"معالجة الهجرة غير الشرعية تبدأ بمد يد المساعدة لا بإغلاق الحدود"
١٢ أبريل ٢٠١١لا يزال موضوع الهجرة غير شرعية يثير جدلا واسعا داخل الاتحاد الأوروبي. فبعد أن قررت إيطاليا معالجة موضوع المهاجرين السريين الذين قدم معظمهم من تونس إلى جزيرة لامبيدوزا من خلال منحهم تصاريح إقامة مؤقتة، وجهت ألمانيا وفرنسا انتقادات لاذعة إلى الحكومة الإيطالية، إذ تخشى هذه الدول من أن يساعد مثل هذا الإجراء في تشجيع الهجرة غير الشرعية. فهل مخاوف الساسة الأوروبيين مبررة؟ وهل بإمكان وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين من خلال تشديد المراقبة على الحدود؟ لتسليط مزيد من الضوء على هذا الموضوع أجرت دويتشه فيله حوارا مع كارل كوب، المكلف بالشؤون الأوروبية في المنظمة الحقوقية الألمانية برو أزول، التي تعنى بالدفاع عن اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.
وإليكم نص المقابلة:
دويتشه فيله: تشهد تونس حاليا استقرار نسبيا، فيما لا تزال ليبيا تشهد معارك دامية بين الثوار وكتائب القذافي. هل تعتقد تواصل وفود اللاجئين على السواحل الأوروبية؟
كارل كوب: نعم، في الواقع نحن نتوقع ارتفاع عدد اللاجئين. وما يدعوني إلى الدهشة هو أن عددا قليلا نسبيا تمكّن بالفعل من الوصول إلى أوروبا إذا أخذنا بعين الاعتبار الأوضاع، التي تمر بها منطقة شمال إفريقيا في الفترة الحالية. نحن نتحدث عن عدد لا يناهز 25 ألف لاجئ تمكن من الوصول على قيد الحياة إلى السواحل الأوروبية الجنوبية، فيما فقد العديد حياتهم غرقا في محاولة العبور من ليبيا إلى أوروبا هربا من المعارك الدامية على غرار الكثير من اللاجئين الاريتريين والصوماليين، الذين تعذر عليهم مغادرة البلاد والذين لم يتم إنقاذهم وحمايتهم من قبل أي جهة رسمية. أعتقد أن التحولات، التي تشهدها شمال إفريقيا وكذلك الحرب الأهلية في ليبيا، من شأنها أن تدفع الكثيرين إلى الهجرة نحو أوروبا.
لقد قلت إن عدد المهاجرين غير الشرعيين من شمال إفريقيا وغالبيتهم في الوقت الحالي من التونسيين، قليل نسبيا. إذن لماذا يطلق بعض السياسيين صرخات الفزع ولما هذه المخاوف في أوروبا من هؤلاء اللاجئين والمهاجرين، خاصة وأننا نعلم أن قوارب الهجرة غير الشرعية ليست بالأمر الجديد على أوروبا؟
أعتقد أن ما يحدث الآن ينم عن هيستريا وشعبوية بعض المواقف السياسية في ألمانيا مثلا، على غرار تشديد المراقبة على الحدود الألمانية بعد أن أعلنت إيطاليا نيتها منح نحو 22 ألف لاجئ تونسي تأشيرة إقامة مؤقتة صالحة لكافة مجال شينغن الأوروبي. ويبدو أن وزير الداخلية الألماني هانس بيتر فريدريش يريد فعلا إعادة إغلاق الحدود، التي تم فتحها بموجب الاتفاقيات الموقعة لإنشاء الاتحاد الأوروبي. وأعتقد أن هذا الموقف يعكس أن البعض لم يدرك بعد أننا نعيش داخل الاتحاد الأوروبي ولسنا في أيام العصر الحجري. أوروبا يجب عليها أن تتوقف عن مجرد الحديث عن ضرورة التضامن مع الشعب الليبي مثلا وأن تقوم باتخاذ إجراءات ملموسة لمساعدة أولئك الذين يبحثون عن الحماية وإيوائهم بطريقة شرعية في أوروبا. كما يتعين على الأوروبيين التعامل مع كل اللاجئين القادمين على متن القوارب إلى السواحل الأوروبية بطريقة تحفظ لهم كرامتهم وحقوقهم وبدون استثناء. ومن يريد منهم طلب اللجوء، فيتعين على الأوروبيين إعطائه هذا الحق في ظل دولة القانون. وعلى دول الاتحاد الأوروبي أن تسمح أيضا بتوزيع اللاجئين فيما بينها وفق معطيات إنسانية، مثلا إذا كان لهؤلاء أقارب في دولة أوروبية ما، فعليها أن تسمح له باللحاق بهم.
هل تعتقد أن أوروبا تواجه صعوبات في معالجة موضوع المهاجرين القادمين من شمال إفريقيا؟
لا، بتاتا! إذا أخذنا بعين الاعتبار التعداد السكاني الأوروبي، الذي يقدر بنصف مليار شخص والقوة الاقتصادية واللوجيستية وعدد اللاجئين القادمين من شمال إفريقيا لا يكاد يتجاوز 25 ألف. أرى أنه من المفارقة أن يتم تضخيم هذا الموضوع في الوقت الحالي، الذي تقدم فيه تونس الصغيرة والتي تواجه حاليا صعوبات اقتصادية وتحديات جمة عقب الإطاحة بالرئيس بن علي، مساعدات لأكثر من 200 ألف لاجئ هربوا من المعارك الدائرة في ليبيا. تونس، البلد الصغير، فتحت أبوابها لإيواء اللاجئين وأوروبا الكبيرة المترامية الأطراف تحاول إغلاق حدودها.
ولكن هناك بعض الساسة الألمان الذين يقول إن هؤلاء اللاجئين، الذين قدم معظمهم من تونس عقب سقوط نظام بن علي، ليسوا لاجئين بالمفهوم التقليدي، أي أنهم غير ملاحقين من خطر يحدق بحياتهم وإنما هم لاجؤون اقتصاديون، أي أنهم قدموا إلى أوروبا بحثا عن فرص عمل؟ وعليه يرى هؤلاء الساسة أنه لا يحق لأغلبية هؤلاء الحصول على حق اللجوء....
أعتقد أنه ليس من الحكمة القيام بأي تشخيص كان لأوضاع اللاجئين دون معرفة دوافعهم وحالاتهم عن كثب، وبالتالي أرى أنه يحق لهؤلاء تقديم طلب لجوء والنظر في هذا الطلب وفقا للقوانين المعمول بها وسنرى ما الذي ستفضي إليه هذه العملية. وأعتقد أن نحو أو أكثر بقليل من 4000 تونسي تقدموا بطلب في اللجوء في إيطاليا. ولكن هناك أيضا من يقول إنه يبحث عن عمل في أوروبا أو الالتحاق بأقاربه المقيمين في واحدة من الدول الأوروبية. أرى أنه يجب على أي حال إيجاد حلول تحفظ الكرامة وتحافظ على حقوق الإنسان.(...) وأرى أن ما فعلته السلطات الفرنسية في الفترة الأخيرة مثل إعادة إرسال تونسيين أرادوا السفر إلى فرنسا رغم أنه كان لديهم رخص إقامة إيطالية والتعامل معهم مثل الكرات التي تتقاذفها السلطات الإيطالية والفرنسية فيما بينها، معاملة مهينة. وعليه يجب على دول الاتحاد الأوروبي أن تتعامل بكرم أكبر في هذه القضية لمساعدة دول مثل تونس في هذه الفترة الانتقالية التي تمر بها. كما يتعين على أوروبا بذل كل الجهود لدعم مساعي التونسيين لبناء دولة ديمقراطية وحريات.
يرى بعض السياسيين أن إيطاليا قادرة على استيعاب 22 ألف مهاجر غير شرعي، قدم أغلبيتهم من تونس، وأنها ليست بحاجة إلى طلب توزيع هؤلاء على دول الاتحاد الأوروبي....
أعتقد أنه ما من داعي لكي تعلن إيطاليا بمساحتها وحجمها الاقتصادي حالة الطوارئ حينما يتعلق الأمر بإيواء 22 ألف لاجئ. وأعتقد أن ما حدث في جزيرة لامبيدوزا، على غرار ازدحام مراكز الإيواء وقلة الأماكن المُتاحة لاستيعاب هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين إنما كان مفتعلا لتضخيم الأمر. إيطاليا بإمكانها إيجاد حلول وإيواء 22 ألف لاجئ دون أي صعوبات، على عكس ما تروج له. وما نشهده الآن أن هناك خلافات بين دول الاتحاد الأوروبي في معالجة هذا الموضوع وبدل البحث عن حلول يريد البعض تشديد إجراءات المراقبة على الحدود. هذا الأمر من شأنه أن يرسل إشارات سلبية جدا إلى دول شمال إفريقيا.
ولكن إيطاليا أعلنت عقب اتفاقية مع الحكومة التونسية المؤقتة، منح المهاجرين التونسيين الذين وصلوا إلى الأراضي الإيطالية قبل هذه الاتفاقية، تراخيص إقامة مؤقتة ب6 أشهر صالحة لمجال شينغن الأوروبي. كيف تقيم هذه الخطوة؟
لو كان هذا القرار يطبق على كل دول الاتحاد الأوروبي، لكنت رحّبت بهذه الخطوة بأنها جيّدة. لكنه قرار إيطالي فقط وبالتالي فإن ذلك من شأنه أن يُقابل بالرفض وبتشديد الإجراءات على الحدود مثلما حصل في فرنسا على حدودها مع إيطاليا...
هل يحق للسلطات الفرنسية أو الألمانية، وكلا الدولتين عضوان في الاتحاد الأوروبي، هل يحق لهما منع تونسيين، حصلوا على رخص إقامة مؤقتة صالحة لمجال شينغن من دولة عضوة أيضا هي إيطاليا، - هل يحق لهم - منعهم من دخول الأراضي الفرنسية أو الألمانية مثلا؟
وفق المعلومات المتوفرة لي فإنه في حال حصول حاملي الجوازات التونسية على هذه التراخيص، فإنه يحق لهم السفر والتنقل داخل مجال شينغن كسياح، ولكن يتعين أن تتوفر بهم شروط مثل حيازة وثائق ثبوتية ومبلغ مالي معين لضمان تحملهم نفقات معيشتهم بأنفسهم. (...) منح تراخيص إقامة، حتى وإن كانت مؤقتة، هي فقط لمعالجة هذا الظرف الإنساني بصفة مؤقتة. لكني أعتقد أنه على المدى المتوسط والبعيد يجب، إلى جانب تقديم المساعدات لدفع عجلة التنمية في تونس، أن تقدم أوروبا وفي إطار شرعي للتونسيين فرصة القدوم والعمل في أوروبا وكذلك تسهيل إجراءات الالتحاق بالجامعات ومدارس التكوين المهني في أوروبا للشباب التونسي. وأعتقد أنه يتعين على أوروبا إطلاق شراكة جديدة مع تونس ومع دول شمال إفريقيا تختلف عن علاقات الشراكة في الماضي.
أجرت الحوار شمس العياري
مراجعة: طارق أنكاي