مظفر النواب.. ورحل الشاعر الذي أغضب الأنظمة العربية!
٢٠ مايو ٢٠٢٢نعت وزارة الثقافة العراقية اليوم الجمعة (20 مايو/ أيار 2022) وفاة الشاعر العراقي البارز مظفر النّواب عن عمر ناهز 88 عاماً. وقال مدير عام دائرة الشؤون الثقافية عارف الساعدي لوكالة الأنباء العراقية إن "النّواب توفى في مستشفى الشارقة التعليمي بالإمارات".
ونعى رئيس الجمهورية العراقي الدكتور برهم صالح الشاعر الكبير وقال في تغريدة :"يبقى حيّاً في ذاكرة الشعب مَن زرع مواقفه السياسية والوجدانية بشكل صادق، ولهذا فإن الشاعر العراقي الكبير مظفرالنواب لا يمضي إلى العدم، فهو حيّ في ذهن كل مَن ترنم بقصائده الخالدات لروح المبدع الفذ المغفرة والرحمة، ولأسرته ومحبيه وقرّائه الصبر والسلوان".
كما نعاه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في تغريدة وقال:
وأصدر الكاظمي توجيهات بنقل جثمان الشاعر الكبير بطائرة رئاسية إلى العراق حيث سيدفن.
كما نعته وزارة الثقافة العراقية التي أكدت أن "الشاعر الراحل من أهم الأصوات الشعرية العراقية، حيث تميز بغزارة إنتاجه مع إجادة واضحة ومقدرة فذة على تطويع اللغة وامتلاكه لمخزون جمالي لا ينضب، ما مكنه من كتابة الشعر بأشكاله كافة"، وأن "رحيله يمثل خسارة كبيرة للأدب العراقي لما كان يمثله كنموذج للشاعر الملتزم، كما أن قصائده رفدت المشهد الشعري العراقي بنتاجٍ زاخر تميز بالفرادة والعذوبة".
ويعد النواب من أبرز الشعراء العراقيين والعرب في العصر الحديث.
اعتقال وتعذيب وهروب
ولد مظفر النواب في بغداد عام 1934 لعائلة شيعية أرستقراطية ذات أصول هندية وكانت تهتم للغاية بالفنون والآداب والشعر والموسيقى، وكثيراً ما كان قصر العائلة المطل على نهر دجلة مقراً لجلسات وحوارات شديدة الثراء بين الكتاب والشعراء والسياسيين.
كانت العائلة تحكم إحدى الولايات شمالي الهند قبل الاحتلال البريطاني، وقاومت العائلة الاحتلال ما أثار حفيظة الحاكم الإنجليزي للمنطقة وتصاعدت المواجهة حتى اختارت العائلة المنفى السياسي في بغداد.
منذ صغره، بدأت موهبته الشعرية في اللمعان، وكان ينشر قصائده في مجلات الحائط المدرسية. تمتع النّواب أيضاً بأسلوب شديد الجذب خلال إلقائه الشعر ما خلق له قاعدة جماهيرية عريضة للغاية في العالم العربي. لكن الأسرة الثرية تعرضت لأزمة مالية عنيفة فقدت على إثرها أغلب ثروتها حتى أنه أكمل دراسته بكلية الآداب بصعوبة.
التحق النواب بالحزب الشيوعي العراقي وهو لا يزال يدرس في جامعة بغداد، وتعرض للاعتقال والتعذيب. وبعد الثورة العراقية عام 1958 التي أطاحت بالنظام الملكي، عين مفتشًا في وزارة التربية والتعليم.
في عام 1963، اضطر لمغادرة العراق إلى إيران بعد أن احتدمت المنافسة بين القوميين والشيوعيين - والذي كان واحداً منهم - ما عرضه لملاحقة ومراقبة صارمة من قبل النظام الحاكم.
وفي إيران تم اعتقاله وعذب على أيدي قوات السافاك الإيرانية فيما كان في طريقه إلى روسيا، قبل أن يعاد قسرًا إلى السلطات العراقية. صدر بحقه حكم بالإعدام بسبب إحدى قصائده، لكنه خفف لاحقاً إلى السجن المؤبد.
وعلى طريقة الأفلام الهوليودية، نجح النّواب في الهروب من السجن بأن حفر هو وعدة سجناء سياسيين نفقاً تحت السجن وصل إلى خارج الأسوار، وهي العملية التي أحدثت ضجة كبرى وقتها ليس في العراق وحده وإنما في الدول المجاورة أيضاً.
بعد هروبه قضى فترة متنقلاً بخفاء بين المدن العراقية إلى أن صدر في عام 1969 بيان بالعفو عن المعارضين فعاد إلى منصبه كمدرس بإحدى المدارس.
سافر النواب إلى بيروت، وبعدها انتقل إلى دمشق، وظل يتنقل بين العواصم العربية والأوروبية، وتعرض لمحاولة اغتيال في اليونان عام 1981، ليقضى نصف عمره ما بين مطارد وهارب.
شاعر ثوري
برز النواب كشاعر يعبر عن هموم وقضايا عربية حارقة كا يتناول في قصائده بلغة شعرية لاذعة صراعات المنطقة، إذ لم يركز شعره على العراق وحده الذي كتب فيه بالعامية العراقية قصائد ساحرة ومؤثرة، بل تناول أحوال العالم العربي في أشعاره التي حفلت بروح التمرد والثورة على الديكتاتورية والسلطوية.
إنحاز النواب لقضايا الفقراء والبسطاء والعدل ومناهضة الاستغلال والاستعمار وأنظمة الحكم السائدة، ما عرضه للغضب داخل وخارج وطنه واضطر لاحقاً للعيش منفياً في غربته التي ناهزت نصف قرن تقريباً.
اشتهر بقصائده الثورية القوية والنداءات اللاذعة ضد الطغاة العرب، وأثارت قصائده المشاعر ضد الأنظمة القمعية والفساد السياسي والظلم، مستخدماً في ذلك لغة شديدة القسوة حتى أنه استخدم ألفاظأ نابية من حين لآخر، ما فاقم من عداوة الكثير من الأنظمة له.
من أشهر قصائد النّواب:
تريات ليلية، القدس عروس عروبتكم، الرحلات القصية، المسلخ الدولي وباب الأبجدية، بحار البحارين، قراءة في دفتر المطر، الاتهام، بيان سياسي، رسالة حربية عاشقة، اللون الرمادي، في الحانة القديمة، جسر المباهج القديمة، ندامى، اللون الرمادي، الريل وحمد، أفضحهم، زرازير البراري.
عماد حسن