منظمات دولية تراهن على طرق الإنتاج الزراعي الطبيعية لتحقيق الأمن الغذائي
١٦ أبريل ٢٠٠٨في القرن الحادي والعشرين، في عصر غزو الفضاء والتقدم التقني الهائل والطفرة العلمية التي تعيشها البشرية في جميع الميادين لم يكن أحد ليتصور بأن تتصدر صور الجياع والباحثين عن رغيف الخبز في عدد من الدول شاشات التلفزة. صور وتقارير جعلت الأمم المتحدة والخبراء يدقون ناقوس الخطر من نقص الموارد الغذائية وارتفاع أسعارها، ليجعلها قنابل موقوتة قد تفجر ثورات وانتفاضات.
لقد صدر عدد كبير من التقارير والدراسات تؤكد أن الأساليب الصناعية والنظم التقنية المستخدمة في الزراعة والاستخدام المكثف للمبيدات الزراعية والاستثمار الواسع لرؤوس الأموال في قطاع الزراعة لم تأت بالنتائج المرجوة والمتمثلة في تحقيق الكفاية الإنتاجية في المجال الزراعي. لكن عددا آخر من الخبراء لا يعزون أسباب هذا المشكل إلى ضعف الاستثمارات في القطاع الزراعي فحسب، بل أيضا إلى عوامل أخرى مرتبطة بالانفجار السكاني وسوء إدارة الموارد البيئية، بالإضافة إلى عوامل أخرى طبيعية.
آفة الجوع حقيقة في القرن الحادي والعشرين
وفي ردها على سؤال لموقعنا عمّا إذا كان الحديث فعلا عن عودة لآفة الجوع في العالم، قالت سيبونا بوت، المتحدثة باسم المنظمة الألمانية للمساعدة على مكافحة الجوع، وهي منظمة غير حكومية تدير نحو 50 مشروعا تنمويا في دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، إنه فعلا يمكن الحديث عن هذه الآفة وخاصة في المناطق الريفية في دول العالم الثالث التي تعاني من مشاكل تنموية ونقص الخبرات في إدارة الموارد البيئية، خاصة أن المدن الكبرى في عدد من الدول تعاني أصلا من الفقر ونقص الموارد الطبيعية.
وأضافت بوت "إن اللاجئين الذين يتوزعون على عدد من الدول هم من الشرائح الأكثر تعرضا لنقض الإمدادات الغذائية". غير أنها أضافت أنه "لا يجب التغاضي عن حقيقة وجود 850 مليون شخص في العالم يعانون أصلا من الجوع، فمأساتهم ستزداد ومعاناتهم ستشتد"، لاسيما في ضوء ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم توفر السيولة النقدية الكافية لهؤلاء من أجل توفير حاجياتهم من الطعام والغذاء.
أسباب هذه المشكلة
يتوافر عدد كبير من العوامل والأسباب لهذه المأساة الإنسانية، فمنها على سبيل المثال الانفجار السكاني الكبير الذي يشكل ضغطا على الموارد واستنزافا لها. وفي هذا السياق رأت بوت أن زيادة عدد السكان بشكل كبير في الهند والصين وزيادة حاجاتهم من الحليب واللحوم ضاعف من حجم هذه المشكلة. كما أشارت الخبيرة الألمانية إلى أن تغير العادات الغذائية في عدد من البلدان الصاعدة ساهم في تعقيد هذه الأزمة.
ولعل الكوارث الطبيعية والبيئية والجفاف من العوامل التي "ساهمت بشكل ملموس" في نقص المواد الغذائية في عدد من البلدان، وفق المتحدثة باسم المنظمة الألمانية للمساعدة على مكافحة الجوع. غير أن ارتفاع أسعار المحروقات والمشتقات النفطية التي تدخل في عملية التصنيع الغذائي ساهم أيضا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما انعكس تلقائيا على أبناء الطبقات الفقيرة والمعوزة.
ويعتبر كذلك العالم الصناعي جزءا من المشكلة. وفق بوت وذلك من خلال زيادة الطلب على الوقود الحيوي، فعلى سبيل المثال، في اندونيسيا وماليزيا هناك تزايد مستمر في استغلال المساحات الزراعية المخصصة لزراعة نباتات تستخدم في صناعة الوقود الحيوي مثل أنواع النخيل التي يصنع منه الزيت، ما زاد بشكل مبالغ فيه من أسعار محاصيل حيوية بالنسبة لسكان هذه الدول مثل نبات الذرة والقمح.
سبل مواجهة الأزمة
وللحد من حجم هذه الأزمة طالبت دراسة دولية موسعة صدرت عن عدد من المنظمات الدولية من بينها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة نشرت أمس في باريس بضرورة العودة إلى طرق الإنتاج الطبيعية والمستديمة ومنها استخدام الأسمدة والبذور الطبيعية وتقليص المسافات بين المنتج والمستهلك. كما شدد الخبراء على أهمية توفير أطر جديدة تضمن الإنتاج الكافي مع المحافظة في الوقت نفسه على الموارد المائية والتربة والغابات والتنوع البيئي.
ومن جهتها طالبت المتحدثة باسم المنظمة الألمانية للمساعدة على مكافحة الجوع في حديثها لموقعنا بضرورة زيادة حجم المساعدات التي تقدمها الدول الصناعية والتي تقلصت بشكل كبير في السنوات الأخيرة للمناطق الريفية في دول العالم الثالث وتعزيز مفهوم التنمية المستدامة بوصفها "خير وصفة لإحداث توازن بين الموارد البيئية والطلب عليها".
الحل في النباتات المعدلة وراثيا؟
وفي رحلة البحث عن حلول لهذه المشكلة خلص التقرير الأممي السابق الذكر إلى أن استخدام النباتات المعدلة وراثيا من ناحية المبدأ قد يساهم في حل المشكلة، غير أن الخبراء أكدوا في الوقت ذاته على ضرورة إجراء مراجعات شاملة لما يمكن أن ينطوي عليه هذا الاستخدام من مخاطر، بالإضافة إلى الموازنة بين تكاليف هذا الاستخدام والمكاسب المتوقعة من ورائه. وبدورها قالت بوت إن هذه التقنية لن تساهم بشكل ملموس في حل هذه المشكلة في الدول الفقيرة على وجه الخصوص "بوصفها مرتفعة التكلفة والتشغيل وحاجتها إلى بنية تحتية تقنية يصعب توفيرها في هذه البلدان".