سوريا رهينة صراعات دولية مع دخول الحرب عامها العاشر
١٢ مارس ٢٠٢٠مع دخول الحرب عامها العاشر، تحوّلت سوريا ساحة تتبارز على جبهاتها جيوش دولية ضخمة وبلغت فيها المعاناة الإنسانية حداً غير مسبوق، فيما ذهبت هتافات صدحت بها حناجر مئات الآلاف من أبنائها المنادين بإسقاط النظام أدراج الرياح.
حين اندلعت الاحتجاجات السلمية منتصف آذار/مارس 2011، لم يتخيل المتظاهرون أن مطالبهم بالديموقراطية والحريات ستكون مقدمة لأكبر حروب القرن الواحد والعشرين، التي قتل فيها أكثر من 380 ألف شخص وشُرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
الأسد لايزال على رأس السلطة
بعد مرور تسع سنوات، ما زال بشار الأسد على رأس السلطة. وما زالت قواته، التي تدخّلت روسيا عسكرياً لصالحها عام 2015 وتتلقى دعماً إيرانياً، توسع نطاق سيطرتها وآخرها تقدم استراتيجي في محافظة إدلب (شمال غرب) حيث سُجلت أسوأ كارثة إنسانية منذ بدء النزاع.
ورغم أن الحديث عن رحيل الأسد بات من الماضي على مايبدو، لكن سوريا اليوم مسرح لتوتر روسي - أمريكي من جهة وروسي - تركي من جهة أخرى، وإيراني - إسرائيلي. وقد فجّر النزاع فيها أزمة هجرة غير مسبوقة في التاريخ الحديث تؤرق أوروبا وترعبها.
ويقول الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش: "إنه ليس مجرد نزاع دولي بسيط. (..) تتواجه الولايات المتحدة وروسيا عبر وكلاء إقليميين" ولكل منهم مصالحه الخاصة.
تنظيمات إرهابية غيّرت المشهد
قبل تسع سنوات، خطّ طلاب على جدار مدرستهم في محافظة درعا الجنوبية عبارة "إجاك الدور يا دكتور" متأثرين بتظاهرات "الربيع العربي"، ما مهّد لانطلاق شرارة احتجاجات رفعت شعار "إسقاط النظام" وتوسّعت لتشمل غالبية المحافظات.
لكن سلميّة التحرك تحطمت سريعاً بعد قمع عنيف ثم اندلاع نزاع مسلح دخلت على خطه تدريجياً دول عدة، خليجية كقطر والسعودية أرسلت مالاً وسلاحاً للمعارضين، وإقيليمة وغربية وعربية صدحت ببيانات مطالبة برحيل الأسد.
وشكّل بروز التنظيمات الجهادية، على رأسها تنظيم "الدولة الإسلامية"، أول انقلاب على أحلام "الثوار" السلميين بدءاً من 2013. حينها تغيّر المشهد السياسي والعسكري. وفي العام اللاحق، تدخلت واشنطن على رأس تحالف دولي لشنّ "حرب على الإرهاب"، شكّل الأكراد رأس حربتها وانتهت بإعلان القضاء على "الخلافة" في آذار/مارس 2019.
لكن تهديد التنظيم لم ينته، فخلاياه النائمة لا تزال قادرة على شنّ اعتداءات دموية. فمع سيطرة التنظيم المتطرف على محافظته دير الزور (شرق)، غادر الناشط عمر أبو ليلى سوريا واستمرّ في توثيق الأوضاع عبر موقعه "دير الزور 24".
ويقول "سوريا ازدادت دماراً وتشتتاً، وكل هذا يتحمل مسؤوليته المجتمع الدولي، الذي تغير شعاره من إسقاط الأسد، ليصبح مرتبطاً بحقبة ما بعد 2014" عام توسّع التنظيم الذي "ساهم وجوده في إطالة عمر نظام الأسد" بعد إنصراف المجتمع الدولي عن "هدف ثورتنا الحقيقي" وإمساك روسيا بزمام الأمور.
سوريا.. دولة واحدة وخمسة جيوش
وتنشط اليوم في سوريا خمسة جيوش نظامية على الأقل، غير المجموعات المحلية أو الخارجية الصغيرة الموالية لهذه الجهة أو تلك.
ينتشر إيرانيون من قوات "الحرس الثوري" ومقاتلون لبنانيون وعراقيون وقوات روسية بطائراتها وعسكرييها في مناطق سيطرة قوات النظام التي استعادت 70 في المئة تقريباً من مساحة البلاد.
ولعل أبرز أهداف طهران المعروفة هي ضمان طريق بري من إيران مروراً بالعراق فسوريا ولبنان والبحر المتوسط. ويتواجد الإيرانيون حالياً بقوة في البوكمال، أبرز المعابر الحدودية مع العراق.
في شمال شرق البلاد، تنتشر قوات أمريكية في مناطق سيطرة الأكراد، الذين أنشأوا إدارة ذاتية باتت مهددة بشدة بعد شنّ تركيا ثالث هجوم عسكري على مناطقهم في تشرين الأول/أكتوبر. وباتت أنقرة، التي تخشى حكماً ذاتياً كردياً قربها، تسيطر على منطقة حدودية واسعة. وتنشر قواتها في إدلب.
ويتذرّع الأمريكيون بـ"حماية حقول النفط"، وأبرزها في مناطق سيطرة الأكراد، فيما يرى مراقبون أن أحد أبرز أهدافهم هو التصدي للنفوذ الإيراني.
ولا تكفّ الطائرات الحربية الإسرائيلية عن اختراق الأجواء واستهداف مواقع للجيش السوري أو للمقاتلين الإيرانيين وحزب الله، وهدفها المعلن منع الإيرانيين من ترسيخ وجودهم.
أزمة اللاجئين تعود مجدداً
وبينما فرّ نحو مليون شخص في إدلب هرباً من هجوم شنّته قوات النظام في كانون الأول/ديسمبر وانتهى بهدنة روسية تركية الشهر الحالي، تبقى أنظار العالم معلّقة على حدود اليونان بعدما فتحت أنقرة حدودها أمام اللاجئين للعبور إلى أوروبا.
وبعدما اكتظت حدود إدلب مع تركيا بالنازحين، تحاول أنقرة الضغط على أوروبا للحصول على مساعدات وارساء منطقة "عازلة" تجمع فيها اللاجئين السوريين، الذين يتواجد 3,6 مليون منهم على أراضيها.
ويرى بالانش أن ما ينتظر إدلب هو أن تتحول مناطق سيطرة الفصائل فيها "إلى (قطاع غزة) في الشمال ملتصق بالحدود التركية"، أي منطقة مكتظة ومطوقة تماماً.
ويرجّح أن يكون العام الحالي "ومن دون شكّ، الأخير الذي نشهد فيه نزاعاً مفتوحاً"، متوقعاً تحوّل سوريا "محمية روسية إيرانية، مع احتلال تركي في الشمال".
ورغم ما يعنيه ذلك من إضعاف للنظام الذي يواجه تحديّات اقتصادية جمّة، يرى بالانش أن "الأسد سيبقى في السلطة وسيُعاد إنتخابه في 2021"، مشيراً إلى أن النظام "سيحكم بقبضة من حديد (...) وأولويته ستكون تعزيز النظام الأمني مجدداً".
وتشهد مناطق عدة استعادتها دمشق اعتقالات واسعة واستدعاءات للخدمة الإلزامية، ما يثير ذعر كثر وافقوا على البقاء فيها آملين بتسوية تشفع لهم لدى مراكز الأمن ذائعة الصيت.
ويقول عمر الحريري، الناشط المعارض الذي غادر البلاد بعد استعادة قوات النظام لمحافظته درعا "لم نتوقع أن نصل إلى ما نحن عليه اليوم، وأن نخسر هذا العدد من الشهداء".
ويضيف "إذا سألنا كل الناس اليوم ما إذا كانوا يريدون العودة إلى ما قبل 2011، قد تجيب الغالبية بنعم، لكنّ الكلمة لم تعد تنفع، بلغنا هذا الوضع، وانتهى".
ع.ح./ع.ج.م. (أ ف ب)