مكافحة التطرف والعنصرية في مقدمة اهتمام الحكومة الألمانية
٢١ أبريل ٢٠٠٦أثار حادث الاعتداء على مواطن ألماني من أصل إثيوبي في مدينة بوتسدام الواقعة شرق العاصمة الألمانية برلين ضجة عارمة في الأوساط الشعبية والسياسية. وعلى خلفية هذا الحادث تم طرح مجموعة من التساؤلات المتعلقة باحترام الحقوق المدنية للمواطنين الألمان ذوي الأصول الأجنبية. وقد تعرض هذا الشخص (37 عاما) ليلاً للضرب في الشارع على أيدي متطرفين يمينيين. وهو الآن في غيبوبة اصطناعية ومازال في حالة خطرة. وتبع هذا الحادث اعتداء آخر على مواطن يمني الأصل (37 عاماً) تلقى إصابات في رأسه من طرف رجلين في محطة مترو، ولم تستبعد الشرطة فرضية الاعتداء العنصري. وفي الوقت الراهن لم تعط الشرطة أي دليل واضح حول المتورطين في هذا الاعتداء. كما لم تتوان المستشارة الألمانية بالتنديد بهذا الجرم الفظيع. وفي غضون ذلك يعكف الخبراء والمتخصصون في قضايا الهجرة والاندماج ومكافحة العنصرية على بحث الوسائل اللازمة للحيلولة دون تكرار مثل هذا الموقف، نظراً لأن تنامي المشاعر القومية والدينية إلى أقصى درجات العنف والتطرف والكراهية في المجتمع، وتبادل الاتهامات وانفلات مد النزعات العنصرية والدينية بشكل مخيف، يهدد التعايش السلمي في المجتمع الألماني.
تسييس التطرف
يذهب البعض إلى أن المستفيد الأول من تسييس التطرف العنصري هم أولئك، الذين يؤمنون بأن ألمانيا حكر على المواطنين الألمان، وهم أفراد وجدوا ضالتهم داخل حركات وأحزاب يمينية وعنصرية تشجع على نبذ الآخر ورفض التنوع الثقافي. ومن ناحية أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً محورياً في هذه القضية كجريدة يولاند بوستن، على سبيل المثال، التي يتهمها البعض أنها نهجت في أسلوبها سياسة التمييز والعنصرية، وشجعت على تشديد حدة الكراهية ضد الجاليات الأجنبية المتواجدة في أوروبا. وتتحمل وسائل الإعلام الغربية جزءاً من المسؤولية في هذا التصعيد العنصري ضد الأجانب، لذلك فهي مطالبة بالنزاهة والشفافية في التعامل مع كل القضايا الوطنية. ومن هنا يجب عليها ألا تهمش من يمكنهم التعبير عن مشاكل وأوضاع الجاليات في الدول الأوربية الأخرى، بشكل متمدن وحضاري ودون التستر بالدين والخلفيات الثقافية والسياسية.
تهديد علني لليمين المتطرف
ومن جهته سجل ماريو بويكر الباحث الألماني في قضايا التمييز العنصري بجامعة بامبرغ نمواً كبيراً لليمين المتطرف بألمانيا وتصعيداً مستمراً لأعمال العنف والشغب. ويرى بويكر "أن المتطرفين لا يحتاجون الآن للتستر للقيام بأعمالهم التخريبية، ويهددون علنا وفي كل لحظة بمظاهرات حاشدة." وفي هذا الاطار يُعد قيام حزب اليمين المتطرف بمنع إحياء حفل موسيقي مناهض للنازية يترأسه الفنان كونستانتين فيكر بولاية ساكسونيا مثالاً حياً على ذلك. كما أكد بويكر على أن "وتيرة الإجرام اليميني المتطرف قد ارتفعت في السنوات الأخيرة بشكل كبير. وأن أثر إجرامهم أصبح جليا للعيان حتى على ألبستهم الملطخة بشعارات النازية." ومن جانبه أكد فولفغانغ تيرزه، نائب رئيس البرلمان الاتحادي الألماني (البندستاغ)، في مقابلة مع التلفزيون الألماني الأول أجريت معه أمس على ضرورة تحمل كل الولايات الألمانية مسؤوليتها في عملية مكافحة العنصرية. لكنه حذر من المبالغة والتعميم في تصوير هذه الإشكالية، "لأن العداء للأجانب مشكلة تختلف حدتها من مدينة لأخرى في شرق ألمانيا، ولكي نكون منصفين، فإن مدينة بوتسدام قد قامت باتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الأمر. ولم تلجأ قط لوسائل التعتيم للحفاظ على ماء وجهها. بل كانت شجاعة وواجهت الموقف." وأشار فولفغانغ تيرزه إلى أن هناك حالات مشابهة في الولايات الغربية الألمانية، إلا أنها ليست بهذه الحدة. وأضاف تيرزه أن التطرف بصورة عامة، كان يمينيا او يساريا أو إسلامويا، يجب أن يحارب بكل الوسائل المتوفرة.
حلول مرتقبة لمكافحة التطرف
أبدت حكومة المستشارة الألمانية ميركل استعدادها دعم كل البرامج الهادفة إلى مكافحة التطرف بشتى أنواعه. وستتضافر كل الجهود لإنجاح هذا المشروع الصعب. وستتولى الحكومة مسؤولية الإشراف عليه مستقبلا. وجاء على لسان غابريلة فوغغوشر من الحزب الاشتراكي الديموقراطي والخبيرة في مكافحة التطرف اليميني، أن "انتشار التطرف العنصري عامة لا يجب أن يشغلنا عن مكافحة التطرف اليميني السائد بشرق ألمانيا. وخير دليل على ذلك ما وقع مؤخرا بمدينة بوتسدام. نحن نرى أن كل شيء يمكن أن يكون خاضعا للنقاش والنقد، ومطروحا للحوار. فالتطرف جملة وتفصيلا يعبرعن كراهية غير مبررة كان الهدف منها تشديد الاختلاف والصدام بين الاتجاهات الدينية والثقافية والسياسية في المجتمع الألماني والعالم أجمع. ونحن ملزمين بالممارسة الديمقراطية التي تحثنا في حسم الخلافات عبر الحوار الحضاري "، على حد قولها.