"من يقف وراء أحداث بورسعيد لا تهمه صورة مصر في العالم"
٣ فبراير ٢٠١٢دويتشة فيلة: العديد من المصريين يتهمون المجلس العسكري بتورطه، أو على الأقل بغض الطرف عن أحداث بورسعيد، التي أودت بحياة 74 شخصاً. كيف تقيّمون هذه التخمينات؟
عبد العظيم الدفراوي: من الصعب، بل من المستحيل التحقق من هذه الاتهامات. لكن ذلك لا يلعب دوراً كبيراً الآن. الأهم من ذلك أن الكثير من المصريين يعتقد أن المجلس العسكري أو فلول النظام السابق تقف وراء هذه الأحداث، وهذا ما قد يساهم في تأجيج حالة عدم الاستقرار التي تعيشها مصر حالياً.
لكن كيف يمكن أن يلقى أكثر من سبعين شخصاً حتفهم خلال مباراة كرة قدم عادية؟
أقرب الاحتمالات هو أن قوات الشرطة لم تكن قادرة على ضبط الموقف. الكثير من الشباب المصري، سواء كانوا من السلفيين أو الإخوان المسلمين أو شباب الثورة، يعتقدون أن مثل هذه الأحداث مقصودة، كما هي الحال في أماكن عديدة من البلاد، حيث يغيب الأمن وتزداد حالات الاعتداءات. شباب الثورة يعتقدون أن هذه الأحداث مدعومة من طرف جهات معينة لها مصلحة في إفشال المرحلة الانتقالية، أي مرحلة ما بعد الثورة، وفي زعزعة استقرار البلد خلال هذه الفترة.
ما هو هدف هذه القوى إذا كان الأمر كذلك فعلاً؟
أحداث بورسعيد يمكن أن تكون من عمل الشرطة أيضاً، ولا دخل للمجلس العسكري فيها. هذا الأمر أيضاً يصعب التحقق منه. لكن كما نعلم، فهناك حالة من العداوة بين الجيش والشرطة. لذا يبقى الاحتمال قائماً أن يحاول جهاز الشرطة إظهار أهميته في ضمان الأمن والاستقرار في مصر. لا يجب أن ننسى أن الشرطة فقدت هيبتها خلال الثورة المصرية، وأنها ما زالت تكافح بشدة من أجل تحسين صورتها. إضافة إلى ذلك فإن رجال الشرطة غير متحمسين كثيراً للقيام بمهامهم. كما أنهم يتلقون رواتب منخفضة، ورغم ذلك ينظر الناس لهم كأشرار، سواء تدخلوا في أحداث عنف أو لم يفعلوا ذلك. من جهة أخرى يجب القول أن "الألتراس" (مشجعو كرة القدم المتعصبون) ليسوا مسالمين تماماً. فرغم أنهم لعبوا دوراً مهماً خلال الثورة المصرية، وكانوا يتصدرون الصفوف الأمامية في المواجهات مع قوات الجيش أو الشرطة، فهم لم يستفيدوا تماماً من نجاح الثورة المصرية، في حين تمكن الشباب المثقف من الحصول على حريات أكثر، كحرية التعبير مثلاً.
هل يمكن القول إن الشرطة سمحت بأحداث بورسعيد من أجل الانتقام من "ألتراس" نادي الأهلي أو ما يعرف بـ"الألتراس الثوريين"، لكونهم ساندوا الثورة؟
هذا الاتهام صعب الإثبات أيضاً. في نفس الوقت لا يمكن استبعاد أي احتمال تماماً. هناك مؤشرات عديدة تدعو للقلق. لماذا لم يتم إيقاف المباراة بعد الجولة الأولى، رغم وجود مؤشرات على أعمال شغب خطيرة؟ لماذا غاب محافظ بورسعيد عن حضور المباراة، ربما لأول مرة في تاريخ نادي المصري البورسعيدي؟ لماذا غادر رئيس الشرطة الملعب قبل نهاية المباراة؟ كل هذه مؤشرات تفتح المجال لتكهنات خطيرة وتصعد من حدة الغضب على المجلس العسكري. لذا لا أعتقد أن يكون المجلس العسكري قد خطط لهذه الأحداث أو أنه سمح عمداً بوقوعها، وإلا سيكون على درجة سذاجة عالية. إذا قرر العسكر تبرير التمسك بقوانين الطوارئ من خلال أحداث مماثلة، فيمكنهم مثلاً القيام بأعمال إرهابية ملفقة أو ما شابه ذلك. ما أدهشني أيضاً أن المشير طنطاوي (رئيس المجلس العسكري) أدرك بسرعة خطورة الموقف، ووعد أنصار الأهلي والرأي العام بالكشف السريع عن كل ملابسات الأحداث.
هل هذا دفاع عن المشير طنطاوي؟
لا أريد أن أدافع عن المشير طنطاوي. أريد فقط أن أشير إلى أن الوضع غير واضح تماماً ويزيد من عدم الثقة والغضب في صفوف الشعب المصري حول ما جرى في بورسعيد. وهو أمر خطير للغاية يستدعي التسرع في الكشف عن كل ملابسات الحادث.
هل من الممكن، إذاً، الكشف عن الملابسات، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كل الأحداث التي عرفتها مصر منذ اندلاع الثورة حتى الآن، التي لم يتحمل أحد مسؤوليتها لحد الآن؟
طبعاً هناك أحداث لا يرغب الجيش في الكشف عن ملابساتها حتى يتمكن من الحفاظ على سلطته وحماية مصالحه، أو لخوفه من زيادة حدة عدم الاستقرار في البلاد. لكن هناك في مصر مجموعات لها مصالح عديدة ومتفرقة. أذكر مثلاً محاكمة مبارك التي تتم خلف أبواب مغلقة، والمستندات الكثيرة التي لم يسمح للجهات المعنية بالاطلاع عليها لتعطيل المحاكمة. فالأحداث التي قد يلحق الكشف عن ملابساتها أضراراً بمصالح الجيش يتم السكوت عنها أو تعطيل التحقيق فيها بشكل خاص.
هل تتصور أن يمثل الجيش في يوم ما للمحاسبة أمام مؤسسة قانونية منتخبة؟ هل هذا السيناريو متوقع؟
هذا هو السؤال الذي يشغل بال المصريين حالياً. هل سيتوصل الإخوان المسلمون، كأكبر قوة سياسية في البلاد، إلى اتفاق سري مع الجيش يمنح أعضاء هذا الأخير نوعاً من الحصانة؟ أم سيتم التوصل إلى تفاهم سياسي يتقلص من خلاله نفوذ الجيش؟ الصراع الآن هو صراع قوى، والسؤال المطروح هو: هل سيتمكن البرلمان المنتخب من الوصول إلى موقع يسمح له بمراقبة المؤسسة العسكرية؟ الشارع المصري يمارس ضغطاً كبيراً حالياً حتى يتحقق هذا السيناريو. رغم ذلك يبقى من غير المعروف إذا كان ذلك سيتم فعلاً أم لا.
إذا اعتبرنا أن أحداث بورسعيد مدبرة فعلاً من جهة ما، ألا تخاف هذه الجهات على صورة مصر أمام الرأي العام الدولي؟
الجيش يرغب بالتأكيد في تقديم صورة جيدة عنه وعن مصر في الخارج. أعتقد أن الجيش يرغب في تسليم السلطة في أقرب وقت ممكن حتى يتمكن من الحفاظ على مصالحه الاقتصادية دون إزعاج. هذه المصالح ستبقى مهددة ما دامت المؤسسة العسكرية في دائرة الضوء، وموضوع انتقاد لدى الرأي العام. لذا قد تكون جهات أخرى مسؤولة على أحداث بورسعيد. وهناك العديد من الناس الذين يحاولون الدفاع عن مصالحهم الاقتصادية ومواقعهم داخل مؤسسة الدولة بأي ثمن. فإذا كان الأمر كذلك، فإنهم لن يهتمون بالمصلحة العامة لمصر. فأولئك الذين هاجموا المتظاهرين في ميدان التحرير بالجمال وتم ردعهم من طرف "الألتراس" لم يأخذوا بعين الاعتبار صورة مصر في الرأي العام الدولي بعد هذه الأحداث.
أجرى الحوار: خالد الكوطيط
مراجعة: ياسر أبو معيلق