من شينجيانغ إلى التيبت: أقليات الصين بين التكيف والمقاومة
٢١ ديسمبر ٢٠١٩بعد نهاية حكم سلالة كينغ (1644 ـ 1911) آخر سلالة قيصرية في الصين سقطت المناطق الغربية والشمالية الواسعة على أطراف الإمبراطورية كإرث في حضن الجمهورية الصينية القائمة عام 1912. لكن فقط مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية في 1949 توطدت الهيمنة الفعلية للحكومة المركزية على مناطق الأقليات التي تشكل مناطقها 65 في المائة من مساحة الأراضي، بينما تشكل المجموعات الشعبية التي تعيش هناك فقط نحو 8 في المائة من مجموع السكان. والمجموعة العرقية الأكبر هم صينيو الهان. ورسميا يتم تسجيل 55 أقلية عرقية إضافية تعيش في جزئها الأكبر في خمس مناطق مستقبلة ذاتيا.
غياب آلية تطبيق الحكم الذاتي
وحتى في مناطق أخرى أو أقاليم توجد مناطق سكنية لأقليات مثل إقليم كينجاي المكون في الغالب من محافظات تيبتية مستقلة ذاتيا. وفي يونان على الحدود مع ميانمار ولاوس وفيتنام يعود نحو نصف المساحة لثمانية محافظات مستقلة لأقليات مختلفة. والأكبر بينها أقلية مياو (10 ملايين) أو اليي أو نووسو (8.7 ملايين) والتويا (8.3 ملايين). لكن الأمر هنا لا يتعلق باستقلال ذاتي حقيقي، كما يفيد خبير الشؤون الصينية توماس هيبرير في مقال يعود لعام 2008 وجاء فيه: " رغم حقوق الاستقلال الذاتي المتجذرة في الدستور وفي القوانين لا توجد وسائل قانونية وسياسية لفرض هذه القوانين المرنة. كما أن قانون الاستقلال الذاتي الصادر في 1984 لا ينص على حق مشاركة الأقليات في قضايا مهمة مثل هجرة الهان وتمركز الصناعة أو حماية الموارد الطبيعية".
المقاومة في التيبت وشينجيانغ
يتم اندماج الأقليات المختلفة في المجتمع الذي يطغى عليه الهان بشكل مختلف. وفي الوقت الذي تم فيه إدماج الصينيين الزوانغ في الجنوب أو المانشو في الشمال الشرقي، يتمسك التبتيون والإيغور بهدف الحصول على استقلاليهم. وفي حالة التيبت يأتي قمع الذين يمجدون الزعيم الروحي الدلاي لاما. وفي مارس 1989 أعلنت بكين في لاسا القوانين العرفية بعد احتجاجات، وفي عام 2008 شهدت جميع أراضي التيبت اضطرابات.
الهجرة القوية للهان إلى شينجيانغ ساهمت هناك في ظهور توترات اجتماعية. في 1949 كان هناك فقط أربعة في المائة من الصينيين الهان والآن تصل نسبتهم إلى نحو 40 في المائة. والمسلمون الأيغور يمثلون بنحو 46 في المائة الأغلبية النسبية بين نحو 24 مليون من السكان. وفي الثلاثيات والأربعينيات حصل مرتين بدعم سوفياتي تأسيس وجيز "لجمهورية شرق تركستان". فالإيغور هم أكبر شعب في وسط آسيا بدون دولة.
السيطرة على شينجيانغ أولوية
وبالنسبة إلى بكين تكتسي التدابير القمعية لأي تطلعات انفصالية في شينجيانغ أولوية قصوى. وهذا يصبح ساريا أكثر من ذي قبل منذ أن باتت المنطقة تلعب بسبب وضعها الجغرافي دورا رئيسيا في مشروع الرئيس الصيني لطريق الحرير الجديدة. "من المهم بالنسبة إلى الصين أن تستقر منطقة شينجيانغ سياسيا كي يتقدم المشروع"، كما قال باسل تسيمرمان، مدير معهد كونفوزيوس في جنيف قبل أيام لصحيفة "تاغس أنتسايغر" السويسرية.
وبغض النظر عن دورها في مشروع طريق الحرير تلعب منطقة شينجيانغ دورا مهما في تسليح الصين. ففي السابق كانت الصين تجرب هناك في الصحراء أسلحتها النووية، واليوم يوجد في شينجيانغ حقل التجارب للصواريخ المضادة للسفن التي يريد بها الصينيون يوما ما محاصرة البحرية الأمريكية المتفوقة.
وحصلت في شينجيانغ وكذلك خارج المنطقة ومنذ بداية التسعينات من حين لآخر اعتداءات بالقنابل وهجمات بالسكاكين ضد سكان الهان من طرف أيغور راديكاليين. وبعض الاعتداءات تحمّل مسؤوليتها "الحزب الاسلامي لتركستان" والذي تربطه علاقات مع تنظيمي "القاعدة" و "داعش" الإرهابيين. ومنذ 2017 لم تُسجل أية اعتداءات كبيرة.
لماذا نظام المعسكرات؟
في هذه الأثناء اقامت القيادة الصينية بشكل سري نظام المراقبة والمعسكرات المعروف عالميا في شينجيانغ لإعادة تأهيل الأيغور بالإكراه. ومن خلال ذلك يُراد منهم أن يتكلموا الصينية عوضا عن الأيغورية وعوض ترتيل القرآن ترديد خطابات الرئيس شي جيبينغ. "ليس هناك شيء يدعو إلى سجن أناس ضد إرادتهم لسلبهم ثقافتهم وفرض أخرى أجنبية عليهم. لكن يبدو أن جهات داخل الحكومة الشيوعية تعتبر هذا أسلوبا ناجعا للتعامل مع مشاكل منطقة شينجيانغ"، كما يشرح باسل تسيمرمان الإجراءات التي يشجبها الغرب. ويفيد خبراء آخرون بأن القيادة الصينية لا تريد فقط ممارسة السلطة، بل تغيير الهوية الثقافية والدينية للأيغور من خلال تلقين نظام أيديولوجي موحد.
أقلية هوي المسلمة معنية أيضا
وحتى في مناطق أخرى ذات أقليات مسلمة تراهن بكين حتى ولو أنها لم تبدأ بالتنفيذ بعد على إعادة تأهيل بالإكراه على غرار ما تقوم به في شينجيانغ بهدف "بث الروح الصينية" في معتقد الآخرين. وهذا ما تلمسه بوجه خاص أقلية "هوي" التي تُعتبر ثاني أكبر أقلية في الصين بعدد سكان يصل إلى نحو 10.5 مليون نسمة. والهوي ليس لهم بخلاف الأقليات الأخرى لغة خاصة بهم. إنهم أحفاد التجار العرب الذين وصلوا الصين قبل 1500 سنة. فالهوي يتحدثون الصينية ويعيشون موزعين في مناطق الصين.
وفي منطقة سكنهم الرئيسية، منطقة ذات الحكم الذاتي تضاعف عدد المساجد من 1958 حتى 2016 إلى 4000 مسجد. ومنذ أبريل 2018 عندما تم نقل الشؤون الدينية من المكتب الحكومي المسؤول إلى وحدة الأيدولوجية التابعة للحزب الشيوعي الصيني، باتت المساجد تحت مجهر "بث الروح الصينية". وإذا لم تتعرض القبب والمآذن للتدمير، فإنه يعاد بناؤها على الأسلوب الصيني. ودور الحضانة والمدارس الدينية التي يسيرها الهوي تم إغلاقها. والأئمة في المحافظات يجب عليهم الخضوع شهريا لتعاليم الأيدولوجية الحكومية وسياسة الحكومة تجاه الأقليات.
انتظار أوقات أفضل
والأسلوب القاسي الجديد تجاه المسلمين السنة من الهوي الذين عاشوا سابقا بعيدا عن رادار القيادة الصينية، يعود "جزئيا لخوف القيادة من تسرب توجهات اسلامية متطرفة من العربية السعودية ودول الخليج إلى الصين"، كما جاء في التحقيق الصحفي للقناة الأمريكية ن ب ر في سبتمبر 2019. وفي الأثناء يحاول بعض أعضاء أقلية الهوي التعايش مع الأسلوب الجديد للسياسة الدينية دون التكيف معها كليا. وبعض الهوي يعبرون عن هدوء ويأملون في مجيء أوقات أفضل:" من يدري كيف سيتغير المحيط السياسي؟ لا نريد اليوم هدم قببنا لبنائها في السنة المقبلة من جديد على حسابنا".
هانس شبروس/ م.أ.م