب هناك، تساعده على تخطي الكثير من المشاكل المادية على مدار فترة طويلة من السنة.