حدائق الجعة في ألمانيا..استراحات في ظلال الكستناء
٢٤ يوليو ٢٠١٢تتوزع حدائق الجعة "البيرة" في ألمانيا على ضفاف البحيرات والأنهار أو بين الغابات أو في حدائق كبيرة غالبا تحت ظلال أشجار الكستناء، وتقدم لزبائنها إلى جانب أقداح البيرة المختلفة الأنواع والأذواق، مأكولات تشتهر بها المنطقة أيضاً.
عندما تتجول في مدن وقرى ألمانيا وخاصة أثناء الطقس الحار، وإذا احتجت إلى الشراب البارد، فما عليك إلا أن تقصد إحدى "حدائق البيرة" (Biergarten) التي هي عبارة عن أفنية كبيرة أو منتزهات تنتشر فيها الأشجار وخاصة أشجار الكستناء العالية التي تمنح المكان ظلاً وبرودة. هذه الأماكن تقدم لزوارها إلى جانب كؤوس البيرة اللذيذة المختلفة الأشكال، مشروبات باردة أخرى، ومأكولات تشتهر بها المنطقة الموجودة بها. وهناك من أصحاب حدائق البيرة من يسمح للزوار بجلب المأكولات الخاصة بهم. ومعظم حدائق البيرة تشتمل على قاعات للرقص على أنغام الموسيقى الحية التي لا تقتصر على موسيقى الفلكلور فحسب، بل على أنغام الموسيقى الكلاسيكية أيضاً.
نشوء حدائق البيرة
وحسب ما جاء في كتاب فريديناند دولينغر الصادر عام 1850 تحت اسم "علم التخمير والتقطير" أن فكرة حدائق البيرة نشأت في مدينة ميونخ والمناطق المحيطة بها قبل نحو مئتي سنة. ويذكر أن الملك الألماني لودفيغ الأول (1786 - 1868) منع تخمير البيرة في الصيف، وسمح به في الشهور الباردة؛ أي بين نهاية شهر سبتمبر/ أيلول وبداية مايو/آيار من العام التالي، ولم يبق لأصحاب معامل البيرة سوى أن يخزنوها لموسم الصيف. وبما أن التخزين يحتاج إلى مكان بارد فقد بنوا أقبية بجانب المعامل وزرعوا أشجار الكستناء العالية فوقها لتوفير الظل على الأقبية ولتمنحها البرودة المطلوبة. من هنا بدأ استخدام الأمكنة المظللة تحت الأشجار لبيع البيرة للناس الذين يقصدون المسير في الطبيعة. وبعد ذلك تم نصب المقاعد والطاولات الخشبية تحت الأشجار لتؤمن للناس فرصة للاستراحة من المشي والبيرة الباردة لسد الظمأ.
وحسب موقع "فيلزر بير" الالكتروني الذي يستعرض تاريخ البيرة ونشوء الحدائق الخاصة بها تم تأكيد أن أصحاب المعامل لم يكتفوا ببيع البيرة فقط، بل أخذوا مع الوقت في تقديم الوجبات الشهية المناسبة للبيرة. وهذا ما أزعج أصحاب المطاعم الذين احتجوا على ذلك وقدموا شكوى إلى ملك البلاد لودفيغ الأول، وعلى غرار هذا حُسم الأمر لصالحهم، ولكن في الوقت نفسه سُمح للناس بجلب وجباتهم الخاصة بهم معهم.
في أيامنا هذه هناك أنواع عديدة من حدائق البيرة، فمنها من يقدم إلى جانب أقداح البيرة المختلفة الأحجام والأشكال مشروبات غازية أخرى باردة وبعضها من يقدم أنواع النبيذ عدا عن المأكولات اللذيذة والشهيرة في المنطقة. وهناك حدائق البيرة الكبيرة التي تسود بها الخدمة الذاتية، فهي تسمح للزوار بجلب مأكولاتهم الخاصة بهم. وهنا يقول أندرياس وصديقته تانيا: "نحن من رواد حدائق البيرة في الصيف." ويضيف: "لنا حرية الاختيار متى نشرب ونأكل دون أن يزعجنا أي نادل بالسؤال فيما إذا كنا نحتاج شيئاً كما هي العادة في المطاعم".
بافاريا الأكثر شهرة في حدائقها
تفوق ولاية بافاريا كل الولايات بما يخص عدد حدائق البيرة وأنواعها، حيث تعج الولاية بتلك الحدائق وتشتهر بتقاليد تقديم البيرة، هنا يحصل الزائر على كأس كبيرة قد تصل سعتها إلى لتر واحد، وأشكال الكؤوس عديدة ومنها ما يظهر عليه إحدى معالم الولاية الجميلة. وهناك الحديقة الإنجليزية الشهيرة في ميونخ عاصمة الولاية التي يتوافد عليها الزوار بشكل وفير وخاصة في فصل الصيف بسبب مناظرها الطبيعية الخلابة ووجود نهر الإيزار الذي يمر فيها ويعطيها رونقاً خاصاً. وتحتوي الحديقة الإنجليزية على عدة حدائق للبيرة في أنحاء مختلفة منها ولكن أشهرها في الجهة الشمالية الحديقة المجاورة للبرج الصيني الذي يطل على حديقة البيرة ويمنحها عالمها الخاص.
وإضافة إلى الحدائق الصغيرة الموزعة على أحياء المدينة الوفيرة هناك حديقة "الهيرش غارتِن"؛ أي حديقة الوعل الكبيرة والواقعة في غرب المدينة والتي تمتلئ صيفاً بضيوفها احتفاء بالبيرة وهروباً من الطقس الحار وضوضاء المدينة. ويكون الحظ حليفك إذا حصلت بعض الأحيان على مكان فيها.
وبهذا الخصوص يقول لنا الدكتور رائف صوالحة المقيم في ميونخ: "ما أجمل هذه الحرية وخاصة أن تجلس في الهواء الطلق دون أن تحرقك الشمس." ويضيف: "ولكن المشكلة تكمن في عدم توفر الأمكنة في نهاية الأسبوع رغم كبر الحديقة." ويتابع: "مئات من الطاولات الخشبية منتشرة في حديقة "الهيرش غارتِن" ورغم ذلك كان علينا الذهاب باكراَ كي نحجز مكاناً بها." وحنيناً إلى الأجواء الشرقية يجلس د. رائف في الحديقة بصحبة أصدقاءه والنرجيلة تطلق كرّات دخانها من أفواههم وصوت الموسيقى العربية يشجو من أجهزتهم المحمولة.
حدائق أخرى
لا تحصى عدد حدائق البيرة في ألمانيا، ولكن هناك حدائق لها رونقها الخاص أو أنها مرتبطة بمعلم معماري أثري معين أو أنها شيدت لمناسبة ما. وتعتبر حديقة شيلر أو" شيلر غارتِن" الواقعة على بعد خمسة كيلومترات من البلدة القديمة في مدينة دريسدن في ولاية سكسونيا من أهم معالم هذه المدينة. ولكن المبنى الأثري الذي يتوسطها والذي امتدت إليه مياه الفيضانات عام 2002 أعاد مجده من جديد بعد ترميمه. وحسب المهندس المعماري رالف غلازين وأحد المواطنين هناك: "لقد تم ترميم المبنى المواقع في الحديقة بعد الفيضانات ونشرت المقاعد الخشبية تحت أشجار الكستناء من جديد." ويضيف: "لقد استعادت الحديقة حياتها من جديد وما أن تستسلم للفيء والبرودة هنا، حتى يتلاشى كل تعب النهار خلفك. " ويتابع: "هنا يمر الوقت وكأنه يتبخر."
ولا تحلو جبال الألب الشاهقة في ألمانيا من حدائق البيرة، حيث تتوزع على قمم بعض الجبال لتستقطب السياح في الصيف، وتستقطب رواد التزلج في الشتاء.
فؤاد آل عواد
مراجعة: عبده المخلافي