طريق نجاح أردوغان في الانتخابات يمر عبر دمشق وموسكو
١٧ يناير ٢٠٢٣لا يكاد يمر يوم دون أن تنشر وسائل الإعلام التركية أحدث نتائج الاستطلاع حول الانتخابات القادمة في يونيو/ حزيران هذا العالم. الحكومة لا تزال مترددة في إعلان الموعد المحدد للانتخابات، والمعارضة تحجم عن إعلان مرشحها المشترك لأسباب تكتيكية.
في غضون ذلك، فإن استطلاعات الرأي في المعسكر الحكومي لا تجلب لها أخباراً سارة. رجب طيب أردوغان، الذي يحكم منذ عشرين عامًا، يواجه صعوبات كبيرة، وتنتشر حوله سيناريوهات متعلقة بهزيمة انتخابية محتملة.
يتحدى الرئيس وحكومته الاتجاه العام بمجموعة متنوعة من المبادرات. هذا النشاط السياسي ليس نادرًا في الفترة التي تسبق انتخابات مهمة. فالأمر لا يتعلق بالسياسة الاقتصادية فقط، التي هي محور الحملة الانتخابية في ضوء التطورات والأزمات التي شهدتها البلاد السنوات الأخيرة.
إذ تلعب السياسة الخارجية أيضًا دورًا مهمًا في الحصول على أصوات الناخبين: فالرئيسأردوغان بارع في استخدام السياسة الخارجية لأغراض سياسية داخلية. فبالإضافة إلى الظهور المدروس والبارز على مسرح الدبلوماسية الدولية، على سبيل المثال كوسيط بين الأطراف المتحاربة في أوكرانيا، برزت السياسة التركية تجاه سوريا أيضا بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة.
تحول في السياسة تجاه سوريا
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتخذ فيها الرئيس التركي مبادرات تجاه الدولة العربية المجاورة لأسباب داخلية. غونول تول، المديرة المؤسسة لـ "مركز الدراسات التركية" في "معهد الشرق الأوسط" والأستاذة في جامعة جورج واشنط، تقول في كتابها الذي نُشر مؤخرًا بعنوان "حرب أردوغان - صراع الرجل القوي في الداخل وفي سوريا"، أن "سوريا لها مكانة فريدة في إستراتيجية أردوغان للبقاء السياسي". وتشرح المؤلف في كتابها كيف يتم تحديد سياسة أردوغان تجاه سوريا بشكل حاسم من خلال مصالحه السياسية الداخلية.
منذ عدة أسابيع، كانت هناك مؤشرات متزايدة على ما يمكن وصفه بتحول جذري في موقف تركيا تجاه النظام في دمشق. في بداية العام الجديد، تحدث أردوغان مرة أخرى، وبشكل أوضح من ذي قبل، عن إمكانية لقاء مباشر مع الدكتاتور السوري بشار الأسد. قمة تركية - سورية ستكون تتويجا لعملية مدعومة من موسكو تجري وراء الكواليس منذ شهور، من المتوقع أن تنتهي بتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
ويبدو أن هذه العملية متقدمة، فقبل وقت قصير من مطلع العام، انعقد اجتماع لوزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا في موسكو. وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن وزراء خارجية الدول الثلاث سيجتمعون في فبراير/ شباط لوضع أسس القمة المزمعة بين الأسد وأردوغان.
بوتين إلى جانب الأسد
الدراما الدبلوماسية السرية على أعلى مستوى ستكون مهمة. في سياق الحرب السورية المستعرة منذ أكثر من عشر سنوات، انهارت العلاقات التركية السورية تمامًا. وبتحريض من أردوغان، أصبحت تركيا الداعم الأكثر أهمية للمعارضة وفي بعض الأحيان أهم منطقة انطلاق للمعارضين المسلحين ضد الأسد. من ناحية أخرى، كانت روسيا بوتين ولا تزال أهم داعم للأسد. قد يفسر هذا الظرف وحده اهتمام موسكو الخاص بالتسوية السورية التركية.
سيكون اجتماع القمة بين الأسد وأردوغان انتصارًا سياسيًا لفلاديمير بوتين - وهزيمة للأمريكيين. واشنطن، التي تقاتل إلى جانب الميليشيات الكردية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، الأمر الذي يثير استياء تركيا، لم تخفِ حقيقة أنها ترفض تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس "نحن لا نؤيد التطبيع"، في رد من واشنطن على التطورات الجارية في مثلث العمل موسكو - أنقرة - دمشق.
من الواضح أن التحذير الأمريكي كان له تأثير ضئيل على أردوغان: في السياسة السورية، يستمع الرئيس التركي هذه الأيام إلى بوتين وليس لجو بايدن، وهذا أمر مؤكد.
مقايضة من نوع خاص
وفقًا لتقارير إعلامية، فإن الأساس السياسي لاتفاق تركي سوري يلوح في الأفق، هو نوع خاص من صفقة المقايضة: في مقابل اعتراف أنقرة بالأسد كحاكم لسوريا وتطبيع العلاقات الثنائية على جميع المستويات، تلتزم دمشق، كما يقال، بتدمير الهياكل الكردية في شمال سوريا والالتزام بأنها لن يكون لها دور في مفاوضات السلام المستقبلية.
بالنسبة لأردوغان، الذي يتخذ قراراته بشكل متزايد حسب استطلاعات الرأي، فإن مثل هذه الصفقة مع الديكتاتور السوري قد تكون مفتاح النجاح في الانتخابات.
وتظهر الاستطلاعات أنه بعد الأزمة الاقتصادية، أصبح ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا أهم قضية بالنسبة للناس. لم يتبق سوى القليل من "ثقافة الترحيب" السابقة في الأناضول؛ إذ تفضل الغالبية العظمى من الأتراك رؤية السوريين يغادرون اليوم وليس غدًا. تم تأكيد هذا الموقف الشعبي الرافض للتو مرة أخرى من خلال دراسة استقصائية. وتُظهر النسخة الحالية من "بارومتر السوريين"، وهي دراسة مستمرة من قبل أستاذ العلوم السياسية مراد أردوغان، والتي تجمع بانتظام أحدث النتائج عن السوريين في تركيا، أن حوالي 70 بالمائة من الذين شملهم الاستطلاع غير راضين عن سياسة الحكومة تجاه سوريا. وعندما يتعلق الأمر بالمهاجرين من الدولة المجاورة، فإن أردوغان في وضع حرج.
والاتفاق السياسي مع الأسد الذي من شأنه أن يكرس مطالبة تركيا بعودة اللاجئين، فضلاً عن اتفاق من شأنه أن ينهي وجود الميليشيات الكردية في منطقة الحدود السورية، سيكون بمثابة هبة سياسية من السماء لأردوغان قبل فترة وجيزة من الانتخابات.
رونالد مايناردوس (أثينا -اليونان) / ترجمة: زمن البدري