من الجامعة الفرع إلى الجامعة الأم .. رحلة علمية أنثوية
١٠ فبراير ٢٠١٤كان افتتاح جامعة جديدة في عُمان تابعة لجامعة آخن التقنية للتكنولوجيا عام 2007 حلاً مثالياً لكثير من الطلبة العمانيين وذويهم، ذلك أن الكثير من العائلات ترغب في حصول أبنائها على تعليم جامعي متميز وفقاً لأفضل المعايير العالمية، وفي الوقت ذاته تفضل بقاءهم بالقرب منها.
وقد استطاعت الجامعة العُمانية الألمانية للتكنولوجيا (جي يو تك) تحقيق هذا الهدف لكثير من الطلبة الراغبين بالدراسة وفقاً للمعايير الألمانية، إذ مكنتهم من الحصول على تعليم ألماني على أرض خليجية. فجامعة آخن هي المسؤولة عن وضع المناهج وعن أسلوب التدريس. كما أنها مسؤولة أيضاً عن ضمان نوعية وجودة التعليم. ولتعزيز روح التعاون بين الجامعة الألمانية العمانية والجامعة الأم، فإن الجامعتين تعمدان إلى تنظيم برامج تبادل لتمكين الطلاب من التعرف على مجتمع وثقافة الآخر.
وقد أتاحت هذه البرامج للخريجات خلال فترة دراستهن الأولى فرصة الاطلاع على المجتمع الألماني والثقافة الألمانية عن كثب، كما مكنتهن من التعرف على الجامعة الأم وأنشطتها البحثية وتخصصات الماجستير فيها، ما شجعهن على الانضمام إليها للحصول على شهادة الماجستير وربما الدكتوراه مستقبلاً.
صدمة ثقافية!
حول انطباعاتها الأولى حول مدينة آخن الألمانية، تقول عائشة فاروق، إحدى خريجات الفوج الأول من "جي يو تك": "بالرغم من أنها لم تكن الزيارة الأولى لأوروبا، إلا أنني صدمت عندما وصلت إلى مدينة آخن، فكل شيء مختلف"، مذيفة أنه "خلال فترة دراستي للبكالوريوس، قمت بزيارة ألمانيا مرتين ضمن البرامج المشتركة بين الجامعتين، وقد أعجبتني مدينة آخن لموقعها الاستراتيجي في قلب أوروبا ولتاريخها العريق. وكطالبة في مجال العمارة وتخطيط المدن، فقد كانت تجربة مميزة لي".
هذا وقد عملت عائشة ضمن زيارتها الثانية إلى ألمانيا في مشروع مشترك مع عدد من الطلبة الألمان في جامعة آخن وأعجبت بالأسلوب الألماني في العمل. لذلك تولدت لديها رغبة قوية لدراسة الماجستير في آخن. وتوافقها الرأي زميلتها كوثر القرشي، الحاصلة على بكالوريس في علوم الجيولوجيا التطبيقية، مؤكدة أن زيارتها الأولى لألمانيا كانت بمثابة "صدمة" على حد تعبيرها. وتتابع كوثر بالقول: "كان كل شيء جديداً ومختلفاً، وكنت متحمسة جداً". وعن أسباب اختيارها لجامعة آخن التقنية، تقول: "زرت ألمانيا ثلاث مرات خلال البكالوريوس، وفي آخر زيارة أخبرني البروفسور في جامعة آخن عن وجود برنامج للماجستير باللغة الإنجليزية، ما شجعني على متابعة دراستي هنا".
اختلاف في المكان ووحدة في الأسلوب
وعلى الرغم من المسافة الشاسعة بين الجامعتين، إلا أن الخريجات أكدنّ أن أسلوب التدريس في كلتا الجامعتين متشابه لحد كبير. وقد اعتدن على هذا الأسلوب خلال فترة البكالوريوس في جامعة "جي يو تك"، لأن غالبية أعضاء الهيئة التدريسية من الأساتذة الألمان، وهو أمر تؤكده رييكا ريشكه، مسؤولة التخصصات الهندسية لدى مكتب ارتباط جامعة "جي يو تك" في آخن، في رسالة إلكترونية إلى DW عربية. وتوضح ريشكه أن جامعة "جي يو تك"، كما هو الحال في جامعة آخن، تفرض معايير صارمة في اختيار موظفيها.
وفي سياق متصل، تشير طالبة هندسة نظم البرمجيات نورهان عبد الحليم إلى أنه يتعين على الطالب أن يعتمد بصورة أكبر على نفسه في جامعة آخن. ويعود السبب في ذلك، في رأيها، إلى أن أعداد الطلبة في آخن أكبر منها في الجامعة الألمانية العُمانية، مما لا يتيح للأستاذ الجامعي متابعة كل طالب على حدة، كما هو الحال في "جي يو تك".
تحديات أم خبرات؟
وبالرغم من زيارتهن لألمانيا خلال فترة البكالوريوس واطلاعهن على أسلوب الحياة فيها، إلا أن الخريجات العمانيات واجهن تحديات وصعوبات لدى وصولهن لألمانيا. وشكل تعلم وإتقان اللغة الألمانية التحدي الأكبر لنورهان، التي تحس أن هناك ضغط يمارس على الطالب الأجنبي من المجتمع المحيط لتعلم اللغة. كما أن وجود عدد كبير من الطلبة في جامعة آخن شكل تحدياً آخر بالنسبة لها، فهي كانت معتادة خلال دراستها في عُمان على التعامل مع أعداد قليلة من الطلاب.
أما بالنسبة لعائشة وكوثر، فقد كان التحدي الأكبر لهما هو العثور على مسكن، كما واجهتهما بعض الصعوبات التي تواجه أي طالب ينتقل للعيش في مجتمع جديد بعيداً عن أهله، مثل الموازنة بين الدراسة وأمور الحياة اليومية من مشتريات وتحضير طعام وغيرهما. وفي هذا الصدد، تؤكد عائشة أن هذه التحديات، وفي ألمانيا تحديداً، أكسبتها خبرات جديدة ما كانت لتكتسبها في موطنها الأصلي.
تباين في الاندماج
هذا وقد تباينت وجهة نظر الطالبات حول مفهوم الاندماج، إذ ترى عائشة أنه يتعين على المرء أن يبذل جهداً حتى يكون بمقدوره الاندماج في المجتمع الجديد. لذلك، عملت هي على تكوين صداقات مع طلاب ألمان. حتى أنها دعيت من قبل إحدى صديقاتها الألمانيات لقضاء عطلة عيد الميلاد ورأس السنة في بيتها، وبالتالي أتيحت لها فرصة التعرف على عائلة ألمانية والاحتفال معها.
أما بالنسبة لكوثر، فإنها تعتقد أن الاختلافات الثقافية كبيرة بين مجتمعها وبين المجتمع الألماني. وعلى الرغم من وجود صداقات مع ألمان، إلا أنها لم تندمج كثيراً معهم، "فخير الأمور الوسط"، على حد تعبيرها. وكذا هو الحال بالنسبة لنورهان، التي شكلت العديد من الصداقات مع الطلاب الألمان وتحاول التحدث وتبادل الأفكار معهم باللغة الألمانية.
نظرة للمستقبل
وحول مشاريعهن وخططهن المستقبلية، تقول عائشة: "قد أستطيع الإجابة عن هذا السؤال بعد إنهاء دراسة الماجستير. فإذا كنت أتطلع لاكتساب العلم والخبرة فإنني سأفضل البقاء في ألمانيا، وإذا كنت أرغب بالعمل فسوف أعود إلى عُمان". وأضافت موضحة أن المجتمع العُماني بحاجة إلى الكفاءات الشابة التي تستطيع أن تقدم شيئاً جديداً للبلد. أما كوثر، فأشارت إلى نيتها العودة حتى تتمكن من إفادة بلدها من الخبرات التي اكتسبتها في ألمانيا، موضحة أن تجربتها في ألمانيا جعلتها أقوى وأكثر حماسة للعمل والعطاء.
وهذا ما أكدته كذلك زميلتها نورهان، التي استفادت هي الأخرى من تجربتها في ألمانيا، التي مكنتها من التعرف على حضارة ولغة وثقافة جديدة. وأعلنت نورهان عن رغبتها في إكمال مسيرتها التعليمية من أجل الحصول على درجة الدكتوراه في بلد آخر، كي تتاح لها فرصة اكتشاف مجتمع جديد والتعرف عليه. ومن اللافت للنظر أن معظم خريجي الجامعة الألمانية العمانية للتكنولوجيا الذين التحقوا بجامعة آخن التقنية هم من الجنس الناعم، ما يعني أن السفر من أجل تحصيل العلم لم يعد حكراً على الذكور دون الإناث.