"مكبات صحراوية".. واقع مرير يواجهه المهاجرون الأفارقة بتونس
٢٥ مايو ٢٠٢٤بنبرة يعتصرها الأسى، قال التشادي مامادو "نعيش في كنف الخوف ليلا ونهارا فالخوف لا يفارقنا" في جملة تسرد وضعه المرير في تونس بعد مرور أقل من شهر على محاولته الفاشلة على يد عصابات تهريب البشر للوصول إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية الواقعة في البحر المتوسط شرق السواحل التونسية.
وفي مقابلة مع DW من داخل مخبئه في بستان أشجار الزيتون قرب مدينة صفاقس الساحلية، قال مامادو "أخذ خفر السواحل التونسيون هواتفنا المحمولة وأموالنا، ثم اقتادونا إلى الحدود الليبية حيث جردونا من ملابسنا وتركونا وشأننا".
وأضاف مامادو، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته، أنه اضطر إلى قطع مسافة تقترب من 240 كيلومترا في الصحراء القاحلة حتى وصل في نهاية المطاف إلى البستان حيث يختبئ معه الآف المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى على أمل أن تتاح لهم فرصة عبور البحر المتوسط للوصول إلى السواحل الأوروبية.
وفي ذلك، قالت لورين سيبرت، الباحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن ما عاصره مامادو وغيره يأتي في إطار "عمليات طرد جماعية غير قانونية أو ما يطلق عليه الناس مكبات صحراوية".
ويتفق في هذا الرأي خبير تونسي متخصص في قضايا الهجرة تحدث إلى DW شريطة عدم الكشف عن هويته. وقال الخبير إنه في الماضي كانت هناك عمليات طرد، لكنها كانت بوتيرة أقل إذ كانت تحدث عند اعتراض السلطات التونسية قوارب المهربين المنطلقة من ليبيا، مشيرا إلى أن هذه العمليات لم تكن تُجرى بشكل منهجي. وأضاف "لكن يبدو أن عمليات الطرد باتت تتسم الآن بالمنهجية حيث شملت اعتقالات في مدن مثل صفاقس وجرجيس فضلا عن التغيير الذي طرأ على طريقة التعامل مع المهاجرين الذين يتم اعتراضهم في عرض البحر".
تزامن هذا مع تقرير صدر عن منصة " لايتهاوس ريبورتس" Lighthouse Reports الاستقصائية بمشاركة 39 صحافيا يعملون في وسائل إعلام دولية مثل صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية وموقع "تاغيسشاو" الألماني. وأشار التقرير إلى ما يُطلق عليه "مكبات صحراوية". وبعد تحقيقات امتدت لعام، خلص التقرير إلى أن عناصر من الحرس الوطني التونسي كانت في "مركز عمليات المكبات الصحراوية" فيما يأتي جُل التمويل من دول أوروبية.
تونس.. هل باتت "حارس" الحدود الأوروبية؟
يُشار إلى أنه منذ عام 2023، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقيات شراكة في مجال الهجرة مع مصر والمغرب وموريتانيا وتونس بما يشمل تقديم تمويلات مالية لتعزيز قدرة هذه البلدان على الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وتعد تونس منذ سنوات نقطة إطلاق رئيسية للمهاجرين الأفارقة الراغبين في قصد القارة الأوروبية منذ عام 2015 الذي تزامن مع خفض متطلبات الحصول على تأشيرة دخول البلاد على وقع حاجتها إلى العمالة الرخيصة في الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية ما جعلها مكانا يمكن المهاجرون من جمع الأموال قبل عبورهم البحر المتوسط.
وبمرور الوقت، تحولت مدينة صفاقس الساحلية التونسية إلى مركز رئيسي لعمليات تهريب المهاجرين غير النظاميين بفضل موقعها على بعد أقل من 150 كيلومترا عن جزيرة لامبيدوزا التي تعد نقطة أولية لتقديم طلبات اللجوء.
بيد أنه في فبراير / شباط العام الماضي، تسبب الرئيس التونسي قيس سعيد في تغيير المزاج العام حيال المهاجرين الأفارقة إذ زعم أن تدفق المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى إلى تونس كان يرمي إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في البلاد. وقال في حينه إن "الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية، هدفها غير المعلن هو اعتبار تونس دولة إفريقية فقط ولا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية".
وتلى ذلك شن حملات أمنية استهدفت بشكل رئيسي مهاجرين من بلدان الصحراء الكبرى نجم عنها طردهم من منازلهم وإرغامهم على ترك العمل فيما وصل الأمر إلى حد احتجازهم بشكل تعسفي مع تعرض الكثير منهم إلى مضايقات في شوارع البلاد.
وبعد حملات إدانة دولية واسعة النطاق، زار قيس سعيد صفاقس في محاولة لإظهار الدعم. ورغم ذلك، لم يتغير المزاج العام في البلاد تجاه المهاجرين الأفارقة. وفي يوليو / تموز الماضي، عرضت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين على تونس إبرام "برنامج شراكة" بقيمة مليار يورو تتضمن حزمة مساعدات إضافية بقيمة 105 ملايين يورو في مجال ضبط الحدود ومكافحة جرائم تهريب البشر.
ومنذ ذلك الحين، بات يُنظر إلى تونس باعتبارها حارسا لحدود الاتحاد الأوروبي رغم نفي الحكومة، إذ أكد قيس سعيد على أن بلاده لن تقبل أن تصبح "حارس حدود لدول أخرى". ورغم ذلك، قال نشطاء حقوقيون إن تونس باتت تلعب هذا الدور بشكل متنام خاصة مع زيادة وتيرة عمليات الطرد الجماعية غير القانونية التي تستهدف المهاجرين الأفارقة.
وفي تعليقها، قالت لورين سيبرت إن قيام الاتحاد الأوروبي بزيادة التمويلات المخصصة للسيطرة على الهجرة غير النظامية لن ينجم عنه إلا "تشجيع عمليات الطرد الجماعي التي تتعارض مع القوانين المحلية والقانون الدولي". وتعقيبا على تقرير لايتهاوس ريبورتس، قالت المتحدثة باسم المفوضية آنا بيسونيرو إنه "في بعض الأحيان يكون الوضع صعبا في الدول الشريكة لنا... (لكنها) تظل دولا ذات سيادة وتسيطر على قواتها الوطنية".
وأضافت أن الاتحاد الأوروبي يراقب البرامج التي يمنحها التمويل، وأشارت إلى تعهدات الدول الشريكة بالالتزام بمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان. وفي المقابل، انتقدت الباحثة سيبرت التصريحات الأوروبية، قائلة: "صرحت المفوضية الأوروبية في السابق بأنها لا تدعم هذا النوع من عمليات الطرد الجماعية، لكن الواقع يشير إلى وجود ارتباط بين التمويل المقدم من الاتحاد الأوروبي واستمرار هذه الممارسات".
"منهجية عمليات الطرد"
الجدير بالذكر أنه في يوليو/تموز الماضي، قامت السلطات التونسية بترحيل نحو 1200 مهاجر إلى الحدود مع ليبيا ما أثار إدانات دولية واسعة النطاق. وقال الخبير التونسي في قضية الهجرة إن العملية "أدت إلى أزمة إنسانية تمثلت في وفاة العديد من المهاجرين بينهم أطفال فضلا عن أنها تسببت في حدوث أزمة سياسية بين ليبيا وتونس".
وعلى وقع ذلك، توقفت عمليات الترحيل الجماعية في أواخر يوليو/تموز الماضي، لكنها استؤنفت بحلول منتصف سبتمبر/أيلول المنصرم عندما بدأت السلطات التونسية مرة أخرى في احتجاز أعداد كبيرة من الأشخاص تمهيدا لترحيلهم.
وقال الخبير إن "بعض عمليات النقل تتم إلى الحدود الجزائرية التي تشهد توترات متنامية، أو إلى الحدود الليبية"، مضيفا أنه رغم أن "عمليات الطرد الحالية التي تنفذها السلطات التونسية صوب الحدود الليبية لا تؤدي إلى أزمة إنسانية حيث تقوم السلطات الليبية بجمع المهاجرين بسرعة كبيرة، لكن نقلهم إلى مراكز الاحتجاز يعرض المهاجرين لخطر سوء المعاملة والابتزاز".
ساعد في إعداد التقرير: طارق القيزاني من تونس
أعده للعربية: محمد فرحان