تقارب أردوغان والأسد.. براغماتية تركية تخلّف رابحين وخاسرين
٧ يناير ٢٠٢٣يطرق أردوغان مجدداً أبواب النظام السوري لتحقيق تقارب معه تحت رعاية روسية بالأساس. تترقب المنطقة اتفاقاً ثلاثياً قد يحصل لأول مرة منذ اندلاع الحرب في سوريا بين ثلاثة أطراف فاعلة، ما قد يغيّر خارطة الصراع بشكل كبير، ويخلق منعرجاً تاريخياً قد يُنهي وجود أطراف أخرى في الأزمة، أو يضعف وجودها، فيما قد تكون الولايات المتحدة، الخاسر الأكبر بين القوى الدولية.
آخر التطورات الجديدة، إعلان أردوغان أنه قد يجتمع مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل جهود السلام، وأن هناك عملية محادثات ثلاثية بين تركيا وروسيا وسوريا، ستجمع أولا وزراء الخارجية، وبعدها قد تجمع رؤساء الدول.
لكن بشار الأسد لا يظهر متحمساً كثيراً لمد يده لأردوغان، ثلاثة مصادر مطلعة على المفاوضات تحدثت لوكالة رويترز عن إن دمشق ترى في محاولات أردوغان التقرب منها بحثاً عن مصالح انتخابية تهمه بالأساس، وذلك في إحالة على انتخابات الرئاسة التركية المقررة في يونيو/حزيران 2023، وأحد المصادر تحدث عن رغبة سورية بتأجيل التقارب إلى ما بعد الانتخابات، بينما أشار مصدر آخر إلى أن دمشق تشترط أولاً انسحاباً كاملا للقوات التركية.
ويشير مصطفى غوربوز، الباحث غير المقيم بالمركز العربي في واشنطن، إلى إننظام الأسد متشكك تجاه النوايا التركية، ويتخوّف من أن لقاءً بين الأسد وأردوغان سيؤدي إلى شرعنة الاحتلال العسكري التركي لمناطق في شمال سوريا، خصوصاً وأن أنقرة لن تتجاوب مع مطالب دمشق بالانسحاب، ويرى الباحث في مقال له أنه إذا لم تقدم تركيا تنازلات، فقد تقتنع دمشق بأن أردوغان غير جدي وبالتالي لا تدعم أردوغان في بحثه عن "نصر انتخابي".
ويقول الدكتور محمد الشرقاوي أستاذ تسوية الصراعات الدولية والعضو السابق في لجنة خبراء الأمم المتحدة لـDW عربية إن "أردوغان قدّر أن من مصلحته التوافق مع إرادة الكرملين وإلغاء المعارضة السابقة لنظام بشار الأسد والتغاضي عن خطاياه في قتل المدنيين وتهجير اللاجئين. وهو بالتالي يطبق ما اصطلح عليه كوينسي رايت في كتابه "دراسة الحرب" عام 1942 بـ Bandwagoning أو الاتحاد مع دولة أقوى واعتبار إرادتها في الإقليم خارطة طريق للتسوية مع الجار والخصم القديم في دمشق".
براغماتية تركية ومكاسب روسية
من أكبر الملفات التي تسبب صداعاً لأردوغان مسألة اللاجئين السوريين في بلاده، ورغبته الكبيرة بإعادة مليون لاجئ بشكل طوعي إلى سوريا، بحثاً عن تخفيف الأجواء مع المعارضة التركية القومية التي ترفض استمرار تركيا بلد استقبال للاجئين، ومن ثم كسب أصوات المتعاطفين مع اليمين في الانتخابات.
ويمكن لتقارب مع النظام السوري أن يجعل أردوغان يمضي قدماً في سياسة الترحيل، مع ما يتيحه هذا التقارب من توزيع للعائدين في مناطق متعددة من سوريا وليس فقط الشمال الغربي، حيث تبسط أنقرة سيطرتها رفقة فصائل معارضة مسلحة موالية لها.
ولا يوجد إشكال عند أردوغان في البحث عن صلح مع "أعدائه" و"خصومه" السابقين بحثاً عن مصلحة نظامه، فقد صافح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتودد كثيرا للقاهرة حتى يتم تطبيع العلاقات، وزار الإمارات لأول مرة بعد تسع سنوات، وأعاد تقوية العلاقات مع إسرائيل، وبعث برسائل ودية كثيرة للاتحاد الأوروبي.
الرابح الآخر في التقارب المحتمل هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يحتفظ من جهة بعلاقات جيدة مع أردوغان، لا سيما بعدما خرج هذا الأخير عن الاتجاه الغربي في تعامله مع موسكو بعد غزوها لأوكرانيا، بل أضحى أردوغان وسيطا بين الغرب وروسيا في ملف هذه الحرب. ومن جهة ثانية بوتين هو الداعم الأكبر لنظام الأسد، ولولا هذا الدعم ربما ما رجحت كفة الحرب في سوريا لصالح النظام، ما يجعل بوتين يجمع صديقين له، بما يخدم مصالحه في سوريا والمنطقة.
ويشير الشرقاوي، في تصريحاته بالبريد لـDW عربية، إلى أن "تفسير الانفتاح التّركي على نظام الأسد بعد قرابة 12 عاماً من القطيعة يجب أن يستحضر وجود مثلث استراتيجي، أهم لاعب فيه هو الكرملين، حيث تمت هندسة ما وصفه الرئيس أردوغان بـ"عملية بدأتها تركيا وروسيا وسوريا في موسكو."
ويوضح الشرقاوي أن "الرئيس أردوغان، المعروف ببرغماتيته المتحورة بين الغرب والشرق، يدرك أن الكرملين يعتبر سوريا موطئا استراتيجياً له في شرق البحر المتوسط بفعل أهمية قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، فضلا عن تشييد روسيا لأول وحدة للطاقة النووية في تركيا حالياً".
خاسرون كثر
أكبر الرافضين الدوليين لهذا التقارب هي واشنطن التي أعلنت خارجيتها أنها "لا تدعم الدول التي تعزز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار للديكتاتور بشار الأسد"، واتهمت واشنطن الحكومة السورية بارتكاب فظائع ضد الشعب السوري ومنع وصول مساعدات إنسانية للمناطق الخارجة عن سيطرة القوات الحكومية، وتدرك واشنطن أن هذا التقارب سيضعف أيّ تأثير لها على الساحة السورية.
"نحن أمام تعقيد لأزمة قائمة بين أنقره وواشنطن وأردوغان يعمق مناكفته للأمريكيين بالاقتراب أكثر من الكرملين"، يتحدث الشرقاوي، مضيفاً أن واشنطن تملح إلى قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ عام 2020 ويتيح معاقبة النظام السوري وحلفائه وينص على فرض عقوبات على الأجانب الذين يدعمون دمشق.
كما أن التقارب قد يعطي الضوء الأخضر من نظام الأسد لأردوغان لتوسيع العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش التركي في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية. فأنقرة تهدد منذ مدة بعملية شاملة، وبات ملف الأكراد المسلحين الشاغل الأكبر لأردوغان في عملياته العسكرية، وبات يتجاوز بكثير العلاقة المتوترة مع النظام السوري.
المقاتلون الأكراد باتوا من بين أكبر الخاسرين من هذا التقارب المحتمل. وما يجمع روسيا وتركيا والنظام السوري هو الرغبة في القضاء على هذه القوات حسب الباحث الفرنسي المتخصّص في الشأن السوري فابريس بالانش في تصريحه لفرانس برس.
فإذا كانت أنقرة ترى في وجود المقاتلين الأكراد قرب حدودها خطرا كبيرا، وفق الباحث ذاته، فإن روسيا تراهم حليفا للولايات المتحدة يجب تصفيته، بينما تصنفهم دمشق خصما استولى على أراضٍ في الشمال غنية بالثروات النفطية.
ويبرز الشرقاوي من جهته أن "تلويح أردوغان بقرب عملية عسكرية برية داخل الأراضي السورية يزيد تعقيد العلاقات غير المستقرة بين أنقره وواشنطن"، ويبيّن أن أردوغان بات "يميل أكثر نحو المناورة مع الشرق وإن كانت تركيا عضوا في حلف شمال الأطلسي وعلى جوار استراتيجي مع أوروبا".
الخاسر الثاني المباشر هي قوات المعارضة المسلحة التي تعيش مسبقاً وضعاً من التشتت. ما يعرف بـ"الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا دخل في معارك مع هيئة تحرير الشام 'هيئة النصرة سابقا' على مناطق النفوذ، بينما وقفت فصائل كانت محسوبة على هذا الجيش، إلى جانب التنظيم الجهادي، ما سهل مأمورية "الجيش العربي السوري" الذي استعاد عددا من المناطق.
ويشير الشرقاوي إلى أن تصريحات بعض المراقبين الأتراك بأنه لن يتم التخلي عن المعارضة الموالية لأنقرة تبقى "سردية دبلوماسية لا تقر بأنها تحاول القفز إلى الأمام على حقيقة أن التطبيع مع نظام الأسد هو بمثابة طعنة في الظهر الهذه المعارضة". ويتابع أن أردوغان معروف بـ"براغماتيته ومحاولة الجمع بين النقائض"، وأن "على المعارضة السورية خفض توقعاتها من مواقف أردوغان، وأخذ العبرة من تجربته السابقة مع القاهرة وكيف غيّر نبرته إزاء المعارضة المصرية في تركيا".
إسماعيل عزام