هل يرحّل الاتحاد الأوروبي اللاجئين إلى تونس؟
٢٨ أبريل ٢٠٢٤يرى مراقبون أن تونس قد تكون من الناحية النظرية المكان الرئيسي المفضل لاستقبال طالبي اللجوء الذين ترفض بلدان الاتحاد الأوروبي منحهم حق اللجوء وفق التشريعات الجديدة، على غرار "خطة رواندا" الرامية إلى ترحيل طالبي اللجوء من المملكة المتحدة إلى الدولة الواقعة في وسط القارة السمراء بعد تصنيفها بلد "آمن" للمهاجرين.
بيد أن الاعتبارات النظرية لا تتوافق مع معطيات أرض الواقع رغم تحول السواحل التونسية منذ فترة طويلة إلى نقاط انطلاق يقصدها المهاجرون القادمون من منطقة شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء الكبرى في طريقهم إلى البلدان الأوروبية.
يُشار إلى أنه في أبريل/نيسان الجاري، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد رفض بلاده "أن تكون ممرا للعبور أو مكانا لتوطين" المهاجرين واللاجئين الذين يتم ترحيلهم من بلدان الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أن "تونس لا يمكن أن تكون حارسة إلا لحدودها".
ورغم أن نبرة تصريحات قيس سعيد بشأن اللاجئين ليست الأولى من نوعها، إلا أن اللافت أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أيدت موقفه في رفض نسخ "خطة رواندا" على الأراضي التونسية.
فخلال زيارتها إلى تونس في وقت سابق من الشهر الجاري، أكدت ميلوني على مبدأ أن "تونس لا يمكن أن تكون بلد وصول للمهاجرين" من بقية دول أفريقيا فيما يأتي ذلك رغم أن كلا من الاتحاد الأوروبي وروما يسعيان إلى الحد من تدفق المهاجرين غير القانونيين انطلاقا من تونس.
بيد أن مراقبين يقولون إن التوجه الإيطالي الجديد يأتي بعد الموافقة على ثلاث اتفاقيات جديدة مع تونس في إطار "خطة ماتي من أجل أفريقيا" بقيمة 105 مليون يورو (111.7 مليون دولار) بهدف تنمية الفرص الاقتصادية في القارة السمراء ومنع الهجرة إلى أوروبا.
ويقول مراقبون إن هذه الشراكة نجحت في خفض معدلات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا.
وبحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد اعترض قوات خفر السواحل التونسية حتى منتصف أبريل / نيسان الجاري أكثر من عشرين ألف مهاجر قبل عبورهم صوب السواحل الأوروبية. تزامن هذا مع وصول قرابة 16 ألف مهاجر انطلاقا من تونس بشكل رئيسي وجزئيا من ليبيا والجزائر بما يشكل نصف عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا خلال الفترة ذاتها العام الماضي.
تونس ...هل هي آمنة للمهاجرين؟
وفي مقابلة مع DW، قالت كيلي بيتيلو، منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن اتفاق الاتحاد الأوروبي مع تونس "يرمي إلى إبقاء المهاجرين واللاجئين خارج الاتحاد الأوروبي وليس تونس".
وأضافت أن هذه الاتفاقيات لا تشير إلى حقيقة مفادها أن تونس لا يمكن أن تكون "دولة آمنة" في ضوء أن قيس سعيد عمد ليس فقط إلى تفكيك معظم المؤسسات الديمقراطية في البلاد بعد استحواذه على السلطة في يوليو / تموز عام 2021، وإنما أيضا إلى استهداف المهاجرين.
وفي تعليقها، أشارت بيتيلو إلى أن "الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي وإيطاليا تقوض حقوق اللاجئين والمهاجرين" فيما تتفق في هذا الرأي سلسبيل شلالي، مديرة مكتب منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تونس.
وقالت سلسبيل إن "المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين في تونس يواجهون انتهاكات خطيرة ترتكبها قوات الأمن بما في ذلك الحرس الوطني وخفر السواحل خلال عمليات اعتراضهم في عرض البحر".
وأضافت في مقابلة مع DW إن هؤلاء المهاجرين واللاجئين بمجرد إعادتهم إلى تونس يواجهون سوء المعاملة ويضطرون إلى العيش في كنف الاعتقال التعسفي والطرد الجماعي"، لكنها قالت إن الأمر لا يرجع فقط إلى الحملة التي قام بها قيس سعيد لاستهداف المهاجرين واللاجئين.
وقالت إن "الأمر يرتبط أيضا بسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية التي تمضي قدما في تمويل عمليات مراقبة الهجرة في تونس على حساب قيم وحقوق الإنسان داخل الاتحاد الأوروبي".
بدورها، أشارت لورين سيبرت، الباحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش، إلى تفاقم وضع المهاجرين في تونس في الوقت الراهن مقارنة بالفترات السابقة، مضيفة أن تونس تفتقر إلى قانون أو نظام وطني خاص باللجوء. وشددت على أن مثل هذه القوانين من شأنها أن توفر الإطار القانوني لممارسة حق اللجوء.
وأضافت أنه "في الوقت الذي يحق فيه للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تسجيل طالبي اللجوء واللاجئين في تونس، إلا أن الدعم الإنساني غير كاف فيما يعاني الكثير منهم من وضع معيشي بائس بلا مأوى."
وتشير المفوضية إلى أنه جرى تسجيل أكثر من أثني عشر ألف لاجئ وطالب لجوء في تونس.
وفي السياق ذاته، قالت هايكه لوشمان، مديرة مكتب تونس في مؤسسة "هاينريش بول"، في مقابلة مع DW إن رئيسة الوزراء الإيطالية "تدرك جيدا أن قرابة 80 ألف مهاجر ينحدرون من دول جنوب الصحراء الكبرى ينتظرون في مزارع الزيتون جنوب صفاقس على أمل تحسن الطقس".
وميدانيا، قال مصطفى عبد الكبير، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، إن الوضع في الجدارية بمنطقة جرجيس - جنوب تونس - أصبح سيئا على نحو خاص، مضيفا في مقابلة مع DW أن "المنطقة نائية وتفتقر إلى مرافق المعيشة والعمل. ورغم ذلك، جرى جلب مئات اللاجئين إلى هذه المنطقة حيث تُركوا وشأنهم".
استرضاء التونسيين
ويستبعد المراقبون أن يقدم الرئيس التونسي على التعاطي مع الوضع الإنساني المتردي الذي يئن تحت وطأته المهاجرون في تونس، إذ سيسعى في المقام الأول إلى إنهاء الأزمة الاقتصادية بهدف استرضاء التونسيينقبيل الانتخابات الرئاسية المخططة في أكتوبر/تشرين الأول.
وفي مقابلة مع DW، قالت أوتا ستاشيوسكي، التي ترأس مكتب تونس في مؤسسة هانس سايدل الألمانية، "تستند وجهة النظر التونسية على أن الجمهور يجب أن يدرك أن الاتفاقيات والتعاون الثنائي تعزز مصالح البلاد الوطنية".
وأضافت أنه من هذا المنطق، فإن الجانب الأبرز من الاتفاق الإيطالي الذي سيُجرى تسليط الضوء عليه خلال الأشهر المقبلة سيتمثل في أن روما - بموجب الاتفاق - سوف تمنح 12 ألف تصريح إقامة للعمالة التونسية الماهرة على مدى السنوات الثلاث المقبلة بهدف تعزيز الهجرة النظامية.
أعده للعربية: محمد فرحان